ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

يابني اركب معنا


يابني اركب معنا

أبناؤنا
فلذات أكبادنا , ومستقبل أيامنا , ونور عيوننا , ومهجة قلوبنا , فراقهم يحزننا , ومرضهم يؤلمنا .
من أجلهم نكد ونسعى ؛ لنوفر لهم حياة كريمة , ومستقبلا مؤمونًا .
ونسعى لتأسيسهم على الأخلاق الفاضلة والتقوى والصلاح و العلم , فيكون منهم العالم والطبيب , والمعلم , والموظف الأمين , والحرفي ؛ ليكونوا بناة يساهمون في تقدم هذا المجتمع ورقيه , وليضع كل واحد منهم لبنة متينة في كيان هذا الوطن الكبير

لابد أن يكون أبناؤنا قدوة في زمن انحدرت فيه القيم وندرت فيه الأمثلة الصالحة , في عصر ضعفت فيه وسائل التوجيه الرسمية : كوسائل الإعلام , ومناهج التعليم وغيرها عن أداء دورها في بناء مواطن ٍ صالح ؛ وبذلك نكون قد قدمنا خدمة جليلة لبلادنا عندما نخرج من بيوتنا هذه النماذج التي تبني ولا تهدم , وتعطي ولا تسلب ,
عندما نرفع بهم راية خير ٍ ونفع ٍ , في الوقت الذي كثرت فيه رايات الفساد والشر .
وأريد أن أركز على ثلاثة أشياء :
الأخلاق
العلم
الحرفة
وأرى ألا نفصل بينها .
فالأولي ( الأخلاق ) تتمثل في حسن الصلة بالله بأداء الفرائض والسنن وحب النبي – صلى الله عليه وسلم – وحب الصحابة والصالحين والاقتداء بهم .
وأيضًا بر الوالدين , وصلة الأرحام والأقارب , واحترام الكبير والرحمة بالصغير , وإفشاء السلام , والمروءة , والشجاعة , والكرم , والصدق , وتعظيم الحرمات , وفعل الخيرات .
والثانية : العلم وأول مظاهره : الاهتمام بالدراسة , والانتظام في المذاكرة , واحترام المعلم , وحب الطموح والتفوق , وتحديد هدفه من الدراسة ( ماذا تحب أن تكون ؟ ) .
ويلحق به : الاهتمام بالحاسب الآلي وترشيد استخدامه .
أما الثالثة : فتعليم مهنة أو حرفة يستطيع أن يمارسها ويجيدها , وُتستغل فترة الصيف لهذا الهدف ؛ حتى لا يعتمد على الوظيفة ولايكون أسيرًا لها .
ولكن هذا لايكون إلا إذا كان الولدان قدوة ؛ فالأسلوب الأمثل لتربية الأبناء على الشجاعة هو أن يروا آباءهم شجعانًا , وقس على ذلك بقية الأخلاق والصفات .

عتاب : زرت صديقا لي , وسألته عن الوقت الذي يقضيه مع الأولاد , فكان الجواب :
أنا أعود من العمل يوميا متأخرا بالليل وغالبا أتعشى وأنام .
وقال عندي عطلة يومي الجمعة والسبت ويوم السبت عندي دورة علمية أيضًا .
المهم أنني فهمت من الحوار معه :أنهم ينبغي أن يذاكروا ويجتهدوا , أنا لا أؤخر عنهم شيئا , كل ولد يعرف مصلحته ......
وبالطبع نصحته , وبينت له المسؤولية والتبعة ؛ فسكت وكأنه راجع نفسه ؛ فحمدت الله على ذلك .
ولكني عدت وأنا أشد حرصًا على أولادي وعلى مسؤوليتي تجاههم ؛ لما رأيت أولاد صاحبي . وفي الحقيقة هم أولاد على خلق وعلم ؛ ولكن ما أحزنني هو طبيعة عمل أبيهم حيث يحرمون منه ومن توجيهه وقتًا طويلا .
وصديق آخر :
رجل فاضل يدعو إلى الله ويفعل الخيرات , ولا يجد بابًا من النفع يستطيع أن يسديه إلى الناس إلا ولجه .
ولكنه قليل الحضور في بيته وبين وأولاده . والنتيجة أن مستوى أولاده لا يعجبه من الناحية الخلقية .
فلماذا لايتمثل صديقي هذا وذاك وأنا قبلهم بموقف سيدنا نوح – عليه السلام – (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) (42) هود.
فإنه لم يترك دعوته لولده إلى آخر لحظة .
فلنأخذ بأيدي أبنائنا ليستقلوا قطار الطاعات , وينخرطوا في سلك الصالحين , ويكونوا من البارزين المرموقين ؛ وليرثوا منا رسالتنا , رسالة الدعوة , دعوة الناس إلى الله , وإرشادالمجتمع , حتى تقوم الخلافة المنشودة , وتستأنف الحياة الإسلامية المأمولة ,وتعود الكرامة للإنسان في ظل شرع الله الحنيف (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
ِبنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) الروم .

الأحد، 7 سبتمبر 2008

من أدب الدعاء

من أدب الدعاء
إن الله سبحانه وتعالى يتحبب إلى عباده , فيعطيهم حيث لم يسألوه , ويرزقهم و لم يطيعوه . ويوحي إليهم : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) غلفر60 . فهو ربنا الذي يربينا ويتولانا , يطعمنا ويسقينا ويكسونا ويهدينا , يعفو ويرحم , ويغفر ويصفح , يقبل توبة التائبين ويأخذ بيد العاصين , الكل يرفع البصر إليه , ويمد الأكف إليه , ويوجه القلوب نحوه ( كل له قانتون ) البقرة 116 .
وما أرق قول الحبيب ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) البقرة 186.
ومن باب حب الله لنا أنه يختار ما هو أصلح – وهو علام الغيوب .
فإن عجل لك الدعوة فاحذر أن تنسب القبول إلى نفسك , أو إلى عملك : فنفسك لم تزكُ إلا بفضل الله , وعملك لم توفق إليه إلا بعون الله ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء ) النور21 .
بل يجب عليك أن تعتذر بعد العمل الصالح لأنك لم تشكر من وفقك إليه حق الشكر , ولذلك كان الاستغفار بعد الصلاة وبعد قيام الليل وبعد الإفاضة .
بل تشكر من وفقك للدعاء , وحرك لسانك به .
وإن لم تجب دعوتك : فبمقتضى علمه وحكمته . فلا تتسخط ولا تعترض .
وما أحسن ما قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر : ( فالمعترض عليه في سره خارج عن صفة عبد ، مزاحم بمرتبة مستحق .
فربما كان يسأل السائل أمرًا يضره , ولا ينفعه . ويقول ابن الجوزي أيضًا : (فربما سأل سيلاً سال به وفي الحديث : أن رجلاً كان يسأل الله عز وجل أن يرزقه الجهاد فهتف به هاتف : إنك إن غزوت أُسرت وإن أسرت تنصرت . ) .
وإما أن يدخرها له يوم القيامة : وما زلت أقتبس من ابن الجوزي – رحمه الله – (فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه، قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.فافهم هذه الأشياء وسلم قلبك من أن يختلج فيه ريب أو استعجال ) انتهى .
والمؤمن الذي يحب الله حقًا يرضى باختيار الله له ويطمئن إليه قلبه
ولا يرضى به بديلا .
بل إنه يرى في وقوفه بباب الله ومناجاته لمولاه , شرفًا لا يستأهله , وفضلا لا يستحقه.
إن المؤمن الذي يوفق للدعاء ويقترب من ربه , يبثه شكواه , ويطرح أحماله على مولاه , ويدمن الوقوف بالباب , سيذوق لذة تهون بجنبها الأرض بما حملت , وينسى الحاجات , ويهرع إلى المطلب الكبير , حب الله , والارتماء بين يديه , في صحبة سعيدة وسبحة جميلة , يتقلب خلالها في نور الله , بين مهابة ورجاء , بين إخبات وإجلال , ينال على إثرها المغفرة , والحب والرضا .
اللهم لا ينقطع عنا فيضك , أو ينحسر عنا حبك , أو نحرم الوقوف بين يديك .
فكفى لي فخرا أنك ربي وكفى لي عزا أني عبد لك .
اللهم لا تفضحني بذنبي , ولا تطردني من رحابك , ولا تخرجني من صفوف العابدين , ولا تحرمني من صحبة الصالحين . آمين . شعبان شحاته

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

من فوائد السجن

من فوائد السجن

بقلم : الشيخ شعبان شحاتة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , وبعد......

يقول الله عز وجل في صدر سورة العنكبوت ( الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) .

فالابتلاء قائم للدعاة ولمن يحاربونهم , فالابتلاء للدعاة حتى يميز الله الخبيث من الطيب , ولمن يعادونهم : أنهم لن يفلتوا من الحساب ولن يعجزوا الله في الأرض .

وحيث اقتربت انتخابات المحليات , فصال أقاربنا علينا وجالوا , وكان السجن والحبس . فهل كانت لهذه الفترة فوائد ؟ .

نعم ، كانت لها فوائد أوجزها فيما يلي :-

الفائدة الأولى : وضع القيود في الأيدي ( الكلبشات ) .

إنها كانت أول مرة , لم يكن أمرًا صعبا على النفس , ولكنه كان مستغربا أن يقيد المصلحون , ويترك المفسدون , وكل الناس بذلك يعلمون !

ولكني تذكرت الآخرة فقلت عسى الله أن ألا يقيدني يوم القيامة , وأن يلبسني أساور من ذهب وفضة , وهذه كلها أيام منفضة .

الثانية : أن يراني الناس مقيدا أثناء العرض .

حتى لا أخشى في الله لومة لائم , ولكي يرى الناس الدعاة وهم يؤذون فنكسب ودهم وتعاطفهم , ولتعلم الجماهير الإيجابية المتمثلة في وقفة المصلحين في وجه الطغاة .

الثالثة : الحبس بين الجدران .

أحسست بأنني منتصر ؛ فلم يستطيعوا ثني قناتي ولا كسر إرادتي , فنعمت بتدبر القرآن وخشوع الصلاة , والذكر والتسبيح يعينني على ذلك إخوان كرام .

ولكن الشعور بالحبس صعب على النفس أيا كان الأمر .

فلما راجعت نفسي وقلت : إنه حبس في سبيل الله . فهان الأمر وصار سهلا وتخطيت مرحلة الصبر إلى مرحلة الرضا , بل شكرت الله أن جعلني مجاهدا مضحيا بالبعد عن الأهل والمال والولد .

الرابعة : خطفت من الدنيا :

كنت بين أولادي ومالي وعشيرتي وأصبحت لا أملك من ذلك شيئا . فانشغلت بآخرتي , وعمدت لإصلاح ما في نفسي من خلل .

وشبهت نفسي بسيارة فيها أعطال خطيرة , كان لابد أن تقف أو توقف لتصلح أعطالها قبل أن تنفجر !

الخامسة فتنة الولد :

بعد مرور أسبوعين تدخل الشيطان – الذي لا ييأس – وزين في العين أولادي , وعظم شانهم في فؤادي .

خاصة صغارهم عندما يرونني فيبكون , وكبارهم يشاهدونني فيحزنون .

ولكن الله الرحيم لا يترك عباده نهبا لشيطان لعين .

فأنست إلى القرآن والترتيل , وركنت إلى الذكر والتهليل , ومازلت حتى صار أحب إلى من الدنيا ومن أولادي أجمعين .

فعرفت أن الله اختارنا لدينه واصطفانا لدعوته , ونحن العصاة المذنبين , وصدق الله العظيم ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) .6 الرعد .

السادسة :الدعوة تسير .

جاءني خاطر - أنا وإخواني - أن الدعوة ستتأثر بسبب وجودنا في السجن , لأن لكل منا نشاطا مفيدا في المجتمع , فإذا بالأخبار تأتينا بأن الدعوة تسير على خير ما يرام .

فقلت حتى نعلم أننا لا نقدم ولا نؤخر فالدعوة دعوة الله والدين دينه يغرس له بيديه , وما نحن إلا كما قال القائل : نستر القدرة ونأخذ الأجرة ولا نملك من الأمر شيئا .

السابعة : أولادنا أبطال :

كتب الأولاد إلى آبائهم رسائل مفيدة , وفوائد عظيمة .

كتبت إلي إحدى بناتي _ وهي في الصف الخامس الابتدائي – تقول : با أبت أنا فخورة بك بين زميلاتي ؛ لأنك ( ما بتعملش حاجة غلط , أنت تدافع عن الحق الذي يأمرنا الله به , وموش هانزعل على فراقك لأنك في سبيل الله , وأنت أحسن أب في الدنيا أنت وإخوانك ) . وكتب من هم أكبر منها كلاما أفضل وأجمل , أثلج صدورنا , وروح عن نفوسنا .

الثامنة : ارتفعت النفس

فلم أعد أتسخط على من ظلمني وآذاني , حيث كانت وقفتي لله , وهو كانت وقفته لمن ؟ .

إن شاء الله حاسبه , وإن شاء عفا عنه ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) المائدة 118 .

التاسعة : تماسك أسر الإخوان , ومتانة بيوتهم .

فقد أظهرت الزوجات – بعون الله تعالى – قدرة كبيرة على إدارة شؤون البيوت , مما طمأن الإخوان على سلامة ظهرهم , وقوة خط الدفاع من خلفهم .

العاشرة : المجتمع معنا

فقد زارنا – في السجن – طوائف الناس حتى إخواننا المسيحيين , وزملاء العمل , ومن كنا نظن أنه يعادينا , أو يتحامل علينا .

وبعد خروجنا – بحمد الله تعالى – كان استقبال الناس لنا يفوق الوصف , وسقط الحاجز بين الناس وبين السجن , ولم يعد يرهب الناس زيارة الإخوان في السجن أو في بيوتهم . بل صار الناس يحتفون بنا ويكرموننا .

كلمة أخيرة :

لا يحتاج الترابط الأخوي المتين بين أفراد الجماعة إلي مزيد من البيان في مثل هذه الظروف بالذات .

العلم الشرعي كان يعرض في السجن بصورة سهلة وميسورة , فكان بعض الإخوان يهمل ويتقاعس ولا يقبل على هذا الخير ؛ مع أنه أحوج الناس إليه !

حمدنا الله كثيرا على نعمة الإخوان وفهمها الصحيح للإسلام من خلال احتكاكنا ببعض إخواننا من الاتجاهات الأخرى .

اللهم تقبل منا , وثبتنا على طريق دعوتك حتى نلقاك مخلصين صادقين غير مغيرين ولا مبدلين , وانصر المسلمين , ووحد كلمتهم وارفع رايتهم . آمين

آمين .

hudahuda2007@yahoo.com

أين أمي ؟ .

أين أمي ؟ .

عدت إلى البيت من رياض الجنة , من مجالس الدعوة الفيحاء , وإذا كانت الأوبة إلى المنزل من هكذا سياحة ؛ فإني أعود وقلبي مفعم ٌ بالشوق لأهلي وأبنائي لأؤدي دوري بينهم ؛ وقد جئت بما جئت من رياحين الدعوة الفياحة , ونسائمها الفياضة عدت بنفس ٍ صافية عن ربها راضية .
ونظرت فلم أجد أمامي شيئًا مهمًا فقلت علي الفور : أين أمي ؟ !! .
إن أمي قد لحقت بربها الكريم منذ سنوات عدة . إني قصدت أين زوجتي !! .
ولكن ما الذي حملني على وصفي لها بالأم ؟ .
إني قلتها من غير تفكير , ونطقتها بدون قصد .
ولكن هل زوجتي في قلبي بمنزلة الأم ؟ . سبحان الله !! .
ثم تأملت حالي , ونظرت في نفسي فقلت : نعم هكذا عندما نكون في حالة من صفاء القلب وهدوء الطبع وصلاح البال .
إنه الإنسان بما ركب الله فيه من عاطفة ووجدان ومشاعر وأحاسيس .
ومرت هذه اللحظة الجميلة , ومر عليها شهور .
وفي ذات ليلة كنت مريضًا , وقمت قبل الفجر أشرب شيئًا من هذه الأعشاب التي يتداوى الناس بها , وشعرت بالتعب فناديت عليها بصوت هادئ ليس عاليًا ولا مزعجًا : هل أنت تسمعينني ؟ . قلتها مرتين . فأجابت : نعم . فقلت : أريد مشروب كذا وكذا قالت : ( حاضر ) , وقامت على الفور .
فقلت لها وهي تناولني ما أشربه : لوكنت أنت ِ المريضة أكنت توقظينني ؟ . فسكتت ثم قالت بكلمات رقيقة و وأدب ٍ جم : ( هو أنت بتتأخر عنا في أي حاجة ) .
وتذكرت الموقف الذي قلت فيه أين أمي , فحكيته لها فبدت ابتسامتها المشرقة وتهلل وجهها كأنه القمر , فنظرتُ وكأني أهديتها الدنيا بأسرها .
ثم قالت : أتريد شيئا آخر ؟ . قلت : أيقظي الأولا د لصلاة الفجر .
شعبان شحاته

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

في رحاب سورة النور

في رحاب القرآن
سورة النور
من النور سميت هذه السورة العظيمة ؛ فالله – عز وجل – هو نور السموات والأرض . والله هو الذي خلق الكون وما أودعه من جمال , وما أرسى فيه من جبال , وما أسكنه من بديع الصنع في الإنسان والبحار والفضاء , وفيما لا نعلم .
ومن فيض هذا النور تأتي هذه الآداب والتعاليم التي تشع النور في النفوس وفي واقع الحياة من حولنا , وتربط الإنسان بهذا النور , بهذا المنهج القويم , منهج الله : القرآن وتعاليمه وأحكامه التي تضمن للمرء سعادة الدنيا والآخرة .
إنها تضع بهذه الآداب سورا من نور , وسياجا من السنا والضياء , يحوط المجتمع المسلم المتخلق بها , وهو ما أراده الله له .
إن شريعة الإسلام تريد أن تبني مجتمعًا نظيفًا مترابطًا قويًا ؛ فكما يحرص الإسلام على النفوس فلا يعتدى عليها بالقتل أوالضرب , وعلى المال فلا نبذره ونضيعه , وعلى العقول فلا نفسدها , وعلى الأعراض فلا تدنس . فإنه يحرص كذلك على المشاعر فلا نؤيها
والأحاسيس فلا نؤلمها .
فليس الحد في الزنا وحده ؛ بل في القذف كذلك !
وليس الاستئذان للأجنبي وحده بل لأهل البيت كذلك !
فلا يجوز أن يجرح الناس في أعراضهم بالقذف , ولا تؤذى مشاعرهم بالدخول المفاجئ عليهم .
ومن الملامح التي يجب الوقوف عندها في هذه السورة الكريمة :
افتتاحية السورة :
( سورة أنزلناها وفرضناها ) يقول صاحب الظلال :
(يدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة؛ ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية ، وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية . .
والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود . وترق إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة ، التي تصل القلب بنور الله وبآياته المبثوثة في تضاعيف الكون وثنايا الحياة . والهدف واحد في الشدة واللين . هو تربية الضمائر ، واستجاشة المشاعر؛ ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة ، حتى تشف وترف ، وتتصل بنور الله . . وتتداخل الآداب النفسية الفردية ، وآداب البيت والأسرة ، وآداب الجماعة والقيادة . بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله ، متصلة كلها بنور واحد هو نور الله . وهي في صميمها نور وشفافية ، وإشراق وطهارة . تربية عناصرها من مصدر النور الأول في السماوات والأرض . نور الله الذي أشرقت به الظلمات . في السماوات والأرض ، والقلوب والضمائر ، والنفوس والأرواح ) .
· أخذ القرآن حادثة الإفك وجعل منها قضية عامة وضم معها الكثير من الآداب في خاصية النفوس وفي البيوت والمجتمع على السواء .
· ربط القرآن بين التمكين للدين وإعزاز المؤمنين , وبين التحلي بهذه الآداب والأخلاق .
· أثنى القرآن على المؤمنين : بأنهم يقولون سمعنا وأطعنا ووصف مصيرهم بالفلاح والفوز .
· لكن القرآن لوح لهم – على سبيل الوجوب - بصفات أخر : بطاعة الله ورسوله , وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة , وما يندرج تحتها من أخلاق وآداب .
· ومن أخلاق المؤمنين التي أثبتها القرآن الكريم : عدم التسلل من بين الصفوف والهروب لواذا وقت الجد
وهذا أيضًا أدب أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف - لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة، أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك -أمرهم الله تعالى ألا ينصرفوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته. وإن من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
ومنها أيضا أن الله عز وجل أمرهم أن يبجلوا النبي ويعظموه : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } .
قال الضحاك، عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل، عن ذلك، إعظامًا لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير.
وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل وأن يعظَّم وأن يسود.

· ونعى على المنافقين كذبهم : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) .
· وهون من شأن الكفر وأهله والنفاق وحزبه , بعد الحديث عن تمكين الله للمؤمنين وإعزازه للصالحين , يقول سبحانه : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) .
إن القرآن جاء ليؤسس هذا المجتمع النظيف بتناول وسائل الوقاية و تضييق طرق الغواية :
يبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها ، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة والحجاب . والحض على إنكاح الأيامى . والتحذير من البغاء . . وكلها أسباب وقائية لضمان الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور ، ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية ، وترهق أعصاب المتحرجين المتطهرين ، وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية .
فالقرآن لم يأت ليقيم نظامه بفرض الحدود وقطع الرقاب والأعضاء ابتداء ؛ ولكن قبل ذلك يستجيش النفوس لترتقي وتتفاعل مع هذا المنهج العظيم وتعلم أنها تكون به خير أمة أخرجت للناس .
نحن اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى الحياة مع سورة النور وآدابها والتخلق بها بعد أن رأينا آثارا سيئة بل مدمرة في البيوت والمجتمعات , وعلى مستوى الدول والأمم .
إن حرية التعري والسفور والاختلاط قد أصابت آثارها عشرات الملايين في العالم ورصدت لها الميزانيات الضخمة
وأعدت لها المستشفيات والأطباء والممرضات .
والأدهى من ذلك أن تعطل المدارس وبعض المصالح الحكومية بسبب مرض الموظفين بالإيدز ( في جنوب إفريقيا ) .
بل إنني أحذر مجتمعاتنا الإسلامية من البعد عن هذه الآدب وقد بدأت ملامح الفساد الأخلاقي بادية أمام أعيننا بين شبابنا من الجنسين .
واسأل عن الزواج العرفي في الجامعة وغيرها ,

مناجاة

مناجاة
اللهم إنك قد أنعمت علينا كثيرَا فلم نشكر ؛ فلم تقطع عنا نعمك .
اللهم إنك ابتليتنا فلم نصبر ؛ فلم تنتقم , فرأفت ورحمتنا , ولم تطل البلاء بنا .
اللهم هذه آياتك في الكون : في الأرض , في السماء , في الفضاء , في النفس . قل فيها نظرنا , وضعف اعتبارنا ؛ فقليلا ما نتأمل , وكثيرًا ما ما نغفل .
اللهم هذه آياتك في كتابك فقليلا ما نتلوها وقليلا ما نتدبر .
اللهم هذه الذنوب تقع منا , وهذه السيئات تبدو , فتعفو وتصفح , وتغفر وترحم , بعد أن تستر ولا تفضح .
اللهم إنا ندعوك ونعدك من أنفسنا الإخلاص والجهاد والإنفاق والثبات على الطاعة ثم لا نلبث أن نعود إلى ما كنا فيه قبل الدعاء , ثم ندعوك فنثبت شيئًا , ثم نعود .
اللهم هذا ظاهري خير من باطني , وعلانيتي أفضل من سري ؛ يرى الناس الخير مني , وإني لشر الناس إن لم تعف عني .
اللهم ... أتحاسبني على كل أفعالي , على كل أقوالي , على كل أسراري ....
اللهم إني أشكو إليك قلبًا قاسيًا , ونفسًا عاصية , وعينًا بالدموع جامدة .
يارب ... إذا كان لا يرجوك إلا المحسن فإلى من يلجأ المخطئ , وبمن يلوذ المجرم ... ليس لنا منك مهرب , وليس لنا عنك مرغب .
أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي , فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
اللهم إني أشهدك بأني أحبك وأعترف بفضلك , وأوحدك , وأثني عليك الخير كله , وأعبدك بقلبي وجوارحي .
لكني مذنب ومقصر .
اللهم إني أحب نبيك , ودينك , ودعوتك , وكتابك , وأعمل مع العاملين لتحكيم شرعتك . لكني مذنب ومقصر .
اللهم إن لم تقبل مني العمل ؛ لضعف همتي وفساد نيتي ؛ فاقبلني لأنني مسلم لا أشرك بك شيئًا , ولا أقف إلا على بابك . وإن لم تفتح لي فلن أبرح ...لن أبرح حتى تفتح لي وتعفو عني وتقبلني .
ألست أنت الذي خلقتني مسلمًا ؟ !! ووفقتني لطاعتك ؟!!! ووفقتني لهذا الدعاء ؟!!!
اللهم ارزقني أن أشكرك حق شكرك , وأن أعبدك حق عبادتك .
اللهم ارزقني شكرًا يليق بنعمك , وطاعة تليق بمقامك .
اللهم ارحم والدينا , ومن له حق علينا , ومن علمنا , وارحم كل المسلمين .
اللهم انصر من نصر الدين واجعلنا منهم , واخذل من خذل الدين ولا تجعلنا منهم .
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان .
آمين .
شعبان شحاته .

تأملات في سورة الأحزاب

بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في سورة الأحزاب
أهداف السورة :
هذه السورة تتولى جانباً من إعادة تنظيم المجتمع المسلم بالمدينة ، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة؛ وبيان أصولها من العقيدة والتشريع؛ كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها؛ وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد .
كما تتناول غزوتي الأحزاب وبني قريظة والدروس والتعقيبات عليهما . وربط هذا وذاك بأصل العقيدة في الله والاستسلام لقدره .
و تختم السورة ببيان الأمانة الضخمة الملقاة علي عاتق هذه الأمة , أمانة العقيدة والاستقامة عليها , والدعوة والصبر عليها , والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم .
وهذا تفصيل لهذه الأهداف في نقاط ٍ محددة :
النقطة الأولى : التقدير العظيم للنبي ومكانته عند الله وذلك يتمثل في :
النداء الندي الطيب الحبيب للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ : ( يا أيها النبي ... ) . بخلاف ما نودي به الأنبياء من قبل : يا آدم , يا إبراهيم , يا نوح ... .
ويلحق به قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون عليى النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ) , فإذا كان الله والملائكة يصلون عليه فمن باب أولى يصلي عليه المؤمنون !!! .
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة ٌ حسنة ٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ) .
الأمر بعدم إيذاء النبي _ صلى الله عليه وسلم :
( يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا )
وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) .
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
والنقطة الثانية :
الأمر بالتقوى للأمة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي اتق الله ) وفي شخص أمهات المؤمنين _ رضي الله عنهن _ ( واتقين الله ) .
وللمؤمنين ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (70) .
الثالثة :
الاستسلام لله تعالى كما في :
َ(ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22 ) .

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) .
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) .
َما كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) .
· الأمر بالحجاب , وإرخاء الثياب ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وأن تقر النساء في بيوتهن , ولا يخرجن إلإ بضوابط معينة منبثقة من روح الشريعة السمحاء .
إبطال عادات :
إن المجتمعات التي عاشت مئات السنين على عادات وتقاليد معينة , ويراد لها أن تتحول إلى نظام اجتماعي جديد يقوم على احترام كرامة الإنسان , والاعتدال والتوازن , منهج مستمد من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – هذا التحويل ينزل به الوحي فيتفاعل معه المؤمنون بالسمع والطاعة, كما حدث في الأمر بالحجاب , وتحريم الخمر وتحريم التبني وإلغاء ميراث التآخي والموالاة وغيرها , لاشك أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت كي يقر ويقام في النفوس أو تقام النفوس عليه .
· إبطال التبني , وقد جاء إلغاء هذا الأمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ليكون أدعى بالتذكر وعدم النسيان , وأن يكون تنفيذه غير قابل ٍ للتلكؤ أو للتأخير .
· عدم دخول بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذن .
· عدم الانتظار - بعد أن طعموا - في بيت النبي صلى الله عليه وسلم - لأن ذلك يؤذي النبي وأهل بيته ويحدث بعض الحرج لدرجة أن أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – كانت تجلس ووجهها للجدار وظهرها للرهط الجلوس والله لايستحيي من الحق :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) .
وإذا كاننت هذه الآداب مأمور بها في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فهي مطلوبة كذلك في بيوت المؤمنين وغير المؤمنين .
· النهي عن تبرج الجاهلية الأولى .
قال مقاتل بن حيان : والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيداري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها . وذلك التبرج!
وقال ابن كثير في التفسير : كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء؛ وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها . فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن .
فكيف بنا إذا قارنا الجاهلية الأولى بجاهلية اليوم !! .
· إلغاء ميراث التآخي ورده للقرابةوالنسب ( وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين .... ) .
ومن نفحات السورة أيضًا :
· إن الناظر إلى واقع العالم الإسلامي اليوم يرى تحزب قوى الشر والاستعمار أهل الحقد والدمار – ضدنا بحرب ٍ ضروس عسكرية احتلوا بها بلادنا وانتهكوا حرمة أوطاننا ودنسوا أعراضنا ونهبوا ثرواتنا , وأخرى لا تقل عنها ضراوة ً ضد مناهجنا التعليمية وقيمنا الإسلامية .
هذا من الخارج أما من الداخل فترى بعض قومنا من يتقوى بهذه الأحزاب ويهتف لها بالمجيء , أو يخرج هو إليهم ويأتلف مع قوتهم المحاربة ويركب معهم آلياتهم ليجهزعلى قومه ووطنه لينال كعكة معجونة بدم قومه وإخوانه .
وآخرون من قومنا من يحارب قيمنا ويدعو إلي السفور والدعارة إما في الكتب وإما عبر شاشات التلفاز والفضائيات أو علي صفحات الجرائد والمجلات . ومنهم من يمالئ كل ظالم ٍ متجبر ٍ ويساند كل أمير ٍمتصدر ٍ . ومنهم من يحارب كل وطني ٍ شريف ويتهم كل صادق ٍ عفيف . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
ومنهم من هو مستعد لأي فننة من هذا النوع أو ذاك ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) .
وما أشبه الليلة بالبارحة : عندما كان المسلمون بين نارين : المشركون من خارج المدينة واليهود والمنافقون والمرجفون من الداخل .
أما الذين لم يتربوا التربية الإسلامية الصحيحة فالخوف ملأ نفوسهم وأحاط بمجامع قلوبهم .
وأما أهل الدعوة والإصلاح , السالكين درب الهدى والفلاح فقالوا: ( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22) .
وما زادهم التضييق والتشويه والضغوط والسجن ( إلا إيمانًا ) أي تصديقًا بوعده سبحانه فى البقرة حين قال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ } [ الآية : 214 ] .
( وتسليمًا ) لأمر الله وقضائه .
· ( وداعيًا إلى الله ) وليس يدعو إلى فتنة أو فساد أو تجبر في الأرض ؛ بل يدعو إلى منهج الله العظيم وصراطه المستقيم .
· حظيت النساء بنصيب ٍ كبير من الاهتمام في هذه السورة من مثل :
( ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا .. .. إلى قوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات ... )
( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن .... ) .
( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا ) .
· تجد الرجل والمرأة على قدم المساواة معًا في مجال التكليف و العمل الصالح والتسابق إلى الله :
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) .
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )(58) .
· شهادة الله عز وجل للمؤمنين ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من يبتظر وما بدلوا تبديلا ) . وما أشرفها من شادة وما أعظها من مكانة !!! . لابدأنهم بالفعل وعدوا فوفوا و عاهدوا فصدقوا ؛ فشرفهم الله بهذه الشهادة .
· وفي مقابل ذلك صورة مرعبة مخيفة للكافرين (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) .
· {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } . .
فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم ، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب .
ولعله فضل نظر الله فيه إلى ضعف هذا الإنسان ، وإلى ضخامة التبعة التي يحملها على عاتقه . وإلى حمله للأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال .
· { لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات } يقول : عرضنا الأمانة على الإنسان لكى يعذب الله المنافقين { والمشركين والمشركات } بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ، ونقضوا الميثاق الذى أقروا به على أنفسهم ، يوم أخرجهم من ظهر آدم ، عليه السلام ، حين قال عز وجل : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } [ الأعراف : 172 ] ، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا الطاعة يعنى التوحيد { وَيَتُوبَ الله } يقول : ولكى يتوب الله { عَلَى المؤمنين والمؤمنات } بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق { وَكَانَ الله غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } [ آية : 73 ] بهم .
· وكفى بهذا ختامًا فالعذاب للمنافقين والمشركين جزاء ً وفاقًا, وفي الترتيب إفادة فخطر المنافقين أشد كيدًا وأنكى خطرًا .
والتفضل بالرحمة والمغفرة للمؤمنين منة من الله الرحيم الودود .
والرحمة مطلقة لا أحد يستطيع أن يحجرها عن الناس حتى المنافقين والمشركين إن رجعوا إلى الله تائبين وعادوا إلى شرعه مستسلمين .
شعبان شحاته / الفيوم .

( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون )

( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , نحمدك اللهم حمد الشاكرين , ونصلي ونسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين .
وبعد
لقد شرفنا الله عز وجل بالانتساب لهذا الدين وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس . هذه الخيرية تكمن في إرشاد البشرية والأخذ بأيديها إلى المعروف وتحذيرها من الفساد والظلم ؛ لكي يعيش الناس عبيدا لله وحده , إلى منهجه يفيئون وعلى شريعته يستقيمون , وبذلك يحرزون خير الدنيا ونعيم الآخرة .
والله عز وجل قد بين لنا مهمتنا في أكثر من موضع في القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143 .
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج (78) .
ولكن أعداء الله وأعدء الإنسانية , أعداء القيم والحضارة يقفون حجر عثرة أمام مهمتنا السامية ؛ يحاربون من يعبد الله ويسير على منهجه القويم , يسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل , فكم من أرامل وأيتام أظلمت حياتهم بغياب عائلهم , وكم من أعراض انتهكت وأموال نهبت وثروات سلبت . ثم إذا دافعوا عن دينهم وأوطانهم وأعراضهم فهم إرهابيون !! .
وهم يحتلون بلادنا منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي فهذه جملتها أحد عشر قرنا , واستمرت الحملات الصليبية حوالي مائتي سنة , ثم أضف إلى ذلك احتلال البلاد الإسلامية والعربية في القرنين الماضيين .
فانظر كم قرنا عاشه المسلمون أو عاشته هذه المنطقة بدون احتلال؟ . ثم بعد ذلك ينعت المسلمون بأنهم إرهابيون !! .
إن مهمتنا تكمن في تعبيد الناس ,كل الناس لله رب العالمين , وأن يُعبد الله وحده لا شريك له , وأن يكون منهجه هو المتبع على هذه الأرض .
ولكن ما العقبات التي تعترض هذه المهمة ؟ .
إن هذا يحملنا أن نصف الوضع الراهن لبلادنا :
حال الأمة : التفرق والتشرذم , دول مقطعة يسهل ابتلاعها : ضعف الاقتصاد ( التجارة والإنتاج,والزراعة والصناعة ) ضعف الحالة السياسية المتمثلة في حكم الفرد , واستبعاد الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة المخلصة وأي قوى معارضة ,أو بمعنى آخر استبعاد الشعوب من محاسبة الحكام, و احتلال بعض الدول الإسلامية ونهب ثرواتنا من البترول وغيره , تخريب الإعلام والتعليم والثقافة لتنشأ أجيالنا بعيدة عن مصدر النور الإلهي , وبعيدة عن تاريخها المجيد ؛ ولكي يسهل السيطرة عليهم مستقبلا .
الهجمة الاستعمارية الشرسة على الإسلام واستغلال طغاة الحكام هذه الهجمة في شل حركة الدعاة وسجنهم والبطش بهم ويساعدهم مايملكون من وسائل الإعلام وأجهزة الشرطة وغيرها .
وكلما برز حملة الإسلام واقتربوا من الحكم قامت أمريكا و أوربا ولم تقعد , وتذكرجبهة الإنقاذ في الجزائر والمحاكم الإسلامية في الصومال.
وحال الدعاة : وما يتعرضون له من محاكم عسكرية وتضييق وفصل من الوظائف أو تحويلهم إلى أعمال إدارية , أو استبعادهم من الوظيفة أصلا , وتشويه إعلامي , والأدهى من ذلك هو سن قوانين أو مواد فى الدستور لمحاربتهم وهذا السلوك يتفاوت من بلد لآخر .
إلا أن :
إلا أن الناظر إلى الأمور بعين البصيرة يرى أن هذا الأسلوب المستمر من أيام عبد الناصر ومن بعده في مصر وغيرها حتى الآن لم يثن أجيال الدعاة المتتالية عن دعوتهم بل إنهم يزدادون أتباعا ,ويكثرون أعدادا وتلتف حولهم الجماهير في كل الدول الإسلامية وشواهد ذلك كثيرة في انتخابات مصر الأخيرة وفي فلسطين وأندونيسيا وغيرها , وما نراه من شواهد أخرى . (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)) . يوسف .
أما ماذا نفعل ؟ .
فإننا نشكو حالنا إلى الله وحده (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )(86) يوسف .
فهو سبحانه القادر على نصرنا مهما تحزب الشر علينا , وتجمع العدو ضدنا , أو استصغرونا في أعينهم . يقول الله عز وجل : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)) الأنفال . فإن الله قادر على إعزاز أوليائه وإذلا ل أعدائه وهذا مقتضى حكمته سبحانه .
إلا أننا لنا مهمة لايمكن أن نتخلى عنها بأي حال : يقول الشيخ محمد الغزالي في كتاب هموم داعية :
{ إن المسلمين في المشارق والمغارب مهيأون ليقظة عامة تحمي كيانهم وتستبقي إسلامهم..
أطلب من عباد الله الصالحين أن يصيخوا السمع للنذير العريان..قبل أن يأخذنا الطوفان، فإن الأقدار تقتص من المستضعفين المفرطين، كما تقتص من المجرمين المعتدين . } !!.
وعلينا أن نتقي الله ونحسن التقرب إليه , ونصبر على الإيذاء (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)) يوسف .
ولنا في الله أعظم الأمل , و اليأس ليس من أخلاق المؤمنين (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)) يوسف .
وكل الحادثات- وإن تناهت - فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) الشرح .
ودرس الأمل عند نبي الله يعقوب لما أخذوا ولده الثاني وتضاعف الخطب لم يهن ولم يضعف بل ربط أمله بالله وحده فقال (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)) يوسف.
وانظر في غزوة الأحزاب كيف علم النبي – صلى الله عليه وسلم - أصحابه الأمل , وفي حادثة الهجرة مع سراقة , وفي حديثه الشريف مع خباب بن الأرت : عندما قال : يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر لنا فبادره النبي – صلى الله عليه وسلم : ( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .
فإذا استحكمت حلقات الأذى على أهل الحق وظنوا أنهم قدكذبوا فاجأهم الله بالنصر المبين (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) , ويشفي الله صدور المؤمنين يالانتقام من أعدائهم : ( فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) 110 يوسف .
ومن المعلوم أن سورة يوسف نزلت أيام حصارالمسلمين في شعب أبي طالب , وهي السورة التي من مفاهيمها النصر والتمكين بعد الصبر الشاق والسجن الطويل , وقلة الناصرين ؛ وكأنها جاءت لتثبت القلوب وتبث الأمل في نفس الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . تماما كما نزلت قصة طالوت وجالوت قبل غزوة بدر لتبين كيف انتصر الجيش القليل على العدد الكبير بإذن الله والله مع الصابرين .
إن النصر آت ٍ لامحالة والتمكين قادم بلا شك وسيعز الله الدعاة أهل الحق ويعلي قدرهم ويرفع شأنهم .
وكأنني أنظر إلى بلال وعمار وخباب عند باب الخليفة عمر ويحضر أبو سفيان وسهيل فيسمح بالدخول للأولين ويؤخر أباسفيان وسهيلا ؛ فيغضب أبو سفيان ويحمر وجهه – رضي الله عنه – فيبادره سهيل مستدركا عليه : يا أبا سفيان إنهم دعوا إلى الله فأسرعوا وأبطأنا فكيف بنا يوم القيامة إذا دعينا فأسرعوا وأبطأنا !! .
واليوم وقد تحكمت أمريكا ومن شايعها من الأوربيين والمستعمرين والطغاة المتحكمين وأصحاب المصالح الآخرين , وفصلت القوانين وغيرت المناهج التعليمية وعولمت الثقافة , وضيق على أصحاب الأقلام الحرة والأراء الفذة , وأفسح المجال لحملة المباخر ومن يبيعون دينهم بدنيا غيرهم – في كل هذه الظروف نجد الأمل يملأ قلوبنا وتستشرف النصرَ نفوسُنا وحينئذ نتمثل قول الرجل الصالح (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) يوسف.
فنحن إذن ليس لنا إلا طريق واحد : أن ندعوإلى الله ونعمل على إصلاح المجتمعات ومؤسساتها , ونأخذ بالأسباب المتاحة , ونتقي الله ونحسن صلتنا به سبحانه , ونصبر ونثق في وعد الله ومراده (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص .
ونثق في نصر الله وإنه لات , ونؤمن بأنه غير بعيد بل إنه قريب جد ٌ قريب ( ألا إن نصر الله قريب ) 214 البقرة .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) النساء (87) .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) النساء(122)
(وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) التوبة .
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (6) الروم .
وعلى الله قصد السبيل .
شعبان شحاته










بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , نحمدك اللهم حمد الشاكرين , ونصلي ونسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين .
وبعد
لقد شرفنا الله عز وجل بالانتساب لهذا الدين وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس . هذه الخيرية تكمن في إرشاد البشرية والأخذ بأيديها إلى المعروف وتحذيرها من الفساد والظلم ؛ لكي يعيش الناس عبيدا لله وحده , إلى منهجه يفيئون وعلى شريعته يستقيمون , وبذلك يحرزون خير الدنيا ونعيم الآخرة .
والله عز وجل قد بين لنا مهمتنا في أكثر من موضع في القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143 .
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج (78) .
ولكن أعداء الله وأعدء الإنسانية , أعداء القيم والحضارة يقفون حجر عثرة أمام مهمتنا السامية ؛ يحاربون من يعبد الله ويسير على منهجه القويم , يسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل , فكم من أرامل وأيتام أظلمت حياتهم بغياب عائلهم , وكم من أعراض انتهكت وأموال نهبت وثروات سلبت . ثم إذا دافعوا عن دينهم وأوطانهم وأعراضهم فهم إرهابيون !! .
وهم يحتلون بلادنا منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي فهذه جملتها أحد عشر قرنا , واستمرت الحملات الصليبية حوالي مائتي سنة , ثم أضف إلى ذلك احتلال البلاد الإسلامية والعربية في القرنين الماضيين .
فانظر كم قرنا عاشه المسلمون أو عاشته هذه المنطقة بدون احتلال؟ . ثم بعد ذلك ينعت المسلمون بأنهم إرهابيون !! .
إن مهمتنا تكمن في تعبيد الناس ,كل الناس لله رب العالمين , وأن يُعبد الله وحده لا شريك له , وأن يكون منهجه هو المتبع على هذه الأرض .
ولكن ما العقبات التي تعترض هذه المهمة ؟ .
إن هذا يحملنا أن نصف الوضع الراهن لبلادنا :
حال الأمة : التفرق والتشرذم , دول مقطعة يسهل ابتلاعها : ضعف الاقتصاد ( التجارة والإنتاج,والزراعة والصناعة ) ضعف الحالة السياسية المتمثلة في حكم الفرد , واستبعاد الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة المخلصة وأي قوى معارضة ,أو بمعنى آخر استبعاد الشعوب من محاسبة الحكام, و احتلال بعض الدول الإسلامية ونهب ثرواتنا من البترول وغيره , تخريب الإعلام والتعليم والثقافة لتنشأ أجيالنا بعيدة عن مصدر النور الإلهي , وبعيدة عن تاريخها المجيد ؛ ولكي يسهل السيطرة عليهم مستقبلا .
الهجمة الاستعمارية الشرسة على الإسلام واستغلال طغاة الحكام هذه الهجمة في شل حركة الدعاة وسجنهم والبطش بهم ويساعدهم مايملكون من وسائل الإعلام وأجهزة الشرطة وغيرها .
وكلما برز حملة الإسلام واقتربوا من الحكم قامت أمريكا و أوربا ولم تقعد , وتذكرجبهة الإنقاذ في الجزائر والمحاكم الإسلامية في الصومال.
وحال الدعاة : وما يتعرضون له من محاكم عسكرية وتضييق وفصل من الوظائف أو تحويلهم إلى أعمال إدارية , أو استبعادهم من الوظيفة أصلا , وتشويه إعلامي , والأدهى من ذلك هو سن قوانين أو مواد فى الدستور لمحاربتهم وهذا السلوك يتفاوت من بلد لآخر .
إلا أن :
إلا أن الناظر إلى الأمور بعين البصيرة يرى أن هذا الأسلوب المستمر من أيام عبد الناصر ومن بعده في مصر وغيرها حتى الآن لم يثن أجيال الدعاة المتتالية عن دعوتهم بل إنهم يزدادون أتباعا ,ويكثرون أعدادا وتلتف حولهم الجماهير في كل الدول الإسلامية وشواهد ذلك كثيرة في انتخابات مصر الأخيرة وفي فلسطين وأندونيسيا وغيرها , وما نراه من شواهد أخرى . (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)) . يوسف .
أما ماذا نفعل ؟ .
فإننا نشكو حالنا إلى الله وحده (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )(86) يوسف .
فهو سبحانه القادر على نصرنا مهما تحزب الشر علينا , وتجمع العدو ضدنا , أو استصغرونا في أعينهم . يقول الله عز وجل : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)) الأنفال . فإن الله قادر على إعزاز أوليائه وإذلا ل أعدائه وهذا مقتضى حكمته سبحانه .
إلا أننا لنا مهمة لايمكن أن نتخلى عنها بأي حال : يقول الشيخ محمد الغزالي في كتاب هموم داعية :
{ إن المسلمين في المشارق والمغارب مهيأون ليقظة عامة تحمي كيانهم وتستبقي إسلامهم..
أطلب من عباد الله الصالحين أن يصيخوا السمع للنذير العريان..قبل أن يأخذنا الطوفان، فإن الأقدار تقتص من المستضعفين المفرطين، كما تقتص من المجرمين المعتدين . } !!.
وعلينا أن نتقي الله ونحسن التقرب إليه , ونصبر على الإيذاء (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)) يوسف .
ولنا في الله أعظم الأمل , و اليأس ليس من أخلاق المؤمنين (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)) يوسف .
وكل الحادثات- وإن تناهت - فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) الشرح .
ودرس الأمل عند نبي الله يعقوب لما أخذوا ولده الثاني وتضاعف الخطب لم يهن ولم يضعف بل ربط أمله بالله وحده فقال (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)) يوسف.
وانظر في غزوة الأحزاب كيف علم النبي – صلى الله عليه وسلم - أصحابه الأمل , وفي حادثة الهجرة مع سراقة , وفي حديثه الشريف مع خباب بن الأرت : عندما قال : يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر لنا فبادره النبي – صلى الله عليه وسلم : ( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .
فإذا استحكمت حلقات الأذى على أهل الحق وظنوا أنهم قدكذبوا فاجأهم الله بالنصر المبين (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) , ويشفي الله صدور المؤمنين يالانتقام من أعدائهم : ( فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) 110 يوسف .
ومن المعلوم أن سورة يوسف نزلت أيام حصارالمسلمين في شعب أبي طالب , وهي السورة التي من مفاهيمها النصر والتمكين بعد الصبر الشاق والسجن الطويل , وقلة الناصرين ؛ وكأنها جاءت لتثبت القلوب وتبث الأمل في نفس الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . تماما كما نزلت قصة طالوت وجالوت قبل غزوة بدر لتبين كيف انتصر الجيش القليل على العدد الكبير بإذن الله والله مع الصابرين .
إن النصر آت ٍ لامحالة والتمكين قادم بلا شك وسيعز الله الدعاة أهل الحق ويعلي قدرهم ويرفع شأنهم .
وكأنني أنظر إلى بلال وعمار وخباب عند باب الخليفة عمر ويحضر أبو سفيان وسهيل فيسمح بالدخول للأولين ويؤخر أباسفيان وسهيلا ؛ فيغضب أبو سفيان ويحمر وجهه – رضي الله عنه – فيبادره سهيل مستدركا عليه : يا أبا سفيان إنهم دعوا إلى الله فأسرعوا وأبطأنا فكيف بنا يوم القيامة إذا دعينا فأسرعوا وأبطأنا !! .
واليوم وقد تحكمت أمريكا ومن شايعها من الأوربيين والمستعمرين والطغاة المتحكمين وأصحاب المصالح الآخرين , وفصلت القوانين وغيرت المناهج التعليمية وعولمت الثقافة , وضيق على أصحاب الأقلام الحرة والأراء الفذة , وأفسح المجال لحملة المباخر ومن يبيعون دينهم بدنيا غيرهم – في كل هذه الظروف نجد الأمل يملأ قلوبنا وتستشرف النصرَ نفوسُنا وحينئذ نتمثل قول الرجل الصالح (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) يوسف.
فنحن إذن ليس لنا إلا طريق واحد : أن ندعوإلى الله ونعمل على إصلاح المجتمعات ومؤسساتها , ونأخذ بالأسباب المتاحة , ونتقي الله ونحسن صلتنا به سبحانه , ونصبر ونثق في وعد الله ومراده (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص .
ونثق في نصر الله وإنه لات , ونؤمن بأنه غير بعيد بل إنه قريب جد ٌ قريب ( ألا إن نصر الله قريب ) 214 البقرة .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) النساء (87) .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) النساء(122)
(وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) التوبة .
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (6) الروم .
وعلى الله قصد ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , نحمدك اللهم حمد الشاكرين , ونصلي ونسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين .
وبعد
لقد شرفنا الله عز وجل بالانتساب لهذا الدين وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس . هذه الخيرية تكمن في إرشاد البشرية والأخذ بأيديها إلى المعروف وتحذيرها من الفساد والظلم ؛ لكي يعيش الناس عبيدا لله وحده , إلى منهجه يفيئون وعلى شريعته يستقيمون , وبذلك يحرزون خير الدنيا ونعيم الآخرة .
والله عز وجل قد بين لنا مهمتنا في أكثر من موضع في القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143 .
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج (78) .
ولكن أعداء الله وأعدء الإنسانية , أعداء القيم والحضارة يقفون حجر عثرة أمام مهمتنا السامية ؛ يحاربون من يعبد الله ويسير على منهجه القويم , يسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل , فكم من أرامل وأيتام أظلمت حياتهم بغياب عائلهم , وكم من أعراض انتهكت وأموال نهبت وثروات سلبت . ثم إذا دافعوا عن دينهم وأوطانهم وأعراضهم فهم إرهابيون !! .
وهم يحتلون بلادنا منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي فهذه جملتها أحد عشر قرنا , واستمرت الحملات الصليبية حوالي مائتي سنة , ثم أضف إلى ذلك احتلال البلاد الإسلامية والعربية في القرنين الماضيين .
فانظر كم قرنا عاشه المسلمون أو عاشته هذه المنطقة بدون احتلال؟ . ثم بعد ذلك ينعت المسلمون بأنهم إرهابيون !! .
إن مهمتنا تكمن في تعبيد الناس ,كل الناس لله رب العالمين , وأن يُعبد الله وحده لا شريك له , وأن يكون منهجه هو المتبع على هذه الأرض .
ولكن ما العقبات التي تعترض هذه المهمة ؟ .
إن هذا يحملنا أن نصف الوضع الراهن لبلادنا :
حال الأمة : التفرق والتشرذم , دول مقطعة يسهل ابتلاعها : ضعف الاقتصاد ( التجارة والإنتاج,والزراعة والصناعة ) ضعف الحالة السياسية المتمثلة في حكم الفرد , واستبعاد الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة المخلصة وأي قوى معارضة ,أو بمعنى آخر استبعاد الشعوب من محاسبة الحكام, و احتلال بعض الدول الإسلامية ونهب ثرواتنا من البترول وغيره , تخريب الإعلام والتعليم والثقافة لتنشأ أجيالنا بعيدة عن مصدر النور الإلهي , وبعيدة عن تاريخها المجيد ؛ ولكي يسهل السيطرة عليهم مستقبلا .
الهجمة الاستعمارية الشرسة على الإسلام واستغلال طغاة الحكام هذه الهجمة في شل حركة الدعاة وسجنهم والبطش بهم ويساعدهم مايملكون من وسائل الإعلام وأجهزة الشرطة وغيرها .
وكلما برز حملة الإسلام واقتربوا من الحكم قامت أمريكا و أوربا ولم تقعد , وتذكرجبهة الإنقاذ في الجزائر والمحاكم الإسلامية في الصومال.
وحال الدعاة : وما يتعرضون له من محاكم عسكرية وتضييق وفصل من الوظائف أو تحويلهم إلى أعمال إدارية , أو استبعادهم من الوظيفة أصلا , وتشويه إعلامي , والأدهى من ذلك هو سن قوانين أو مواد فى الدستور لمحاربتهم وهذا السلوك يتفاوت من بلد لآخر .
إلا أن :
إلا أن الناظر إلى الأمور بعين البصيرة يرى أن هذا الأسلوب المستمر من أيام عبد الناصر ومن بعده في مصر وغيرها حتى الآن لم يثن أجيال الدعاة المتتالية عن دعوتهم بل إنهم يزدادون أتباعا ,ويكثرون أعدادا وتلتف حولهم الجماهير في كل الدول الإسلامية وشواهد ذلك كثيرة في انتخابات مصر الأخيرة وفي فلسطين وأندونيسيا وغيرها , وما نراه من شواهد أخرى . (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)) . يوسف .
أما ماذا نفعل ؟ .
فإننا نشكو حالنا إلى الله وحده (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )(86) يوسف .
فهو سبحانه القادر على نصرنا مهما تحزب الشر علينا , وتجمع العدو ضدنا , أو استصغرونا في أعينهم . يقول الله عز وجل : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)) الأنفال . فإن الله قادر على إعزاز أوليائه وإذلا ل أعدائه وهذا مقتضى حكمته سبحانه .
إلا أننا لنا مهمة لايمكن أن نتخلى عنها بأي حال : يقول الشيخ محمد الغزالي في كتاب هموم داعية :
{ إن المسلمين في المشارق والمغارب مهيأون ليقظة عامة تحمي كيانهم وتستبقي إسلامهم..
أطلب من عباد الله الصالحين أن يصيخوا السمع للنذير العريان..قبل أن يأخذنا الطوفان، فإن الأقدار تقتص من المستضعفين المفرطين، كما تقتص من المجرمين المعتدين . } !!.
وعلينا أن نتقي الله ونحسن التقرب إليه , ونصبر على الإيذاء (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)) يوسف .
ولنا في الله أعظم الأمل , و اليأس ليس من أخلاق المؤمنين (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)) يوسف .
وكل الحادثات- وإن تناهت - فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) الشرح .
ودرس الأمل عند نبي الله يعقوب لما أخذوا ولده الثاني وتضاعف الخطب لم يهن ولم يضعف بل ربط أمله بالله وحده فقال (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)) يوسف.
وانظر في غزوة الأحزاب كيف علم النبي – صلى الله عليه وسلم - أصحابه الأمل , وفي حادثة الهجرة مع سراقة , وفي حديثه الشريف مع خباب بن الأرت : عندما قال : يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر لنا فبادره النبي – صلى الله عليه وسلم : ( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .
فإذا استحكمت حلقات الأذى على أهل الحق وظنوا أنهم قدكذبوا فاجأهم الله بالنصر المبين (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) , ويشفي الله صدور المؤمنين يالانتقام من أعدائهم : ( فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) 110 يوسف .
ومن المعلوم أن سورة يوسف نزلت أيام حصارالمسلمين في شعب أبي طالب , وهي السورة التي من مفاهيمها النصر والتمكين بعد الصبر الشاق والسجن الطويل , وقلة الناصرين ؛ وكأنها جاءت لتثبت القلوب وتبث الأمل في نفس الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . تماما كما نزلت قصة طالوت وجالوت قبل غزوة بدر لتبين كيف انتصر الجيش القليل على العدد الكبير بإذن الله والله مع الصابرين .
إن النصر آت ٍ لامحالة والتمكين قادم بلا شك وسيعز الله الدعاة أهل الحق ويعلي قدرهم ويرفع شأنهم .
وكأنني أنظر إلى بلال وعمار وخباب عند باب الخليفة عمر ويحضر أبو سفيان وسهيل فيسمح بالدخول للأولين ويؤخر أباسفيان وسهيلا ؛ فيغضب أبو سفيان ويحمر وجهه – رضي الله عنه – فيبادره سهيل مستدركا عليه : يا أبا سفيان إنهم دعوا إلى الله فأسرعوا وأبطأنا فكيف بنا يوم القيامة إذا دعينا فأسرعوا وأبطأنا !! .
واليوم وقد تحكمت أمريكا ومن شايعها من الأوربيين والمستعمرين والطغاة المتحكمين وأصحاب المصالح الآخرين , وفصلت القوانين وغيرت المناهج التعليمية وعولمت الثقافة , وضيق على أصحاب الأقلام الحرة والأراء الفذة , وأفسح المجال لحملة المباخر ومن يبيعون دينهم بدنيا غيرهم – في كل هذه الظروف نجد الأمل يملأ قلوبنا وتستشرف النصرَ نفوسُنا وحينئذ نتمثل قول الرجل الصالح (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) يوسف.
فنحن إذن ليس لنا إلا طريق واحد : أن ندعوإلى الله ونعمل على إصلاح المجتمعات ومؤسساتها , ونأخذ بالأسباب المتاحة , ونتقي الله ونحسن صلتنا به سبحانه , ونصبر ونثق في وعد الله ومراده (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص .
ونثق في نصر الله وإنه لات , ونؤمن بأنه غير بعيد بل إنه قريب جد ٌ قريب ( ألا إن نصر الله قريب ) 214 البقرة .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) النساء (87) .
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) النساء(122)
(وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) التوبة .
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (6) الروم .
وعلى الله قصد السبيل .
شعبان شحاته hudahuda2007@yahoo.com










.
شعبان شحاته










في رحاب الإخلاص

في رحاب الإخلاص
تقديم :
لماذا حملت سورة ( قل هو الله أحد ) اسم ( الإخلاص ) ؟ .
والإخلاص يكون لله تعالى , وللنبي – صلى الله عليه وسلم – ولأئمة المسلمين وعامتهم
( من كتب ابن أبي الدنيا ) :
حدثني سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، قال : بلغني أن علي بن أبي طالب ، قال : العمل الصالح الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا لله .
- حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمرو بن الرحال الحنفي ، حدثنا العلاء بن السائب ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد خير ، قال : قال علي بن أبي طالب : لا يقل عمل مع تقوى ، وكيف يقل ما يتقبل ؟ .
عن بعض ولد ابن مسعود قال : طوبى لمن أخلص عبادته ودعاءه لله ولم يشغل قلبه ما تراه عيناه ، ولم ينسه ذكره ما تسمع أذناه ، ولم يحزن نفسه ما أعطي غيره
قال عبد الواحد بن زيد: الإجابة مقرونة بالإخلاص لا فرقة بينهما .
- حدثني يعقوب بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة ، حدثني ابن غزية ، عن حمزة ، من بعض ولد ابن مسعود قال : طوبى لمن أخلص عبادته ودعاءه لله ولم يشغل قلبه ما تراه عيناه ، ولم ينسه ذكره ما تسمع أذناه ، ولم يحزن نفسه ما أعطي غيره
- حدثنا عبد الملك بن إبراهيم ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن حزم القطعي : عن عبد الملك بن عتاب قال : رأيت عامر بن عبد قيس في النوم فقلت : أي الأعمال وجدت أفضل ؟ قال : ما أريد به وجه الله
11 - حدثنا أحمد بن بشير ، حدثنا عبد الرحمن بن جرير قال : سمعت أبا حازم يقول : عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح .
12 - حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عبد ربه بن عبد الله الفلسطيني ، عن مولى لابن محيريز قال : دخلت مع ابن محيريز حانوت بزاز ليشتري منه متاعا ، فرفع في السوم ، ولم يعرفه ، فأشرت إليه أنه ابن محيريز فقال : اخرج إنما نشتري بأموالنا لابديننا .
- حدثني أبو هاشم ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا المضاء بن عيسى الدمشقي ، قال : مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم وهو عند قوم قد أضافوه وأكرموه فقال : نعم الشيء هذا يا أبا إبراهيم إن لم يكن تكرمة دين .
حدثني يعقوب بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا رشدين بن سعد ، عن شراحيل بن يزيد ، عن عبيد بن عمرو ، أنه سمع فضالة بن عبيد ، يقول : لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل (1) أحب إليّ من الدنيا وما فيها ؛ لأن الله يقول ( إنما يتقبل الله من المتقين (2) )- حدثنا إبراهيم بن الأشعث ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) هود آية رقم : 7 ) قال : أخلصه وأصوبه ، قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة
- حدثني عبد الرحمن بن صالح ، حدثني المحاربي ، عن سفيان ، عن زبيد ، قال : من كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل ، ومن كانت سريرته مثل علانيته فذلك النصف ، ومن كانت سريرته دون علانيته فذلك الجور .
- كان العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات ، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه : من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه .
عن الأوزاعي ، عن بلال بن سعد ، قال : لا تكن وليا لله في العلانية وعدوه في السريرة .
- حدثني بشر بن معاذ ، عن شيخ ، من قريش قال : قال عمر بن عبد العزيز : يا معشر المستترين اعلموا أن عند الله مسألة فاضحة قال تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون (1) : الحجر آية رقم : 92) .
- وحدثني سريج ، حدثنا الوليد ، عن الأوزاعي ، قال : سمعت بلال بن سعد ، يقول : لا تكن ذا وجهين وذا لسانين ، تظهر للناس ليحمدوك ، وقلبك فاجر .
26 - حدثني محمد بن عثمان العجلي ، حدثنا أبو أسامة ، عن الربيع ، قال : وعظ الحسن يوما فانتحب رجل ، فقال الحسن : ليسألنك الله يوم القيامة ما أردت بهذا .
27 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن ، عن إبراهيم بن الأشعث : عن فضيل بن عياض قال : خير العمل أخفاه ، أمنعه من الشيطان وأبعده من الرياء .
عن نصيح العنسي ، عن ركب المصري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طوبى لمن طاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وكرمت علانيته ، وعزل عن الناس شره » .
- حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر قال : بكى رجل إلى جنب الحسن فقال : قد كان أحدهم يبكي إلى جنب صاحبه فما يعلم به .
- حدثنا خالد بن خداش ، وعبيد الله بن عمر قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : إن كان الرجل ليجتمع إليه القوم أو يجتمعون يتذاكرون فتجيء الرجل عبرته فيردها ثم تجيء فيردها ثم تجيء فيردها فإذا خشي أن يفلت قام .
حدثنا خالد بن خداش قال : حدثنا حماد بن زيد قال : بكى أيوب مرة ، فأخذنا منه فقال : إن هذه الزكمة ربما عرضت .
حدثني يعقوب بن إسماعيل ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرني رجل ، عن أبي السليل ، أنه كان يحدث أو يقرأ فيأتيه البكاء فيصرفه إلى الضحك .
- عن الحسن أنه حدث يوما أن وعظ فتنفس في مجلسه رجل فقال الحسن : إن كان لله فقد شهرت نفسك ، وإن كان لغير الله هلكت .
- حدثنا خالد ، وعبيد الله قالا : حدثنا حماد ، عن يونس : عن الحسن قال : إن كان الرجل لتكون له الساعة يخلو فيها فيصلي ، فيوصي أهله فيقول : إن جاء أحد يطلبني فقولوا : هو في حاجة له .
- وحدثنا أحمد قال : حدثني أبو محمد قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزراد قال : ربما اشترى حسان بن أبي سنان أهل بيت الرجل وعياله ثم يعتقهم جميعا ، ثم لا يتعرف إليهم ولا يعلمهم من هو .
46 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني شبابة بن سوار ، قال : أخبرني أبو الطيب ، موسى بن يسار قال : صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة فكان الليل أجمع يصلي في المحمل جالسا يومئ برأسه إيماء ، وكان يأمر الحادي أن يكون خلفه ويرفع صوته حتى لا يفطن له .
- حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا داود بن نصير ، عن الأعمش عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يظهر الرجل أحسن ما عنده .

ومن مصادر أخرى منفرقة :
قال سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
ودعا آخر فقال : اللهم إني أستغفرك من كل عمل ٍ قصدت فيه غير وجهك .
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
قال العارف الرباني سهل بن عبد الله التستري،: الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى، إلا من عمل بعلمه .وفي لفظ آخر قال: الدنيا جهل وموت، إلا العلم، والعلم كله حجة (أي على صاحبه)، إلا العمل به، والعمل كله هباء، إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به.وقال بعضهم: العلم بذر، والعمل زرع ( أي ثمرته ) ، وماؤه الإخلاص.وقال ابن عطاء الله في " حكمه ":إن الله لا يحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك، فالعمل المشترك هو لا يقبله، والقلب المشترك هو لا يقبل عليه.إن العمل الذي لا يصحبه الإخلاص صورة بلا حياة، وجثة بلا روح، والله تعالى إنما يريد من الأعمال حقائقها لا رسومها وصورها، ولهذا يرد كل عمل مغشوش على صاحبه، كما يرد الصيرفيّ الناقد العملة الزائفة.وفي الحديث الصحيح الذي رَواهُ أبو هُريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصابعه إلى قلبه. وقال: (التقوى ههنا) وأشار إلى صدره ثلاث مرات (هذا الحديث والذي قبله رَواهُ مسلم في البر والصلة برقم (2564) .وقال الله تعالى في شأن قرابين الهدى والأضاحي التي يقدمها الحجاج والمعتمرون: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج: 37).الإخلاص مطلوب لصلاح الحياة :وليس تشديد الإسلام في طلب الإخلاص، وتأكيده على تجريد النية لله، وتصحيح الاتجاه إليه وحده: ضربًا من التزمت أو العبث، فإن الحياة نفسها لا تستقيم ولا ترتقي إلا بالمخلصين، وأكثر ما يصيب الأمم والجماعات من النكبات والكوارث القاصمة إنما يجره عليها أناس لا يرجون الله والدار الآخرة... أناس من عبيد الدنيا، وعشاق الثروة، الذين لا يبالون - في سبيل دنياهم وشهوات أنفسهم - أن يدمروا دنيا الآخرين ودينهم معًا، وأن يحولوا الأبنية إلى خرائب، والمنازل إلى مقابر، والحياة إلى موات. أو أناس من طُلاب الزعامة والسلطة، وعبيد الشهرة والجاه، وعشاق المجد الشخصي، والبطولة بغير الحق، إنهم في سبيل الحصول على المجد والسلطان، أو في سبيل الحفاظ على ما أدركوا منه، لا يبالون أن يخربوا ديارًا، ويدمروا أُمة بل أممًا بأسرها، لا لشيء إلا لتصفق لهم الأيدي، وتهتف لهم الحناجر، وتنطلق بإطرائهم الأقلام، وتُسبح بحمدهم الجماهير المسكينة المخدوعة، ويدوم لهم الاستمتاع بكراسي الحكم الوثيرة ! وشعار كل منهم: أنا أو يخرب العالم من بعدي !!إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، الإسلام يرفض الثنائية المقيتة، والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلمًا في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر. إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعله كله لله ، فصلاته ونُسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين .
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة" (رواه الحاكم
يقول ابن القيم في (أعلام الموقِّعين ) :
"إن صحة الفهم، وحسن القصد، من أعظم نعم الله التي أنعمها على عبده، بل ما أُعطي عبدٌ بعد الإسلام أفضل وأجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريقَ المغضوب عليهم، الذين فسد قصدُهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المُنعَم عليهم الذين حسُنَت أفهامهم وتصورهم".
يقول الفضيل بن عياض: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما"، ويقول الجنيد: "الإخلاص سرٌّ بين الله وبين العبد، لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله"، وقال سليمان: طوبى لمن صحَّت له خطوةٌ واحدةٌ لا يريد بها إلا الله تعالى، وقال يعقوب المكفوف: المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته .
من أهم الشوائب والآفات المكدرة للإخلاص :
1- حسن الظن بالنفس والاغترار بالعمل . 2- الرياء.. صغيره وكبيره .3- التعصُّب للأشخاص والمذاهب والطوائف
ومنها : ما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته، بحيث لا يريد الإطلاع، ولا يسّر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ووجد لذلك استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق من تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه. وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون".
وأما ثانيها: فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية وقصداً، فيجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية.
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله:- "حكى أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى".
والأمثلة عليه كثيرة من الواقع، فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات مثلاً كصيام النوافل وقيام الليل وكثرة الصلاة والخشوع، وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيوفق في اختباره أو سيفوز بوظيفة ما، فهذا بالحقيقة إنما أخلص للاختبارات وذلك أخلص للوظيفة.
ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يذهب إلى المسجد ماشياً أو يحج كل سنة أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة.
ويكون قد انعقد في قلبه أنه يفعل ذلك لينشط جسمه أو يحرك الدورة الدموية كما يقولون.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكيلة. أهـ.
وأما ثالث هذه المسالك الدقيقة وهو ما أشار اليه الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: "ههنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح .
ركن الإخلاص في رسالة التعاليم
يقول الإمام حسن البنا: وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ بقوله وعمله وجاهده كله وجهَ الله، وابتغاءَ مرضاته وحُسْنَ مثوبته، من غير نظرٍ إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدُّم أو تأخُّر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِيْ وَنُسُكِيْ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ* لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ..﴾ (الأنعام: 162، 163) وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم: "الله غايتنا" و"الله أكبر ولله الحمد".
ومن علامات الإخلاص :
- الصدق مع الله قولاً وعملاً .
الصدق مع الله شكر في السراء وصبر عند البلاء وتوبة عند الذنوب؛ لأن الكمال الإنساني في نظر الإسلام يتم بصدق الحديث، وتحرى الحق، وتنزيه القلب عن أن يخطر به السوء، ولقد سُئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق السان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقى النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

فنقطة البدء في عمل المسلم: تطهير القلب واستقامة اللسان إلا أن الصدق يشتمل على الأعمال الظاهرة والباطنة على حدٍّ سواء.
التدقيق في اختيار الصديق
اختيار الأصدقاء الذين يعينون على الخير، ويرشدون إليه، مما يهتم به الإسلام ويحرص عليه أشد الحرص، إذ الإنسان يفيد بمعاشرة الأصدقاء كثيرًا مما هو في حاجة إليه من جميل الخصال، وتهذيب السلوك، وصقل النفس .

يقول عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-: "مَن أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخمس: 1- يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته. 2- ويدلنا من العدل ما لا نهتدي إليه. 3 - ويكون عونًا لنا على الحق. 4- ويؤدي الأمانة إلينا وإلى الناس. 5 - ولا يغتب عندنا أحدًا.
وسلامة القلب لا تتم مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء:
1 - من شرك يناقض التوحيد. 2- وبدعة تخالف السنة.
3 - وشهوة تخالف الأمر 4- وغفلة تناقض الذكر.
5 - وهوى يناقض التجرد والإخلاص.

طلب النصيحة من الصالحين :
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر.
وسأل رجل السيدة عائشة- رضي الله عنها-: ما دواء قسوة القلب؟ فأمرته بعيادةِ المرضى وتشيع الجنائز، وتوقع الموت.
كما شكا رجل من ذلك إلى مالك بن دينار، فقال أدم الصيام، فإن وجدت قسوة فأطل القيام، فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
وقال الأزدي سمعت إبراهيم الخواص يقول: دواء القلب خمسة أشياء:
1- القرآن بالتدبر. 2- وجلاء النظر. 3- وقيام الليل. 4- والتضرع عند السحر. 5- ومجالسة الصالحين.
محاسبة النفس قيل العمل وأثناءه وبعده .
إن يقظة الضمير أو النفس، ودقة الشعور، وحياة الوجدان جعلها الإسلام قوام صلاح النفس، فهي الحارس الذي يحصي على المسلم خواطره وهواجسه، وألفاظه، وكلماته، وأعماله، وتصرفاته؛ لأنه لا يفارقه لحظة من ليل أو نهار في خلوة أو اجتماع، ويزنه بميزان دقيق يميز الخير من الشر ويعلن الجزاء لساعته مسرورًا ومبتهجًا برضي وطمأنينة وراحة وسلامًا إذا فكر أو قال أو فعل خيرًا، وسعيرًا وجحيمًا ووخزًا أليمًا ونارًا تلظى بين الضلوع والجوانح إذا انحرف عن الطريق أو ضل سواء السبيل حتى إنه ليفر بنفسه إلى القصاص العادل وإن كان الموت, كما حدث في قصة ماعز والغامدية.

إنها اليقظة في نفس المؤمن أصاب أم أخطأ: معرفة بالله, وإحساس برقابته ليفوز بجنة الآخرة ولا يحظى بذلك إلا المخلصون .
الوفاء بالبيعة وأركانها والثبات عليها . ومراعاة حقوق الأخوة حتى تصير خلقا في الجماعة أفردا وقيادة, وقدوة يحتذى بها .
بذل الجهد واستخدام كل الوسائل المتاحة لتكوين رأي عام حول الدعوة .
- السمع والطاعة للقيادة في العسر واليسر والمنشط والمكره
الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين :
وما أخطر هذا الجانب : انظر ولاء أفراد كثيرين في وأوطاننا يكون لمن ؟
لكل ظالم ٍ مستبد أولمستعمر غشوم ؛ من أجل كعكة معجونة بدم إخوانه أوينال ثر وة مسروقة من أوطانه .
الفرح ببروزالقيادات الجديدة .
أن يستوي عنده العمل قائدًا أو جنديُا .
- النصح والتسديد للعاملين في حقل الدعوة وغيرهم من دلائل الإخلاص لله وحب الدين .
- أن يكره الشهرة , وقالوا : ما أخلص من أحب الشهرة .
- أن يكون العمل الخفي أحب إلى نفسه من العمل المعلن .
أصحاب الأماني :
إن المسلم الحريص على تحقيق الأهداف يجب أن يفرِّق بين الأمنيات والإمكانات، ويقدم نصيحته على ضوء الإمكانات لا الأمنيات؛ لأن الأمنيات تقوم على العواطف وربما الهوى والظن، ولا تفرق بين ما يجب أن يكون وما هو كائن؛ ولذلك فإنَّ أصحابَ الأماني يُكثرون من النقد، ويرون كل خطوةٍ ناقصةً، وكل عملٍ خاطئًا ولا يقول الواحد منهم "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وليس هذا من الإخلاص في شيء؛ لأن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات، ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "استعيذوا بالله من جارِ السوء الذي إن رأى خيرًا ستره، وإن رأى شرًا أظهره".
- كتمان السر . - إنكار الذات ليس معناه عدم الشهرة .
من دلائل إخلاص القيادة لأفراد الجماعة :
- العمل على تماسك الجماعة وتنفيذ منهاجها وتحقيق أهدافها .
من دلائل الإخلاص للدعوة جندًا وقيادةً مراعاة المنهج والخطة والأهداف وطبيعة المرحلة .
إعداد البرامج التربوية التي تنمِّي قدرات الأفراد دينًا ودُنيا ومعالجة الأمراض داخل الجماعة
وعلى القيادة المخلصة ملاحظة أسباب النصر والهزيمة عند السير في طريق الدعوة، وأن تضع نصب أعينها أهم أسباب النصر، وهو بناء القاعدة الصلبة التي تكون قادرةً على تحمل المسئولية في حمل الدعوة للناس، والدفاع عنها، والتفاني من أجلها، وذلك بتنقيتها وتخليصها من الأمراض التي تفتك بالعقيدة والأخلاق والسلوك، وأن تنمِّي فيها الصفات الكريمة والأخلاق الفاضلة، حتى يبرز الهدي القرآني في كل تصرفاتها؛ ذلك لأن تأخر النصر أو نزول الهزيمة، إنما يكون سببه وجود خلل أو مرض في الصفّ ناتج عن ضعف التربية أو نقصها.

لذا كان السلف الصالح لا يخافون العدو مثل خوفهم من المعاصي التي تصدر منهم، وعلى هذا فإن القيادة المخلصة تتعرَّف على أهم الأمراض التي تكون سببًا في تأخُّر النصر، أو الهزيمة، والمسارعة إلى معالجتها، وتنقية الصف منها :
- إعداد الرجال وحسن اختيار القيادات للمستقبل .
- ومنها إعداد الكفاءات العلمية المتخصصة : في العلوم الشرعية والقانون والتخطيط والعلوم المادية الأخرى .
- اعتماد الشورى الملزمة لأنها جماعة عالمية ذات أهداق كبيرة ولا يصح وجود لأهواء الأفراد والتي يمكن أ ن تعصف بجهود الجماعة .
الاستفادة من الماضي
فإذا تمت المراجعة المطلوبة في الدعوة والعمل، ورفض مبدأ ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإغلاق صفحة الماضي وعدم تقبيحه والحديث عنه لتقدمنا إلى الأمام نحو تحقيق الأهداف.. إن القيادة المخلصة تراجع خطواتها ووسائلها، ولا تتهرّب أو تسوِّف أو تقدِّم المعاذير والمسوغات، ولا تعترف بخطأ الوسائل والخطوات؛ حتى لا يؤدي هذا إلى الخلط بين الوسائل المخطئة والأهداف المحقة، فتدافع عن الخطأ في اختيار الوسائل بالحديث عن صواب المبادئ والقيم، وبذلك تضع نفسها موضع الذي لا يخطئ .
- الاعتراف بالخطأ
- --------- بث الأمل والثقة في نصر الله :
والأهم : ما المقصود بإخلاصنا لدعوتنا في هذه المرحلة ؟ ... . أن نثبت على طريقنا وعلى دعوتنا أمام هذه الضغوط الدولية والداخلية ونورّث الدعوة لهذه الأجيال حتي تمر المرحلة الحالية وطبعًا ستتحمل الجماعة تضحيات نسأل الله أن تكتب في ميزان حسناتنا , وتكفر بها سيئاتنا , وتقبل في مجمل طاعاتنا .
والإخوان لم يخدعوا أحدًا , ولم يعدوا الناس بنصر ٍ قريب ٍ من غير ثمن وتضحيات . وللعلم ليس هذا طريق الدعوات فقط وإنما هوطريق أي إصلاح أو تغيير يريد الناس أن يقيموه في الأرض .
وقال الشيخ ياسين – رضي الله عنه – قال : ليس معني أنا لم نحصل علي حقنا أن نتنازل عنه .
ولسائل ٍ أن يسأل لماذا لم يدعُ النبي – صلي الله عليه وسلم – ربه أن ينصره نصرًا عاجلا ولا يطيل عليه و علي أصحابه الشدة والابتلاء ؟ . بل اختار طريق المجاهدة والصبر والدفع والنفس الطويل .
حتي لايأتي من أمته دعاة ينهجون طريقًا ورديًا مريحاً .
وقد جاء رجلٌ إلي النبي – صلي الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله : لا أستطيع أن أجاهد ولا أنفق !! .
فقال له النبي – صلي الله عليه وسلم – بم تدخل الجنة إذن ؟ !! ثم عاد الرجل بعد ذلك فقال يا رسول الله أجاهد وأنفق .
لأن النصر السهل لايعيش لأن النصر الرخيص لا يبقي , إن أمته يجب أن تدرب , يجب أن تعد ولا بد من قدوة ٍ في جهاد ٍ شاق وصبر ٍ طويل ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) .
إن الدعوة الهينة يتنباها كل ضعيف أما الدعوة العفية الصعبة فلا يتبناها إلا الأقوياء ولا يقدر عليها إلا الأشداء .
لمن النصر :
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) البقرة 0 214 ) . إن نصر الله قريب و لكن ممن احتملوا البأساء والضراء , ممن جاهدوا وبذلوا ممن لم يبقوا في طاقتهم قوة ممن احتملوا مشاق الطريق .
عندما يبذل الإنسان أقصى ما في طوقه , عندما يصل إلي نهاية الشوط , عندما يلقي بهمه كله إلي الله بعد أن لم يبق في طوقه ذرة عندئذ يتحقق وعد الله ( ألا إن نصر الله قريب ) .
واجب عملي : كل فرد يبتكر من الوسائل ما يثبت به إخلاصه , ويراقب به نياته , ويخلص القول والعمل والسر والعلن لله رب العالمين .
وليـكن شعارنـا :
والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
وعلي الله قصد السبيل
شعبان شحاته

تأملات في آيات الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في آيات الصيام : شعبان شحاته .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) .
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184 شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) .
تظهر رحمات الله في هذه الآيات كما يلي :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا : نداء للمؤمنين بالصفة التي يحبهم من أجلها , يليه تكليف يرقيهم به ويعلي شأنهم بالإمساك عن الطعام والشهوة , وتضييق مسالك الشيطان , وتزكبة النفس ؛ ليكونوا من المتقين .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) .
مما يخفف على المسلم أمر الصيام أنه لم يفرض علينا وحدنا يل كتب على الذين من قبلنا , فلسنا أول من يكلف بهذه العبادة .
وفيه أيضًا دعوة للمنافسة ليكون أداء المسلمين للصيام أكمل ممن قبلهم .
ولعل تفيد الرجاء من الأدنى إلى من هو أعلى . وكأن المعنى : صومو ا وارجوا من وراء الصيام التقوى .
وإذا جاءت لعل من الأعلى إلى الأدني فهي للتحقيق . وكأن المعنى : من صام ابتغاء مرضاة الله فسوف ينال التقوى بلا شك .
أيامًا معدودات : فمن باب التيسير أنها ليست كثيرة ؛ بل هي أيام معدودات .
فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر : فالشارع الحكيم يقبل أعذار الناس قبل أن يوجه إليهم التكليف .
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) .
بيان لفضل الشهر الكريم وسبب فضله وهو نزول القرآن العظيم وما فيه من الهداية والرشاد لصالح الإنسان والعباد .وفي هذا رفع للهمم ودفع للنفوس للإقبال على عبادة الصيام .
ولذلك جاء بعدها (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .
.وكذلك ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) تأكيد على سهولة التكليف .
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .
عبادي : فيها إضافة المخلوقين إليه سبحانه وفي هذا من التكريم ما فيه .
وهو سبحانه قريب : بتأكيد الجملة الإسمية وإنّ , يجيب الدعاء ويتودد إلى العباد. وقالوا ليس العجب من فقير يتحبب , إنما العجب من غني يتودد .
( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ... علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ) .
خفف الله عن المؤمنين وسمح لهم بذلك , ولكن القرآن عبر عنه بلفظ الرفث وفيه من القبح ما فيه وكذلك تختانون ؛ لاستقباح هذا الفعل منهم قبل الإباحة .
وتتجلى رحمة الله والقرآن يتنزل على المكلفين الذين يشعرون بالحرج في قوله سبحانه : ( فتاب عليكم وعفا عنكم ) فتطمئن القلوب وترتاح النفوس .
وماذا تقول أنت بعد قوله سبحانه ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ) .
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) . تبدأ الآيات بالتقوى وتنتهي بها ؛ وكأنها هي الأفق المطلوب الوصول إليه , وتوكيد على التقوى وتذكير بها .
وعلى الله قصد السبيل .
Hudahuda2007@ yahoo.com


أحوال العبيد مع الله

أحوال العبيد مع الله
نافذة الفيوم : 2007-03-26


بقلم / شعبان شحاته
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر .
هناك اختلاف بين المفسرين في معنى هذه الأنواع الثلاثة ومنها :
أن الظالم لنفسه هو الذي يؤدي الفرائض وقد يقصر فيها , ويتجنب المحرمات وقد يقع فيها .
والمقتصد هو الذي يحافظ على الفرائض ولا يقصر فيها ويجتنب المحرمات ولا يقع فيها .
والثالث : الذي يحافظ على الفرائض والنوافل , ويجد سعادة نفسه في القرب من ربه بألوان الطاعات , وأنواع العبادات .
فينال القرب بأداء الفرائض , والمحبة بالدوام على النوافل ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... ) .
والمهم أن المرء منا لابد سيسأل نفسه : مع أي الأنواع يكون ؟ .
عندما يخلو الإنسان بنفسه , وينتبه لحاله , ويزن عمله بميزان القسط سيروعه ضخامة السيئات
وقلة الحسنات حتى الحسنات لو فتش جيدًا قد يجد النية فيها مدخولة .
إن ظاهره بين الناس طيب , وما يغلق عليه بابه غير ذلك !! .
يلبس بيض الثياب , وينطوي قلبه على السواد !! .
كلامه بين الناس حكمة , وعمله لا يرقى إلى ذلك !! .
أهذا هو العبد الآبق ؟ .
في تفسير سورة النور عند قول الله عز وجل : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا ) , ذكر النسفي – رحمه الله – بعد أن شرح الآية
واعلم أن العبيد أربعة : قن مقتنى للخدمة ، ومأذون في التجارة ، ومكاتب ، وآبق .
فمثال الأول ولي العزلة الذي حصل العزلة بإيثار الخلوة وترك العشرة ، والثاني ولي العشرة فهو نجي الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر إليهم بالعبرة ويأمرهم بالعبرة فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بحكم الله ويأخذ لله ويعطي في الله ويفهم عن الله ويتكلم مع الله ، فالدنيا سوق تجارته ، والعقل رأس بضاعته ، والعدل في الغضب والرضا ميزانه ، والقصد في الفقر والغنى عنوانه ، والعز مفزعه ومنحاه ، والقرآن كتاب الإذن من مولاه ، هو كائن في الناس بظواهره ، بائن منهم بسرائره ، فقد هجرهم فيما له عليهم في الله باطناً ، ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهراً
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون ، وما يدريهم أنه مع الله يرى السماوات والأرض قائمات بأمره . والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه في اليوم والليلة خمس ، وفي المائتي درهم خمسة ، وفي السنة شهر ، وفي العمر زورة ، فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى في فكاك رقبته خوفاً من البقاء في ربقة العبودية ، وطمعاً في فتح باب الحرية ليسرح في رياض الجنة فيتمتع فيها بما يشاؤه ويهواه . والرابع الإباق فما أكثرهم فمنهم القاضي الجائر والعالم الغير العامل ، والعامل المرائي ، والواعظ الذي لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله فضول وعلى كل ما لا ينفعه يصول فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : « إن الله لينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم في الآخرة » . انتهى .
فما أقبح العبد تقله أرض الله وتظله سماؤه ويتقلب في نعمه وعطائه ؛ ثم تجد قلبه مشتتًا ينشغل عن الله رازقه ومولاه . وجوارحه بدلًا من بذل الصدقات والمشي إلى الصلوات
ولسانه بدلًا من الذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , شغلها بألوان الملذات وصنوف الشهوات .
ألم يكن حريًا به أن يعبّد الناس لله , ويدعوهم إلى رحابه ورضاه !! .
أيها الآبق استمع إلى قول الله تعالى :
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء .
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) .
وقوله سبحانه :
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) الزمر .
اللهم :
لاتتركنا لأنفسنا – بذنوبنا - ولا تكلنا إليها حتي لانكون أسرى لشهواتنا ونزواتنا , وخذ بأيدينا وأقمنا على طريق التوبة وثبتنا على العمل الصالح , ونعوذ بك أن نكون من الشاردين الآبقين . آمين