ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

السبت، 30 مايو 2009

الحياة تحت خط الحاشية


الحياة تحت خط الحاشية
الفاصل بين متن الكتاب وحاشيته خط صغير، إلا أن الفرق بين أهميتهما كبير نسبياً؛ فعيون القراء وأذهانهم تلتقي كلمات المتن وتحتفي بها، بينما القليل من كلمات الحواشي هو ما يحظى بذلك. والنظرية تشير إلى أن ما يحظى باهتمام الناس يساهم في التأثير فيهم. والحياة بوصفها كتاباً تزاحم كثيرٌ من الناس تحت خط حاشيته، بينما القليل من استطاع أن يضع نفسه - بعد قدرة الله - كلمة في المتن فحظي بالاهتمام ونال القدرة على التأثير. إن الحياة فوق خط الحاشية هي تلك الحياة التي تجاوز صاحبها - بعد توفيق الله - حظوظ نفسه، وحدود ذاته، وانعتق من التركيز على شخصه إلى الاهتمام بالآخرين والانشغال بالشؤون العامة.وقد تختلف مساحات التأثير بين الفاعلين من الناس وتتباين آثارهم، فتتقلَّص عند بعضهم إلى حدود عائلته، بينما تتسع لدى آخرين لتشمل أنــاساً لا يعرفهم ولم يعاصرهم، إلا أن الشيء الذي يتفقون فيه هو القدرة على التأثير. وليس للمؤثرين مكانة اجتماعية معينة، ولا مرتبة وظيفية محددة؛ فهم تارة أبناء في حضور الآباء، وتارة موظفون صغار في منظمات كبيرة، يتجاوز تأثيرهم المراسيم الرسمية ويتخطى الهياكل والتنظيمات الإدارية. ولا شك أن للتأثير متطلباته وأدواته، إلا أن البذرة التي يمتلكها المؤثرون ويفقدها عوام الناس هي رغبة متوهجة في التغيير: تغيير الخطأ إلى صواب، والمائل إلى مستقيم، والظلم إلى عدل، والحاجة إلــى كفــاية، والأحسن إلــى ما هو أحسن منه. وتتطور هذه الرغبة في حياة المؤثرين لتكوِّن فيهم شعوراً عميقاً بالمسؤولية يقودهم نحو المبادرة بأعمال يتقنون صنعتها وأفعال يدركون أثرها. وبعض أفعالهم ناطقة ذات أصوات واضحة يسمعها الآخرون، وبعضها الآخر صامت، وفي كلٍّ خير وأثر. وعندما تختلط «الرغبة في التغيير» بنيَّة خالصة لله - تعالى - تنتج إنساناً مباركاً أينما كان، ومؤثراً حيثما حلَّ وارتحل، يؤثر بالفعل والقول والنظرة بل حتى في وجوده فقط. وعندما حثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - ونحن من بعدهم على السعي في حاجة الآخرين في أكثر من موضع؛ كان ذلك إشارة كريمة إلى النظر خارج نطاق دوائرنا الضيقة إلى توقيع أثر في حياة الآخرين. إن الرغبة في التغيير تُعدُّ من أقوى الحوافز التي تحرك المتطوعين حول العالم ليقدِّموا من مالهم وجهدهم ووقتهم ما يغيرون به حياة الآخرين ويؤثرون فيها، متجاوزين مع ذلك حدود الدول واللغات والمجتمعات، ومتجاوزين قبل ذلك الحد الفاصل بين حاشية كتاب الحياة ومتنه. هذا المقال للكاتب / إبراهيم بن سليمان الحيدري
ماجستير في الإدارة، وباحث في إدارة العمل الخيري.

الاثنين، 25 مايو 2009

صلة الرحم

صلة الرحم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس ليكونوا أحبابا متآلفين , لا ليكونوا أعداءً متنافرين .
فالمرء الذي ينشأ في رحاب التوحيد ودين الحق , ويشب على مائدة القرآن , وينهل من صفات الرحمن ؛ يبر والديه وأهل بيته وأقاربه , ثم الأدنى فالأدنى ثم تتسع الدائرة لتشمل اليتامى والمساكين وابن السبيل , والجار , والصاحب وكل أفراد المجتمع حتى المخالفين في الدين :
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8 .
والناس جميعا خلقوا من نفس واحدة .
فالناس جميعهم لآدم وحواء , كلهم أقارب , إليهما ينتسبون , وإلى بعضهم يحتاجون .
فلماذا يبغي بعضهم على بعض ؟
هل الدافع للبغي هو بريق المال وغرور المتاع ؟ .
أم زيف الجاه وحطام الضّياع ؟ .
إن الدنيا بأسرها لا تعدل – عند المؤمن الحق – لحظة يصل فيها رحمه , يُدخل على أخيه المسلم بسمة ؛ بأن يعينه على أمر معاشه , أو يُسدى إليه نصيحة , أويواسيه في حزنه و يشاركه في أفراحه .
وهو يفعل ذلك سجية لا تكلفا , وطبيعة لا تزلفا .
هذا الصدق تشعر به القلوب وتسعد به النفوس فترتبط وتتآلف .
هذا الحبل المتين لن يسقط من تعلق به , ولن يضيع من اهتدى إليه .
والمرء الذي تعلم من دينه الشفقة ومن والديه التراحم سيخرج إلى المجتمع ليكوّن مع أقرانه مجتمعا صالحا متماسكا لا يجد العدو إليه سبيلا , ولا الشيطان إليه قبيلا .
{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة 138 .
والحمد لله رب العالمين .
شعبان شحاته


الاثنين، 18 مايو 2009

الحرية للشرفاء

أدعو من خلال هذا المنبر كل الأحرار
العمل على إطلاق سراح سجناء الرأي والأسرى الشرفاء من الفيوم ومصر وأنحاء العالم

فالحرية لا تتجزأ .
وإليكم هذا الرابط :
http://www.facebook.com/group.php?gid=20602338478&ref=mf

الخميس، 14 مايو 2009

تحرير الإنسان

تحرير الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
وبعد
لقد كرم الإسلام الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 .
وهذا التفضيل عام يشمل كل إنسان مؤمن وغير مؤمن .
ومن ألوان التفضيل أن خيره بين الإيمان والكفر , على أن يتحمل عاقبة اختياره .
فلم يكفِ أن سخر الله له ما في الأرض جميعًا ليحمله بذلك على الإيمان قسرًا , ويجبره على التوحيد جبرًا ؛ بل ترك له الاختيار على الرغم من كل ذلك !
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ... } الكهف29 .
ودعاه الله تعالى لإعمال عقله , وإيقاد فكره :
لعلكم تعقلون , أفلا تذكرون , قل سيروا في الأرض فانظروا , أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها , يفقهون بها .... الخ .
ومن مظاهر هذا التكريم : أن جعل ثوابت الإسلام أقل بكثير من دائرة الاجتهاد والمباحات والتي هي ( دائرة مفتوحة وقابلة لتعدد الأفهام، وتجدد الاجتهادات، ومن شأنها أن تختلف فيها الأقوال، وتتنوع المذاهب. وهذه الدائرة تشمل معظم نصوص الشريعة وأحكامها.
فهي دائرة مرنة منفتحة. وهذامن رحمه الله بعباده، لتتسع شريعته للعقول المتباينة، والمشارب المختلفة، والوجهات المتعددة ) د / القرضاوي .
ومنها : إقامة العدل والميزان حتى لا يظلم الإنسان أخاه الإنسان :
{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( 7 ) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ( 8 ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ }الرحمن9 .
لهذا الأمر عاتب الله عز وجل نبيه – صلى الله عليه وسلم – عندما وقف مدافعا عن رجل سرق سيفا واتهم به يهوديا : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }النساء105
وأمر الله النبي بالاستغفار عن ذلك : {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء106
وجعل ميزان التفاضل بين الناس لا يقوم على ما يمتلكه الإنسان من المادية الزائلة :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.
كما عوتب صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه ؛ لأن هناك ميزانا جديدا , ميزان الله , وقيم الله التي يجب أن تستقر في الأرض بين البشر و تقام في واقع الناس .
بل إن الإسلام أمر بالتواضع حتى لا يتطاول أحد على أحد : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) حديث حسن , خرجه السيوطي - في صحيح الجامع عند الألباني .
وحرر الإسلام العبيد ودعا إلى ذلك بمنح الحوافز , وإجزال الثواب , بإطعام الطعام وعتق الرقاب , حتى قطع دابر العبودية من ديار المسلمين , وكان من قبل يدعو إلى حسن معاملتهم ( الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة وما ملكت أيمانكم ) . صحيح خرجه السيوطي .
وحرر الإسلام المرأة :
واقرأ إن شئت عن المرأة في الجاهليات القديمة عند الفرس والهنود والإغريق واليهود وعندالعرب قبل الإسلام .
أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة ، حيث كانت " في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مئتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان ، وهي الأفعى التي تنفث السم الزعاف ...
في أوروبا انعقد مؤتمر في فرنسا عام 568م ، أي أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم ، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وأخيراً قرروا : إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب !
والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها ، والقاصرون في عرفها : الصبي والمجنون والمرأة ، واستمر ذلك حتى عام 1938 م ، حيث عُدِّ لت هذه النصوص لصالح المرأة إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح ، وهذا ما حصل " في مؤتمر " ماكون Macon " وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح "
إن أصل القضية إذاً بدأ من سوء فهم للدين المسيحي من بعض القائمين على الكنيسة ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال : إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة في مرتبة بعد العبيد .
إحصائيات غربية حديثة :
نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الأزواج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي.انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45.
ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي. انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع ص46.
ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن.
وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د / جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته.
وفي دول أوربا نفس الأمر بلا استثناء .
وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا ، فإن الأمر خرج عن إطار التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها ؛ اعترافا بحقها وما أدته لمجتمعها من تربية الأجيال من النساء والرجال .
وإذا أردنا تحري الدقة والحقيقة فإن بعض المسلمين يظلمون النساء في الميراث , فلا يطبقون نظام الإسلام ولا منطوق القرآن .
والعيب ليس في الشريعة , ولا العلماء , ولا في القانون ؛ ولكن من تغول بعض الرجال على الأقارب من النساء .
ومن هذه المظاهر :
أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل المعجزة الأساسية للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – معجزة مادية ؛ وكأن البشرية قد بلغت نضجها , وفاءت إلى رشدها فعاملها الله تعالى بهذه المعجزة العقلية .
ولقد عاش المسلمون هذا الواقع وأقره الله بينهم وطبقه النبي فيهم .
قصة ابن سيدنا عمرو بن العاص مع المصري , وكلمات سيدنا عمر , ترن في الآذان , كاننا نسمعها منه الآن : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ) ! !
وهذا أبوذر يرجو من بلال أن يطأ خده بقدمه كنوع من أنواع الاعتذار !
وبلال الحبشي مؤذن الرسول . وكفى بذلك تكرمة .
بل هو الذي صعد يوم الفتح فوق الكعبة ليصدع بكلمة التوحيد فوق رؤوس الأصنام وأهلها , ويصدح بالأذان لأول مرة في أم القرى وربوعها !
والفاروق عمر يقول : سيدنا أعتق سيدنا ( أبو بكر وبلال ) رضي الله عنهم جميعًا .
بل إن أحد العرب المسلمين يتشفع بسيدنا بلال ليخطب له , وكان في خلقه ضعف في الاستقامة , فذهب بلال إلى أهل العروس , وصدقهم في وصف صاحبه . فقالوا نعلم أن خلقه كذا وكذا ولكنا لا نرد صاحب رسول الله !
ولك أن تسأل : كيف أصبحت الحياة في بلادنا مرهونة بالواسطة , وكيف صارت الحياة على أرضنا حبيسة التقرب بالمداهنة لدى أولى الأمر؟ .
وكيف لم يعد هناك نظام يحتكم إليه المواطن في تسيير يومه سوى نظام الفوضى والقرب من المحاسيب؟ .
واسأل كيف ترعرعت بين صفوفنا طبقات الطفيليات وأصبحت تهدد خبزنا وقوت أولادنا؟ .
بل كيف يهدد كل ذلك براعم التقدم و البناء, من الأجيال والأبناء ؟ .
نحن نريد تحرير الإنسان من التغول الاستعماري ومعاونيه من الحكام والسياسيين ومروجي نظامه من الصحفيين والمنتفعين .


إنهم يريدون تعبيد الإنسان , حتى تضيع الأرض والمقدسات ؛ لأن الضعفاء والمنكسرين , لن يحرروا الأرض ولا المقدسات .
وهل ترى هؤلا ء العبيد الدائرين في فلك اليهود , والسائرين خلف سياساتهم , الطاعمين على موائدهم , الذين يمدون أيديهم هناك بالخضوع والتقبيل , ويبسطونها إلينا بالضرب والتنكيل ؟ .
هل في الإمكان القول بأن محاربة شعوبنا حتى لا يقام فيها نظم ديمقراطية , وإذلال أمتنا حتى لا توجد بها مجالس نيابية حقيقية – بأن ذلك يعد عقبة كئودًافي طريق تحرير الشعوب ؟.
أستطيع أن أقول :
إن بناء الإنسان الصالح , هو الهدف الذي به تتحرر الأمة , من الطغاة ومن الاستعمار , وتقام المجالس النيابية النزيهة , والحكومات المستقلة القرار , والتي ستنعم شعوبها بالأمن والاستقرار .
وتلك هي المعركة الحقيقية :معركة بناء الإنسان الصالح .
بل إن نصوص الإسلام جاءت لتحرر الإنسان من نفسه :
من أن يكون أسيرًا لهواه , يأتمر به ويصدر عنه .
يتحرر من عبودية نفسه , فذلك الإنسان الذي ينفق ليقال عنه جواد , أو يعلّم ليقال عنه عالم , أوشجاع ومجاهد , أو ماهر وبارع .
كل هذه صور من صور عبودية النفس , يقف فيها الإنسان أسيرًا حقيرًا في محراب النفس مجانبا لخالقه , عابدا لهواه .
وآخر يعجب بنفسه يظن أنه يملك أسباب النجاح في مجال تخصصه , يستطيع أن يستدعيها في أي وقت , ليفعل بها ما يشاء .
يطربه المدح , ويهز أعطافه الثناء , وتعمل فيه كلمات المدح عملها في ذهابه وإيابه , وحله وترحاله .
كل هؤلاء وأمثالهم يدورون في فلك نفوسهم , عبيدًا لها أسرى في محرابها ؛ وهم لا يملكون إلا ماوهبهم الله من أسباب .
وهذا الصنف يعيش منكرًا لفضل ربه , جاحدا لنعمته , ليس عبدا لله , خالقه ومولاه ؛ بل عبدًا لنفسه أسيرًا لهواه .
ومن صور تحرير الإنسان وتكريمه خطاب الله الخالق العظيم لهذا الإنسان المكرم المدلل :
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } الانفطار 6 – 8 .
( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) البقرة .
{وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) إبراهيم34 .
قال العلماء : آتاه بما ينفعه من سؤله , لأن الإنسان لايعلم عواقب الأمور مما يطلب ويرجو .
وفي الختام كلمة :
إن دين الإسلام يريدأن يعيش الإنسان مكرمًا , محررا لله وحده من عبودية أخيه الإنسان , ومن عبودية نفسه , ومن أسر شهواته .
يعيش شامخًا في هذا الكون الذي وهبه الله له واستخلفه فيه .
يعيش خاضعًا لله وحده , معترفا بفضله , شاكرا لأنعمه .
فينال عز الدنيا ونعيم الآخرة ورضوان من الله أكبر :
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة .
Hudahuda2007@yahoo.com
من مدونة : الطريق إلى محبة الله: http://tareek2008.blogspot.com




الجمعة، 8 مايو 2009

مفهوم الزهد

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، أما بعد : الزهد
فالزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك .

وأجمع ما قيل في الزهد :
هو سفر القلب من وطن الدنيا إل وطن الآخرة .
و يعين العبد على ذلك :
علمه أن الدنيا ظل زائل ، و خيال زائر فهي كما قال تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) " سورة الحديد : 20 " و سماها الله " متاع الغرور " و نهى عن الاغترار بها ، و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين ، و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها و اطمأن إليها ، و لعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً و أجل شأنًا ، و هي دار البقاء ، يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها ، و أن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها ، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة .
فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87) .
حقيقة الزهد:
و ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ، و لهما من المال و الملك و النساء ما لهما ، و كان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر على الإطلاق ، و له تسع نسوة ، و كان على بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان – رضي الله عنهم - من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال ، و غيرهم كثير ، و قد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ، قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.
من أقسام الزهد:
و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً ، و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال و اللقاء و غيره ، وزهد في الناس بعدم الانشغال بهم ، و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله ، و الزهد الجامع لذلك كله ، هو الزهد في كل شيء غير الله ، و في كل ما يشغلك عن الله ، و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .
من فضائل الزهد:
لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) " سورة الرعد : 26 ".
وقال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)
و قال: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور ) " سورة الحديد : 23 " .
و قال تعالى حاكيًا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار ) " سورة غافر : 39 ". و عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة " . و عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، و أحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ازهد في الدنيا يحبك الله ، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك ".
و عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " .
الأنبياء أزهد الناس:
الأنبياء و المرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يحلب شاته ، و ما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ، و ربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ( رديء التمر ) ما يملأ بطنه ، و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار ، طعامهم الأسودان : التمر و الماء ، و كان يقول : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة ". و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : " إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف " ، و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبداً و إزاراً غليظاً فقالت : " قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين ".
الصالحون على درب الأنبياء ساروا:
و لما كان صلى الله عليه و سلم هو الأسوة و القدوة ، فقد سار على دربه الأفاضل ، فعن على – رضي الله عنه أنه قال : طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً ، و ترابها فراشاً ، و ماءها طيباً ، و الكتاب شعاراً ، و الدعاء دثاراً ، و رفضوا الدنيا رفضاً . و كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه ، أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، و الزهد في الدنيا ، و الرغبة فيما عند الله ، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده ، و أحبك الناس لتركك لهم دنياهم، و السلام.
و عن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً ، فما أمسى عندها درهم ، قالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت : لو ذكرتني لفعلت .
و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : الدنيا دار من لا دار له ، و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا علم له . و لما قدم عمر – رضي الله عنه – الشام تلقاه الجنود و عليه إزار و خفان و عمامة ، و هو آخذ برأس راحلته يخوض الماء ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالتك هذه ، فقال : " إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نلتمس العز بغيره ".
و دخل رجل على أبي ذر – رضي الله عنه – فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال يا أبا ذر : ما أرى في بيتك متاعاً ، ولا أثاثاً ، فقال : إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا و قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه .
وكان عمرو بن العاص – رضي الله عنه- يخطب بمصر و يقول : ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه و سلم ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا و أما أنتم فأرغب الناس فيها .
و قال على – رضي الله عنه – تزوجت فاطمة ومالي و لها فراش إلا جلد كبش ، كنا ننام عليه بالليل ، و نعلف عليه الناضح ( البعير ) بالنهار ومالي خادم غيرها ، و لقد كانت تعجن ، و إن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها .
و لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا و طول البقاء فيها لكرى الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، و لكن لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . و قد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب ، أما أفضلهم على جهة العموم و الجملة فأويس القرني ، و كان أويس يقول : توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم ، و قال مالك بن دينار : يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي ( فاتنة الحي ) ، فتقول : أريد مرطاً ( أكسية من صوف ) فتمرط دينه ( أى تذهب به ) .
و كان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال ، فيقولون : لا نأخذه ، نخاف أن يفسد علينا ديننا .
و كان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته و كسب حبتين قام ، و كان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ، و خلف أربعمائة دينار ، و قال : إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني . و قال سفيان الثورى : الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة . و قال الشافعي في ذم الدنيا و التمسك بها:
و ما هى إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها وان تجتذبها نازعتك كلابها
وكان أبو سليمان الداراني يقول : * كل ما شغلك عن الله ، من أهل ومال وولد فهو مشؤوم *.
قصة الشيخ زكريا الأنصاري الذي تربى على يديه الكثير من علماء الأزهر وقد اختار لنفسه أن يعيش في شظف وتواضع , وعاش مئة وأربعة أعوام في خدمة العلم .
طويت الدنيا عمن هم أفضل منا :
ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كما أن فيه تمام التوكل على الله ، وهو يغرس في القلب القناعة , إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة . و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك ، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك ، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها ، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف ،
وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة .
أتعلم لماذا طويت الدنيا عنهم؟ .
لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله ، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه .، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه ، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها ، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان ، وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك ، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام ، وإدبارها إقدام ، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.
• ليس الزهد في الدنيا بأن تحرّم على نفسك ما أحله الله لك من الطيبات، إذ الحلال نعمة من الله على عبده، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فشكره على نعمته والاستعانة بها على طاعته واتخاذها طريقاً إلى جنته أفضل من الزهد فيها، والتخلي عنها، لأن الزهد في نعم الله زهد مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته، وهو زهد لا خير فيه، يظلم القلوب ويعميها ويشوه جمال الدين الذي اختاره الله لعباده، وينفر العباد من دين الله عز وجل ويهدم الحضارة، وينشر الجهل ويمكن أعداء الله من أمة الإسلام.
• وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالعمل والكسب وحض على مخالطة الناس والزواج .
• واليوم يتسابق أعداؤنا في أنحاء الأرض ويتنافسون على امتلاك أساب القوة من زراعة وصناعة واقتصاد وعلوم ليتحكموا في مصائر الناس ومعايشهم , وكلما قويت شوكتهم علينا منعونا أن نعبد الله , أو ننصر إخواننا ومقدساتنا ؛ ونحن نصرخ على المنابر بالزهد فيما يمتلكه أعداؤنا لنظل على أعتابهم واقفين , وعلى موائدهم متطفلين !!
• واحتار الناس بين وسائل التوجيه الرسمية لدولنا الإسلامية , وأقطارنا العربية , وبين حقيقة الدين وواقع الحياة من حولنا.
نحن نفهم قضية الصراع بيننا وبين أعدائنا بطريقة وتعرضها وسائل الإعلام عندنا بطريقة أخرى
والقيم الإسلامية الإنسانية كالزهد والعفة , والشهامة والمروءة والنجدة ...الخ تعرضها برامج التعليم , ووسائل الإعلام عندنا بطريقة تختلف أحيانا عما يراد منها .
ونسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه الحق ردا جميلا , وإلى قيمه الفاضلة , ومبادئه السامية .
وهو سبحانه أفضل مسؤول وخير مأمول .
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
شعبان شحاته
Hudahuda2007@yahoo.com

السبت، 2 مايو 2009

يا قومنا



ياقومنا...

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين وعليه أتوكل وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد

اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .

إن الله – سبحانه وتعالى – اختار المسلمين لتحقيق قدره , وإقامة شرعه في الحياة .

اختار هذه الأمة لتعبد الله , وتحمل راية التوحيد للعالمين , تدعوهم لعبادة الله وحده , فلا يجوز أن يعبد في هذه الأرض إلا الله ؛ فهو الذي خلق , وهو الذي يرزق ,وهو الذي يحيي ويميت , وإليه المرجع والمصير .

وهذا الاختيار بكل تكاليفه ,شرف كبير , وفضل عظيم , لايستطيع المسلم أن يشكر الله عليه حق شكره .

والنكول عن هذه المهمة بمثابة تضييع لشرف الاختيار.

بل تضييع لرسالة الإسلام نفسها .

والمسلمون مكلفون بأن يكون ولاؤهم لله ورسوله وللمؤمنين .

ولابد أن يعرفوا طبيعة المعركة بينهم وبين معسكر الكافرين .وإلا كيف يخوضون معركة هم عن طبيعتها غافلون !

ثم إن الذين يتصدون للمسلمين لعرقلة مهمتهم من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين يخوضون معركة شرسة لا يخبو أوارها , ولا يجف مدادها .

فهل يجوز – بعد ذلك - أن نغفل عن طبيعة هذا العدو , ومايدبره لنا من كيد , وما ما يعده لنا من حرب؟ .

بل هل يجوز موالاة هذا العدو ؟

أليس هذا العدو هو من حارب النبي – صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ؟ .

أليس هو من قام بحملاته الصليبية على بلادنا في مئتي عام ؟ .

ألم يسقطوا الخلافة الإسلامية في تركيا , وقسموا تركتها , واحتلوا بلادها , واستعمروا أرضها , ونهبوا ثرواتها , وأذلوا أهلها , وغيروا ثقافتهم , وبدلوا لغتهم ؟.

أليس هو من جمع اليهود وأقام دولتهم على أرض فلسطين ؟ .

وبالتالي هجروا ملايين الفلسطيين مشردين في أصقاع الأرض !

أليسوا هم من يحاربون الديمقراطية في بلادنا ويضعون العقبات في طريقها ؟ .

( إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم . وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه ، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له . .

وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ، أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين! أمام الكفار والملحدين! فهم مع الكفار والملحدين ، إذا كانت المعركة مع المسلمين!!!

وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان؛ حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعاً أهل دين! - ناسين تعليم القرآن كله ) وناسين تعليم التاريخ الذي أشرنا إليه .

وهم أنفسهم الذين ينشرون الفساد والمادية , بل بعملون على فرضها على الشعوب باسم العولمة وتحت مسميات كثيرة .

إنهم لن يرضوا أن تقوم لنا خلافة ولا أن تتحد أمتنا , ولا أن تنتشر قيم الله وموازينه في الأرض : قيم الحق والخير والبر .

ولن يرضوا أن تتقدم أمتنا ويكون لها شأن في هذه الحياة وسوف يستعينون علينا بالكافرين والملحدين من كل نوع , ويجتمعون علينا مهما كان بينهم من شحناء وإحن وبغضاء .

وسوف يحبسون الدعاة ويعملون على تشويه صورتهم , وتلويث سمعتهم أملا في صدهم عن إقامة رسالة الله المنوطة بالمسلمين في الأرض .

فهل يعقل أن يوجد من المسلمين من يعينهم على هكذا مهمة ؟ .

أو بمعنى آخر هل تجوز موالاتهم والوقوف في صفهم والمسارعة إليهم؟ .

لقد بين القرآن الكريم عاقبة من يفعل ذلك بكل وضوح لا لبس فيه ولا غموض .

كما بين وجوب مولاة الله ورسوله والمؤمنين , ووجوب لزوم هذا الصف وعدم الخروج منه , وبذلك يكون المسلم قد تجرد لإقامة شرع الله في الأرض والتمكين لدين الله في الحياة , وهذا هو الهدف الحقيقي , وإذا كانت الغلبة من نصيبه ؛ فإنها ليست غاية , فقد يتأخر النصر , ويطول الطريق بعض الشيء .

المهم هو أن يؤدي الواجب ويتحرى الحق , ويقيم الرسالة , وحسبه ذلك .ولله عاقبة الأمور .

وما أوقف أهل الكتاب هذا الموقف إلا لأنهم فاسقون , وقلوبهم قاسية لنقضهم ميثاق الله .

فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ...) المائدة 13 .

وكيف يرضى الفاسقون عن المؤمنين المستقيمين على شرع الله ؟ .

وهل يستقيم أن يبغضوا المسلمين لأننا آمنا بالله , وما أنزل إلينا , وما أنزل أليهم هم من قبل ؟ .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) المائدة .

يا قومنا

عودوا إلى رشدكم , عودوا إلى رسالتكم ، ابحثوا عن العزة لشعوبكم من خلال المنهج الإسلامي الذي شرفكم الله به .

فاستعصموا بالله وحده , وارفعوا راية القرآن , وطبقوا تعاليمه , (َفمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }طه123.

واتبعوا هدي النبي – صلى الله عليه وسلم - {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31 .

يا قومنا

اتقوا الله ولا تؤذوا الدعاة إلى الله , بلا ذنب ولا جريرة إلا أن قالوا ربنا الله .

إن هؤلاء الدعاة حبيب إليهم أن تذهب نفوسهم وما يملكون فداء لدينهم وبلادهم وشعوبهم , يحتسبون أجرهم عند الله وحده .

إن الدعاة يبتغون إقامة شرع الله والتمكين له , ويريدون التقدم والخير والرخاء لبلادهم .

وأنتم تمنعونهم من ذلك .

والكل يعلم أن عدونا لن يرضى بإقامة شرع الإسلام الحنيف , ولن يرضى بتقدم بلادنا ورقيها , ولن يحقق رغبتنا في هذه ولا في تلك .

فلماذا نسير خلفه , ولماذا نقفو أثره , والله تعالى يبين لنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران118.

وما زالوا واقفين ضد إقامة حكومة إسلامية أو نظام ديمقراطي , أو إقامة دولة فلسطينية , أو عودة ملايين الفلسطينيين , أو اتحاد وتقارب البلاد العربية والإسلامية , في تطبيق علني لسياسة فرق تسد .

وفي عهد بوش الابن الذي أعلن عن حربه الصليبية الجديدة – وكان صادقا فيما أعلن – في عهده شن حروبا على بلاد المسلمين :

في أفغانستان , والعراق , والصومال , ولبنان , وفلسطين ( حرب غزة ) .

يا قومنا

اجعلوا وجهتكم إلى الله , تستمدون منه العون , وتستلهمون منه التوفيق .

استعينوا بشعوبكم واجعلوهم في صفكم , واجعلوا شباب الأمة عدتكم .

فتقوى شوكتكم , وتعظم شكيمتكم .
وحينئذ تنالون رضا الله وعونه وعزته , وتصطف خلفكم شعوبكم فيهابكم عدوكم , ويعمل لكم ألف حساب .

وإلا فسيحل غضب الله عليكم , وينزل بكم من الهم والغم ما لا طاقة لكم به في الدنيا والآخرة .

وتتبعكم لعنات قومكم , وخذلانهم لكم , ودعاؤهم عليكم ليلا ونهارًا , ثم لا تفلحون .

ومتى كان الأذى يقضى على الدعوات ؟ .

وهل سمع أحد أن طول عهد الظلم كان في صالحه ؟ .

وإذا كان عمر الظلم سنوات طويلة فنحن نوقن أنه لم يبق منه إلا أيام قليلة .

وهل يتخلى الله تعالى عن أوليائه , والدعاة إلى دينه ؟ .

ثم إن الدعاة إلى الله لن يثنيهم أذاكم , ولن ينفد صبرهم بكيدكم , ولن ينكلوا عن مهمة قد اختارهم الله لها , والله مولاهم وهو نعم المولى ونعم النصير .

شعبان شحاته .

Hudahuda2007@yahoo.com

مدونة الطريق إلى محبة الله : http://tareek2008.blogspot.com