خواطر جريحة

خواطر جريحة لشباب الأمة : للأستاذ شعبان شحاته

2009-01-14 02:01:21

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد ...
لا أستطيع أن أصف ما يحدث في غزة ؛ لأنني كثيرًا ما أهرب من مشاهدة الأخبار وسماعها ؛ و لأن ما يحدث لا يتحمله إنسان سوي . إنه هم وغم و كرب عظيم .
تذكرت المحن التي عصفت بنا فكانت حفرًا غائرة بجسد الأمة , لا تُنسى مهما مرت الأيام وكرت الأعوام :-
1) دخول التتار بغداد وقتل أهلها .
2) إعلان التقسيم 1947 م , واعتراف عصبة الأمم بدولة لليهود في فلسطين سنة 1948 م .
3) الهزيمة الساحقة سنة 1967 م , هُزمت فيها ثلاثة جيوش عربية في 6 ساعات وليس في ستة أيام . فكانت فضيحة بكل المقاييس . ومازلنا نعاني من آثارها , وما قضية غزة اليوم إلا نتيجة لحرب 67 .
4) تلاها حريق المسجد الأقصى 1969 م .
5) اتفاقية الخزي والعار : كامب ديفيد بين السادات واليهود , وما ترتب عليها من آثار ومن أخطرها ارتماء أكثر العرب في أحضان أمريكا واليهود .
6) يوم البوسنة والهرسك ومذابح سربرنيتشا وقتل مائتي ألف مسلم , وفظائع أخر : هتك أعراض العفيفات المسلمات في الميادين العامة , وزرع أجنة الكلاب في أرحام بعضهن , وذبح الرجال بالسكاكين كما تذبح الطيور !
7) وغزو أفغانستان و العراق .
8) ثم حدوث هذه الطامة التي وقعت على رؤوسنا اليوم في غزة .
وإذا كانت فلسطين قد أصابها الكثير من المذابح على يد اليهود , إلا أن ما يصيب غزة اليوم على مرأى ومسمع من كل أهل الأرض وفي عالم الفضائيات لهو أشد إيلامًا وأفظع ؛ لأن الناس ترى ما يحدث في أرض المعركة لحظة بلحظة وساعة بساعة بأسلحة فتاكة ومحرمة .
وإذا كان المشاهد مسلمًا متدينًا يعيش معنى الأخوة الإسلامية : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا , وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى , عندما يقف الرجل الحر وهو يرى أخاه يقتل ووطنه يدمر , وأطفاله تذبح , وهو يرى امرأة تستغيث , يرى قوافل الشهداء يشاهد الجثث والأشلاء ثم يجد نفسه لا يملك إلا الدعاء , وبعض القروش يتبرع بها , أو وقفة يحتج بها على الطغاة المتواطئين والزعماء الممالئين , فإن ذلك كله يتضاءل بجانب هذه الكارثة .
لكن المأساة مستمرة والساعات لا تكاد تمر إلا ومعها أعباء نفسية قاسية , وأثقال قلبية مؤلمة .
وسأظل أقول : إن الأزمة أخطر من أن تصفها الكلمات .
معادن الرجال :
الحكام أو كما يقول البعض ( المتحكمين ) :
بعضهم مالأ اليهود , وأعانهم على المسلمين , وظاهرهم على المظلومين , وأغلق المعابروالحدود , ومنع المساعدات شهورًا عديدة عن الفلسطينيين المجاهدين , الذائدين عن الأقصى الأسير , المدافعين عن أوطان المسلمين.
وأنا أفهم أن المطالبة بدخول المساعدات الإنسانية كالدقيق والأدوية والمرضى , نتقدم بها للأعداء ليوافقوا على مرورها , وهذا يحدث في جميع الحروب في العالم , ناهيك عن أوقات السلم .
أما الأشقاء فهو واجب أخوي وديني وإنساني , وحق الجوار يفرض ذلك .
وبعضهم يرفض حضور القمة العربية , ويعمل على عدم عقدها .
بل أكثر من ذلك : يضع عقبة هائلة في طريق المجاهدين بمبادرات تهدر حقوق الفلسطينيين
ليخرجوا من الحرب منتصرين , ثم يصدمون بعدها بحرب أخرى أقوى وأشد .
ومنهم من يعتقل ويسجن المتظاهرين والمحتجين !
ومنهم من يسكت ولا يتكلم ؛ حيث إنه لم يتعود أن يأخذ رأيا حاسمًا في هكذا مواقف .
ومن الرجال :
§ رجب طيب أوردغان رئيس وزراء تركيا الذي جاء ليفعل شيئا ففجع بالبرود والسكوت من زعماء المنطقة .
وقديما قال الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي
وأسمع اليهود ما يكرههم ويغيظهم , وذكرهم بأنهم كانوا مشردين في الأرض , ونحن من آويناهم . والرجل يعتز بأنه ابن الخلافة العثمانية .
§ رئيس فنزويلا ( هوجو شافيز ) الذي أبهر العالم بموقف رجولي علا به على مقامات الكثيرمن رؤساء وملوك العرب و المسلمين . ونفس الموقف أخذه رئيس بوليفيا .
§ ومنهم( جورج جلوي ) النائب البريطاني العظيم الذي يتعاطف غالبا مع قضايا العرب حيث شارك في مظاهرة ضخمة في لندن وألقى فيها خطبة عصماء , وعمدة لندن السابق له نفس المواقف ضد اليهود .
§ ومنهم أطباء أتوا من بلجيكا ومعهم المساعدات الطبية اللازمة ومن النرويج وغيرها .
معادن الشعوب :
§ لقد رأيت كل شعوب العالم تنتفض , تهتز , تتأثر , تتبرع , نساء ورجال , شيوخ و أطفال .
§ وهذه الجموع الهادرة , من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها وتعاطفها وبكاؤها وفي ظروف مناخية صعبة أحيانا لهو أكبر دليل على الروح الإنسانية السارية في قلوب البشر , الضاربة بعمق في نفوس الخلق .
§ ووقفة الشعوب الإسلامية الصادقة في المدن والقرى على السواء برهان جلي على الأخوة المثالية المكنونة في القلوب والتي لا تخرجها إلا مثل هذه المواقف .
§ ومن مظاهر هذه الأخوة : الأكف التي ترتفع بالدعاء كل حين , وفي وقت السحر , مبتهلة باكية , تستمطر من الله النصر و التثبيت لإخوانهم في فلسطين .
المنظمات العالمية :
§ منظمة العفو الدولية مشكورة أسرعت وأنكرت . وكذلك المنظمة الأمريكية : هيومن رايتس ووتش .
§ أما الأمم المتحدة , ومجلس الأمن , والاتحاد الأوربي فعليهم من الله ما يستحقون من لعائن الله وسخطه , ومن عذابه وغضبه .
لقد عرف الجميع أن هذه المنظمات تديرها أمر يكا ومن خلفها المتعصبون الأوربيون و اليهود .
§ منظمة المؤتمر الإسلامي فوجودها كعدمه تقريبًا ؛ لأنها لاتفعل أكثر من أنها تطالب بكذا وكذا وليس في يدها أن تفعل .
وأسأل : ما المانع أن تسمى : منظمة الاتحاد الإسلامي , أو منظمة الولايات المتحدة الإسلامية , أو جامعة الدول الإسلامية .
حقيقة العدو :
§ همجي : إن ما يقوم به اليهود أمر غير مسبوق , وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على قلوب قدت من حديد , وقطعت من سجيل .
§ ليس ثمة وصف أدق لليهود مما جاء في القرآن الكريم ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ... ) المائدة 82 .
§ ومن صفاتهم الجبن : ( قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ) المائدة 24.
§ ضعيف :
هزم في العاشر من رمضان , السادس من أكتوبر 1973 م .
ودحر في حرب الجنوب اللبناني 2006 م على يد حزب الله وبعض المقاومين الإسلاميين والوطنيين .
واليوم خذلوا على يد المقاومة الإسلامية في غزة , أسأل الله أن يكتب لهم النصر على هؤلاء الأنجاس المجرمين , وأن يشفي الله صدور قوم مؤمنين , بالظفر المبين , و العز والتمكين للإسلام والمسلمين .
فوائد المحن :
§ كل يوم يمر من معركة الفرقان يمثل نصرًا منفردًا , إذا قسنا قوة العدو وعتاده بقوة المقاومة المادية .
§ أن الإيمان أكبر عتاد وأمضى سلاح في كل معركة في السلم والحرب .
§ أن من ينصر الله ينصره , ومن يخذله الله فمن يستطيع نصره ؟ .
( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران 160 .
§ فالحرب الآن بين الكفر والإيمان .
§ أن الأنظمة العربية المتحكمة الطاغية ستبعدها معركة الفرقان عن سلطانها وعروشها بكل يوم سنوات كثيرة .وهو ما لم تقدر عليه القوى الإسلامية الوطنية , والحزبية السياسية .
§ أظهرت الحكام , والصحفيين , والمسؤولين , والمنتفعين , وأبرزتهم وهم يمارسون اللعب على المكشوف مع أعداء الأمة بلا حياء ولا خجل , وهم يرون دمار الأوطان وقتل الأبرياء وصراخ الأطفال واستغاثة العذارى والأمهات الثكالى .
§ أنشأت هذه المعركة مقاومة في كل بيت ( كما قال الأخ خالد مشعل , حفظه الله ) .
§ عرف العالم كله حقيقة اليهود المجرمين , القتلة , حتى إذا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر على يد المؤمنين فلن يأسف عليهم أحد يومئذٍ .
§ أظهرت الحرب وحدة الأمة واصطفافها مهما حاولوا تغييبها وإلهائها بالفتن و الشهوات .
§ أظهرت تأييد الله – سبحانه – للمقاومة . فقد قرأت في الأخبار الواردة عن العدو وهم يحكون عن المجاهدين , أنهم كانوا يضربونهم ثم يتتبعون أثرهم فلا يجدون أحدًا .
لماذا لا تكون الملائكة تقاتل معهم .
لقدكنت أشاهد قناة الأقصى في أوقات الليل فكنت أسمع صياح الديكة باستمرار , ألا يدل ذلك على نزول الملائكة .
تحية إكبار :
§ تحية إكبار من قلوبنا لأشرف رجال في الأمة – لا نزكيهم على الله – لقد رفعتم رؤوسنا , وأحييتم فينا معنى الجهاد .
§ تحية للشهداء الأبرار , نسأل الله أن يتقبلهم , ويرفعهم إلى أعلى عليين , ويلحقنا بهم , وأن يجمعنا بالنبي الأمين والصحابة الأكرمين .
§ تحية للقادة السياسيين الذين أمدهم الله تعالى باليقظة والفهم وبعد النظر والحنكة التامة والصبر والجلد .
§ في الحقيقة أنا منبهر للغاية من تعامل إخواننا الفلسطينيين في قيادة الحركة مع الرؤساء والمسؤولين بحكمة واقتدار رغم تباين المواقف واختلاف وجهات النظر .
شعبان شحاته
Hudahuda2007@yahoo.com