ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

السبت، 8 ديسمبر 2012

إقامة الدولة التي تحمي الدعوة

الهجرة لإقامة دولة تحمي دعوة بقلم: الشحات عطا من أئمة الأوقاف .  الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وبعد :
. 1 المصالح الخاصة والمكاسب المالية تقف في وجه دعوة الحق . إن الحق مهما كان واضحًا وميسرًا وإنسانيًّا وواقعيًّا فإنه بحاجة إلى قوة تحميه وتحمله وأُمّة تعيه وتمثّله وإن المتأمل في حقيقة الهجرة يدرك أنها كانت من أجل البحث عن قوةٍ تحمي دعوة الحق وقومٍ ينالون شرف تحمِّل المشروع الإسلامي بعد أن رفض أصحاب المصالح الخاصة من أمثال أبي لهب الذي قاد حملة إعلامية شرسة حتى لا تقوم للإسلام قائمة في مكة تؤثر على مصالحه المالية ومكاسبه الخاصة وفيه نزل قول الله " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ"(المسد:1،2). إن معاداة أبي لهب ورفاقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لجهلهم برسول الله ورسالته الإصلاحية، وإنما خوفًا على مصالح مالية ومكاسب خاصة "ماله وما كسب" تهددها طبيعة الرسالة الجديدة . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في مكة ونشأ فيها نشأة دينية نال بها لقب الصادق الأمين وكان أمره- كشاب متدين- معلومًا لجميع أهل مكة، وما إن أخبر أهل مكة بأنه يحمل إليهم مشروعًا من رب العالمين لرحمة حياتهم والنهوض ببلدهم حتى قام يواجهه نفر ممن كانوا يعدون أنفسهم نخبة في مكة كانت تحظى بالسيطرة المالية والاجتماعية.. قام هؤلاء في وجه المشروع الإسلامي، رافضين أن يسيّر هذا الدين الجديد حياتهم وينظم شئونهم ويحررهم من عبودية البشر للبشر ومن سيطرة الإنسان على أخيه الإنسان . انتفض أصحاب المصالح الخاصة ومن عاشوا لسنوات يستعبدون الناس ويسخرونهم لشهواتهم ويسرقون تعبهم وقوتهم.. انتفض أصحاب المصالح الخاصة يدافعون عن أوضاعهم ومكاسبهم وقادوا حملة إعلامية مضللة لتشويه صورة رسول الله حينًا وتشويه مشروعه أحيانًا . وتحرك كبيرهم أبو لهب بدافع حماية أمواله ومكاسبه حركة إعلامية تتبّع خلالها كل عمل أو مقابلة يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصرف الناس عن هذا الدين العظيم ويقلب الحقائق ويقول للناس عن الصادق الأمين إنه كاذب وساحر وبه مرض ومجنون ووو… ولما قاومت مكة المشروع الإسلامي ولم تكن أهلاً لتحمُّلِه، أخذ رسول الله يبحث عن أرض وقوم ينالون هذا الشرف العظيم، وبعد محاولات هدى الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى بلدة طيبة تستحق أن تنال هذا الشرف؛ فكانت المدينة المنورة وكان الأنصار الذين نالوا شرف تحمّل المشروع الإسلامي وإيواء إخوانهم المهاجرين . 2 - وجوب العمل الجماعي لبناء الدولة وحمايتها . وبدأت مرحلة جديدة في عمر الأمة الإسلامية بالهجرة تعيَّن في هذه المرحلة على كل مسلم أن يتحرك ليشارك في بناء الدولة الإسلامية الوليدة ويهاجر إليها ولم يعد يُسمح لمسلم أن يتخلف - بدون عذر - عن الهجرة لينال الجميع شرف المشاركة في بناء أول دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية وحمايتها والعمل على رفعتها ونهضتها "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 72 وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ 73 وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 74 وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الآيات من الأنفال ٧٢ -٧٥) لا بد من دراسة مع المجتمع؛ لأنها تؤكد وجوب العمل الجماعي من أجل بناء وحماية الدولة الجديدة وهذا في صلب حدث الهجرة، وهو المفهوم من قوله تعالى في كل الآيات المذكورة في السياق " بعضهم أولياء بعض " سواء فيما يخص المؤمنين أو الكافرين . واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم للدولة الجديدة اسمًا مدنيًّا يليق بمدنية الإسلام ورقيه وحضارته فغيرها من يثرب إلى المدينة المنورة . : لماذا يرتبط نزول أكبر سور القرآن الكريم بحدث الهجرة ؟ ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم أول سورة مدنية وأكبر سورة في القرآن الكريم كله- البقرة- لتنظم شئون الدولة الإسلامية الوليدة وتحافظ على سلامة بنيانها وتقوي أركانها . ولقد نزل فيها من الأحكام الكثير كالجهاد والقصاص والزواج والطلاق والمتعة وأحكام الحيض والفرائض الخمس والصدقات والمعاملات كالتجارة والرهن والدين وتحريم الربا بالإضافة إلى تحويل القبلة والعقائد والأخلاق وتكليف الأمة بالرسالة بعد أن فشل في حملها بنو إسرايل ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) . إن الهجرة ليست مجرد حدث، وإنما مرحلة جديدة في عمر أمة الإسلام انتقلت فيها الأمة من الضعف والاستضعاف إلى القوة والتمكين وأصبح للإسلام دولة تحمي دعوته ورسالته؛ ومن هنا استحقت الأمة - بعد أن أقامت الدولة- أن تنال شرف نزول المفصَّل من القرآن الكريم ليفصل لها منهاج حياتها الذي إن اتبعت هداه فلا خوف عليها ولا حزن، هذا ما نص عليه الله عزوجل تعقيبًا على أول قصص سورة البقرة: "فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة: 38) وهكذا رد الله في أول قصة في سورة البقرة ما ذكره كفار مكة من افتراء في سورة القصص حين حاربوا الهدى الرباني بحجة الخوف على مصالحهم ومكاسبهم وأوضاعهم "وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 57 وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ 58 وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ" (القصص: ٥٧-٥٩) فعلم الله المؤمنين والمؤمنات أن اتباع الهدى الرباني واحترام شريعة الله هو سر قوة الأمة وحمايتها من الخوف والحزن وأن التطاول على شرع الله والتنكر له والبطر على ما أنعم الله به هو الظلم المفضي لهلاك الأمم والشعوب "وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ 58 وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ" (القصص:58،59). 3 - أكبر سور القرآن لحماية الدولة الوليدة من عَمالة المنافقين وإفسادهم والتحذير منهم : وافتتحت السورة الكريمة بالحديث عن سكان الدولة الجديدة وصنفتهم إلى مؤمنين متقين في خمس آيات، وكافرين جاحدين في آيتين، ومنافقين متآمرين ومتخابرين مع شياطينهم ضد مصالح الدولة الجديدة في ثلاث عشرة آية متصلة، وأكدت سورة البقرة وفصلت في صفات المنافقين باعتبارهم الخطر الأكبر على الإسلام ودولته الوليدة، ثم تخللت السورة آيات وآيات تتحدث عن صور تآمر المنافقين وعلاقاتهم بسادتهم اليهود وحرصهم على الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، وذكرت السورة في مطلعها من صفاتهم التي تهدد الدعوة والدولة ما يلي : - ادعاء المنافقين الإيمان وخواء قلوبهم منه "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ" (8) الخداع اللفظي والخداع الحركي والفعلي "يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ" (البقرة: 9 مرضى القلوب "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ"(البقرة: 10 كذابون "وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" (البقرة: 10 يفسدون في الأرض ويدّعون الإصلاح " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة: 11 يسفهون اختيار الناس ويتعالون عليهم " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء" (البقرة: 13). وإيمان الناس كان اختيارًا سفهه المنافقون، وهكذا يفعلون مع كل اختيار لا يوافق سفههم "أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء "( 13 المداراة والمداهنة " وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا" (البقرة: 14 التخابر والعمالة للصهاينة، وهو ما استفيده من معنى الخلوة الذي يوحي بعمل لا يروق في العلن "وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ" (البقرة: 14) أصحاب مشاريع ومكاسب خاصة يبيعون لأجلها الإيمان والأوطان "أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ" (البقرة: 16). حواسهم تجاه مصلحة الدين والوطن معطلة "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ" (البقرة: 18 ) 4 المنافقون . (هم العدو فاحذرهم وهكذا علّم الله رسوله أول مقدمه المدينة المنورة وهو يضع اللبنات الأولى في بناء الدولة الجديدة أن المنافقين هم الخطر الحقيقي على الدين والوطن، وظلت آيات وسور تتنزل على رسول الله في المدينة ترصد حركة المنافقين وتؤكد للرسول وللمؤمنين أن المنافقين هم العدو الذي ينبغي الحذر منه "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ" (المنافقون: ٤) وأن المنافقين هم من سيسعون للإرجاف في المدينة وسيحاولون فتح أعين الأعداء على عورات الوطن وسيتربصون بالمؤمنين الدوائر ولن تنقطع علاقاتهم المشبوهة بالخارج "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ" (النساء:141) . أرأيتم إخواني مصطلح الاستحواذ .. من الذي يستخدمه ؟ . وصدق ربنا حين قال "وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ" (محمد:30) وأنهم سيقفون بكل طاقاتهم في مواجهة الدولة ذات المرجعية الإسلامية ولن يقبلوا أي دعوة إلى التحاكم للكتاب والسنة " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا" (النساء: الآية61) " رأيت المنافقين " معسكر موجود له أهدافه المتمثلة في الصدود المطلق عن شرع الله ولهم كذلك ولاءاتهم التي تستهدف إلحاق المصائب بالوطن ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله "فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا" (النساء: الآية 62) " وهذه الآيات من أول الربع في النساء تحتاج إلى خطبة تفضح أفعال المنافقين وإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وكراهيتهم لتحكيم الشرع وصدهم المطلق عن هذا التوجه . أيها المؤمنون والمؤمنات، إن معرفة النفاق والدراية بصفات المنافقين فريضة وضرورة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطلعنا على علامات المنافقين ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة )، ينبغي أن نتنبه لهذا الخطر الذي يستهدف الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، وإن من كبار الصحابة من كان يخشى على نفسه النفاق ويقول لأمين سر رسول الله "أعدّني لك رسول الله ؟ ! " … ألا يخافون من قول الله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) . يجب تفصيل الحديث عن صفات المنافقين وخطرهم على الدين والوطن وكيف هددوا مسيرة الدعوة والدولة ولم يردعهم شيء وغرَّهم حلم رسول الله عليهم حتى نزل وعيد الله لهم بعد تآمرهم على الدين والوطن في الأحزاب " لئن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا 60 مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا 61 سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا " (الأحزاب 60.62 إن من سنن الله التي لا تتبدل: أن من يخون دينه ووطنه سيحرمه الله من هداية الدين وسيحرمه من العيش في رحاب الوطن …" ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" (الأحزاب: ) 60 .) ومن ضرورات الاستقرار في المجتمع التآخي والمآخاة وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم . إن دستور الدولة أمر واجب من الناحية الشرعية وقد تم بالفعل وضع دستور المدينة ، وكانت هناك أمور تفصيلية تحت هذا الدستور تشمل الأمور الحياتية والمعاشية للناس . إن تنظيم حياة الناس من زواج وطلاق ومتعة وتجارة ورهن ودين ، وأمور العبادات كالصيام والصلاة والحج والجهاد ، وفضح المنافقين وذكر صفاتهم لتحذير المؤمنين من مخططاتهم من أجل سلامة المجتمع والوطن . إن الحرب التي يشنها اليوم أولئك الذين يريدون إقصاء منهج الله عن الحياة ، دافعهم لذلك هو جعل الدين مسألة شخصية في المساجد والبيوت ، وإبعاده عن تنتظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية وهذا ما يريدون أن يدرجوه في الدستور الجديد . إن الذين يوهمون الناس أن مصالح العباد من مسلمين ونصارى وغيرهم ليست في ظل شريعة الإسلام ، هؤلاء لا يمثلون شعوبنا ، وفعلهم هذا يخرج بهم عن نطاق الإسلام نفسه . نحن نعلنها عالية مدوية واضحة جلية ، نحن شعب مسلم وهويتنا إسلامية ودستورنا لا بد أن يعبر عن دين الأمة وهويتها ، ولن نقبل إلا بذلك . إن نجاح الجيل الأول من المسلمين يعزى إلى ثقافتهم الإسلامية الخالصة ، وإلى اتباعهم هدي القرآن والسنة ، وتنحية ما يصطدم مع هويتنا وثقافتنا . ونحن – جمهور المتدينين – أئمة ودعاة ومصلحين سنقف بكل ما نملك من قوة لإقامة الدولة المدنية لحماية الدعوة ، وتعود الأمة لرسالتها التي كلفها الله بها ، ندعو لعبادة الله وحده ، والتحاكم إلى منهجه وحده ، ونحن على ذلك مصرون ، وله عاملون ، وبنصر الله واثقون ، ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) الإسراء 51.

الاثنين، 3 ديسمبر 2012

الأمل سلاح الأقوياء وطريق العظماء

بقلم: خميس النقيب على طريق الحق يتصل العظماء من الأنبياء والمرسلين والتابعين بربهم؛ أملاً وعملاً، وعلى طريق الدعوة والدعاة تتكاثر أسباب العمل، وتتسع بوارق الأمل؛ لكشف الظلم ونهوض الأمم وبلوغ القمم عندما تتلبد الأجواء بالغيوم، وتتكاثر في الأرض الهموم، وتخبو الأنوار في الحياة، وتتراكم الظلمات بعضها فوق بعض، هنا يتجلى في الأفاق شعاع نافذ، علاج شافٍ، درس عظيم هو درس الأمل ، أعداء يتربصون بالإسلام يومًا بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، بل لحظة بعد لحظة، يبثون سمومهم، وينشرون أمراضهم، ويمررون حقدهم، لماذا؟!! يريدون أن يلحدوا هذا الشعب ويحطموا أخلاقه، يودون أن يذهبوا قيمه ويدمروا مبادئه ويطمسوا هويته ويعلمنوا دستوره . أحمال ثقيلة على أصحاب الدعوات، عقبات كبيرة في طريق المصلحين والمصلحات، هنا يبزغ فجر الأمل، الأمل الذي كان يصحب النبي صلى الله عليه وسلم عندما ادلهمت حوله الخطوب وتكاثرت عليه الشدائد وترادفت أمامه النوازل، وأحاطت به الضوائق فلجأ إلى ربه مؤملاً فيما عنده يعلمنا أنه لا سبيل لانتظار الفرج إلا بالتوجه إلى الله ولا سبيل لمقارعة الباطل إلا بالاستعانة بالله ولا سبيل لمواجهة الهموم إلا بالتوكل على الله، والله عز وجل يداول الأيام بين الناس (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140 ويعلمنا أن القوي لا يظل قويًّا أبد الدهر، والضعيف لا يظل ضعيفًا طول العمر وإنما يجعل الله من بعد الضعف قوة ومن بعد المرض صحة، ومن بعد العسر يسرًا، ومن بعد الخوف أمنًا ويجعل الله من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا فالمؤمن يجب أن يتوجه إلى ربه عز وجل، يؤمل فيما عند الله عز وجل يجب ألا ييأس المؤمن؛ لأن اليأس شيمة الكافرين، وطريق المنافقين (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، إن اليأس قاهر للرجال، محطم للأجيال، مضيع للأعمال، مدمر للآمال، أما الأمل فهو قوة دافعة تشرح الصدور، وتشرق الوجوه، وتبعث النشاط، الأمل إكسير الحياة، وصانع السرور، إنه حلو المذاق، جميل المحيا، عالي القيمة، والمؤمن أوسع الناس أملاً وأصفاهم نفسًا وأطهرهم قلبًا وأرحبهم صدرًا، وأكثرهم تفاؤلاً واستبشارًا لماذا؟!! لأنه يؤمن بأن هناك قوة تدبر هذا الكون لا يخفى عليه شيء ولا يعجز عن شيء، قوة غير محدودة وغير محصورة وغير منتهية، هي قوة الله الذي يحي ويميت، يغني ويفقر، يعطي ويمنع، يعز ويذل (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26)، يجيب المطر، ويكشف السوء، أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأبر بخلقه من أنفسهم . المؤمن يجد في ربه الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، والمغيث في الكربة، والنور في الظلمة.. إذا حارب كان واثقًا في النصر؛ لأنه مع الله ، فالله معه (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات- 173:172) وإذا رأى الباطل ينتفش في غفلة أهل الحق أيقن أن الباطل في اندثار، وأن الحق في انتشار (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء: 18) يتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، ويتجه إليه المظلوم يؤمل في عونه ونصره، ويتجه إليه المحروم يسأله أن يرزقه ويُعطيه، ويتجه إليه المكلوم راجيًا الأجر والثواب: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104).. إنه طريق العظماء.. كيف؟! إبراهيم عليه السلام طلب الولد وهو شيخ كبير (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات: 100)، {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }الصافات101 ويعقوب عليه السلام بعد أن طالت غيبة يوسف ، وزاد على ذلك غياب أخويه فصاروا ثلاثة غائبين عنه فكان جديرًا أن يفقد الأمل في لقائهم، إلا أنه لم يتسرب إليه اليأس بل قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف: 83) أيوب عليه السلام أصابه مرض عضال فأمل فيما عند الله من شفاء في أدب جم صبر جميل (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 83 فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83 – 84 . يونس عليه السلام ابتلعه الحوت وكان محاصرًا بظلمات ثلاث ولكنه لم يفقد الأمل (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 87 فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنباء- 88:87). موسى عليه السلام يسري بقومه؛ لينجو بهم من فرعون وجنوده فكان العدو من خلفه والبحر من أمامه (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ 60 فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء: 60، 61)، لكن موسى لم يفزع ولم ييأس وتحلى بالأمل قائلاً: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62)، ونُجي موسى وأصحابه ولم يذهب أمله سدى .. محمد صلى الله عليه وسلم في الهجرة يطمئن أبو بكر في الغار ما ظنك باثنين الله ثالثهما (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40)، وهو الذي قال لابنته فاطمة رضي الله عنها: "إن الله مانع أباك وقال لزيد بن حارثة عندما أراد أن يعود إلى مكة بعد أحداث الطائف إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه . ويتكالب الأعداء على الدعوة ويتألم الشرك الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي وأصحابه.. قريش وغطفان من خارج المدينة، اليهود والمنافقون من الداخل، والقران يصور هذا الموقف: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 10 هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب- 11:10). في هذه الساعات العصيبة التي يتلاشى فيها عود الأمل، ويخبو فيها شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة، تجد النبي يشارك مع أصحابه في حفر الخندق لصد الغزاة وتعويق الطغاة، يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول والمستقبل المرجوحين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة حديث الواثق المطمئن المؤمل فيما عند الله حتى أثار المنافقين: إن محمدًا يعدنا كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12)، ومنافقو اليوم يرددون نفس المنطق في الإعلام، ويثيرون حفيظة الناس أنه لن يتحقق شيء مع الإسلاميين ولكن الله سيخذلهم ويوفق المصلحين إلى النهوض والانطلاق والإشراق بإذنه تعالى . في الهجرة من مكة والنبي خارج من بلده خروج المطارد المضطهد الذي يغير الطريق، ويأوي إلى الغار، ويسير بالليل، ويختفي بالنهار، يقول لسراقة: "يا سراقة؛ كيف بك إذا ألبسك الله سواري كسري؟ فيعجب الرجل ويبهت ويقول: كسري بن هرمز؟ فيقول: (نعم)، فيتحول قلب سراقة من طالب لمحمد صلي الله عليه وسلم إلى حارس له يعمي القوم عنه . إن أشد ساعات الليل ظلمة تسبق بزوغ الفجر، وأشد لحظات السماء تلبدًا بالغيوم تسبق هطول المطر، وأشد أوقات المرأة إيلامًا تلك التي تسبق نزول الولد!! وإلا ماذا تسمي الشعاع الذي يبزغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة فينير لها الطريق، ويبدد أمامها الظلام، وينزل عليها الغيث؟ الأمل للمصلحين ينير دربهم ويقوي عزمهم ويشد أزرهم ويجمع أمرهم ويبدد اليأس في طريقهم، مهما تكاثرت العقبات وكانت الصعوبات، مهما ترادفت الضوائق وكانت الشدائد، إنه الأمل في نصر الله (بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم- 6:5) من كان يظن أن أهل غزة رغم قلة عددهم وعتادهم سينتصرون على أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط ؟! إنه الإيمان والأمل والعمل . من كان يظن أن شعوب الربيع العربي ستطيح بكل الطغاة في فترة لا تساوي في عمر الزمن شيئًا؟ أليس الأمل والصمود والعمل . من كان يظن أن المُعتقل المُشاكس في برلمان 2005 (الاحتياطي) دكتور مرسي سيخرج من سجنه إلى رأس الدولة رغم التعويق والتشويه والتشتيت؟! أليس الأمل والثبات والعمل ؟ ! الأمل لا بد منه لدعم الرسالات وإقامة النهضات ونجاح البطولات، وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح، بل بلا يد تمسك بالسلاح، فأني يرتجي له نجاح؟ أو يأتي إليه فلاح؟ أما إذا استصحب الأمل فإن الصعب سيهون، والضر سينكشف، والبعيد سيدنو، والأيام تقرب البعيد، والزمن جزء من العلاج . وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21

الأحد، 18 نوفمبر 2012

مقترحات ثورية لرئيس الجمهورية

كتب خالد إبراهيم في موقع إخوان أون لاين :

إنني أشعر بمعاناة الرئيس محمد مرسي، فأذناب النظام البائد وأركان الدولة العميقة والمنتفعون منها جعلوا ظهره للحائط فلم يعد أمامه الآن من ملجأ إلا لله تعالى وهو خير معين، ثم الشعب المصري البطل.

إن مصرنا الحبية يجب أن تنعم بالاستقرار حتى يتفرغ الجميع للعمل والبناء ولا سبيل لذلك إلا بسرعة إعادة بناء مؤسسات الدولة، والتي ليس لدينا منها الآن سوى مؤسسة الرئاسة، وهي محاصرة بحرب ضروس تشنها عليها للأسف مؤسسات أخرى من المفترض أن تعاونها لصالح الوطن والمواطن.

ولذلك فإن الحل الوحيد هو الرجوع للشعب صاحب الكلمة العليا في هذا الوطن ليقول كلمته ويقرر ما يريده، إن كان سيختار استكمال ثورته أو يتراجع عنها ويستسلم لأزلام النظام البائد.

إنني أقترح على السيد رئيس الجمهورية أن يقوم على الفور بدعوة جموع المصريين في أسرع وقت ممكن للاستفتاء العام، ويقدم لهم في الاستفتاء ثلاث أوراق دفعة واحدة من أجل إنهاء حالة الاضطراب والفوضى السياسية.

الورقة الأولى: الاستفتاء على تشكيل مجلس أعلى جديد للقضاء، والورقة الثانية: الاستفتاء على حل مجلسي الشعب والشورى، والورقة الثالثة: الاستفتاء على الدستور.

وهذا يعني أن يقوم الرئيس بجمع رموز استقلال القضاء المشهود لهم بالنزاهة والشرف سواء كانوا بالخدمة أو خارجها، ويطلب منهم أن يختاروا مجلسًا أعلى للقضاء وهيئة استشارية معاونة له مِمَن ثبتت حياديته وعدله ونزاهته وأنه لم يُعيَّن أو يشارك في تعييِن أحد بالواسطة، وأن يعلنوا عن مسابقة علنية شفافة لضم قضاة شرفاء جدد، وأن يستفتى الشعب على هذا المجلس الجديد ليكون هو من عيِّن سلطته القضائية الجديدة.

ويعني أنه احترامًا لإرادة أكثر من 30 مليون ناخب مصري، وكذلك احترامًا لحكم المحكمة الدستورية– عادلًا كان أو ظالمًا– أن يُستفتى الشعب على مجلسه كما حدث في سابقتي 87 و90 ويُقال له: هل توافق على إكمال مجلسي الشعب والشورى للمدة المُنتخبَين لها، مع توفيق أوضاعهما طبقا للدستور الجديد؟ نعم/ لا.

ويعني أنه على الوطنيين المخلصين الباقين من أعضاء اللجنة التأسيسية سرعة إنجاز الدستور الذي تم التوافق عليه، وأن يبقوا على المادة الثالثة كما تم التوافق عليها، وأن يحذفوا المادة الخاصة بانتخابات الفردي والقائمة من المسودة لئلا يتعارض مع أصل مهم في الدستور وهي التي لم يتم التوافق عليها بعد، وأن يؤكدوا على النص الخاص بأنَّ كل صاحب منصب ورد ذكره في الدستور أو القانون (كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أوشيخ الأزهر أو النائب العام وغيرهم) تكون له مدة يحددها القانون؛ ليسهل على الشعب مهمة استبدال الوجوه التي عيَّنها النظام السابق بوجوه جديدة ليست عقيمة أو عميلة.

وينبغي أن يُجرى هذا الاستفتاء في يوم واحد بجميع أنحاء الجمهورية؛ حيث تخصص ثلاثة صناديق للأوراق الثلاث في كل لجنة، وإذا لم يَكْفِ عدد القضاة الشرفاء، يتم الاستعانة ببعض الفئات التي يثق الشعب في نزاهتها كعلماء الأزهر والقساوسة وأساتذة الجامعات بالإضافة إلى مراقبة الإعلام والجمعيات الأهلية والأحزاب... إلخ.

وعلى الرئيس أن يوضح للشعب خطورة الموقف، وأنه إن أراد الشعب استكمال ثورته وتحقيق نهضته فإن ذلك لن يتحقق بغير نجاح هذه الاستفتاءات، لذا فإنه يجب على الجميع أن يتحمل مسئولياته.

وإذا نجح الشعب المصري في اجتياز هذه العقبة – وأنا مطمئن لقدرته على ذلك إن شاء الله– فإنه يكون قد أكمل مؤسسات الدولة الحديثة وقضى على أركان الدولة العميقة وأذنابها تمامًا، ولا يتبقى أمامه إلا الإعلاميون الذين يتحرون الكذب وهؤلاء سيتم تطهيرهم بكل يسر ولكن بالقانون والقضاء العادل الحاسم، وكذلك انتخابات المحليات للتخلص من الفساد الذي تخطى (الركب) إلى أن جاوز الحلقوم، وحتى يشارك أهل كل حي وقرية بأنفسهم في المحافظة على حقوقهم في عيش كريم يتوفر فيه الخبز والوقود والغاز والنظافة والمرور والأمن... إلخ.

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

الشهيد أحمد الجعبري




شكل اغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري من قبل الطيران الحربي الصهيوني يوم الأربعاء (14/11) نهاية مسيرة قائد فذ شجاع بدأها في العمل على انطلاق مسيرة العمل الجهادي في فلسطين، وتخللها انتزاع صفقة وفاء الأحرار، ثم اختتمها بتأدية فريضة حج بيت الله الحرام لهذا العام قبل أن يرتقى إلى العلياء.
وكان القائد الشهيد  الجعبري الذي يشغل عضو المكتب السياسي لحركة حماس، ومنصب قيادي بارز في كتائب القسام على رأس قائمة المطلوبين لـلكيان الصهيوني، حيث اتهمه الاحتلال بـ"أنه المسؤول والمخطط لعدد كبير من العمليات ضدها"، كما أطلقت عليه لقب اسم "رئيس أركان حركة حماس" في دلالة منها إلى مكانته التي يحظى بها في الحركة.
القائد الباني
"أحمد بن سعيد الجعبري" المكنى بـ"أبي محمد" من مواليد عام 1960، ومن سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حاصل على شهادة الماجستير تخصص تاريخ من الجامعة الإسلامية بغزة، وله "بصمات قوية الارتقاء بأداء الجناح العسكري لحركة حماس".
اعتقل الجعبري مع بداية عقد الثمانينيات على يد قوات الاحتلال وأمضى 13 عاماً، بتهمة انخراطه في مجموعات عسكرية خططت لعملية فدائية ضد الاحتلال عام 1982.
وعقب الإفراج عنه من سجون الاحتلال عام 1995 تركز نشاطه على إدارة مؤسسة تابعة لحركة حماس تهتم بشؤون الأسرى والمحررين، ثم عمل في العام 1997 في حزب الخلاص الإسلامي الذي أسسته الحركة في تلك الفترة لمواجهة الملاحقة الأمنية المحمومة لها من جانب السلطة آنذاك.
ساهم القائد الجعبري عقب الإفراج عنه إلى جانب الشيخ صلاح شحادة والقائد محمد الضيف في بناء كتائب القسام، ما دفع جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في العام 1998 إلى اعتقاله لمدة عامين بتهمة علاقته بكتائب القسام، وتم الإفراج عنه مع بداية الانتفاضة إثر قصف الاحتلال لمقرات الأجهزة الأمنية في القطاع.
وتعرض القائد الجعبري للعديد من محاولات الاغتيال من قبل الصهاينة، كان أبرزها تلك التي نجا منها بعد إصابته بجروح خفيفة عام 2004، بينما استشهد ابنه البكر محمد، وشقيقيه وثلاثة من أقاربه، باستهداف طائرات الاحتلال الحربية منزله في حي الشجاعية.

وتميز الجعبري بقدرات كبيرة جداً أهلته لهذا المنصب القيادي في أعلى الهرم القيادي لحركة حماس والجناح العسكري لها، فبالرغم من حالة التهديد والاستهداف التي تعرض لها من قبل  إلا أنه تحدى أجهزة الأمن الصهيونية واصل نشاطه بكثافة تحت إجراءات أمنية معقدة أظهرت فشل العدو وهشاشة أجهزته لأكثر من عشر أعوام.
مهندس الصفقة
يعد الجعبري هو مهندس صفقة وفاء الأحرار، فهو رئيس وفد الحركة في المفاوضات غير المباشرة التي خاضتها الحركة لأكثر من خمس سنوات، انتزع من خلالها الحرية لأكثر من (1050) أسيرا، وتحرير كافة الأسيرات من السجون حيث أظهر صلابة في الاصرار على المطالب العادلة أمام التعنت الصهيوني، إلى ان اضطر العدو في النهاية للرضوخ للمطالب التي حملها.
اللافت أنه عندما جرى التوقيع على اتفاق وفاء الأحرار رفض الجعبري التوقيع على الورقة ذاتها التي وقع عليها الاحتلال، وعندها جرى التوقيع على ورقتين منفصلتين الأولى بين الوسيط المصري ووفد كتائب القسام، والثانية بين الوسيط المصري وممثل الاحتلال الصهيوني.
في هذا العام أدى القائد العام لكتائب القسام فريضة الحج، وعاد من الديار الحجازية قبل أسبوع من اغتياله حيث أنه حياته بتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، رحل الجعبري بعد أن بنى وأسس ووضع الخطط والاستراتيجيات وبنى جيشا لا يعرف الانكسار.
رحم الله الجعبري فقد كان شمسا إسلامية أنارت درب العمل الجهادي على ارض فلسطين....
اللهم تقبله في الصالحين وألحقنا به غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين . آمين .

السبت، 3 نوفمبر 2012

إلى الأطراف العلمانية القلقة


نحن نعلم مصدر القلق لديكم ألا وهو أن كراسي الحكم وأماكن الصدارة بعد الثورة قد خطفها منكم الشعب وحرمتكم منها الجماهير .
فإن أردتم الطريق الصحيح ، فانظروا ماذا يريد الشعب وتجاوبوا مع مطالبه وتعايشوا مع أهدافه واعملوا على تحقيقها
واعلموا أن سبب إقصاء الشعوب لكم أنكم تصطدمون مع هويته وتطرحون قيمه أرضا .
واعلموا أن وسائلكم الجديدة التي تلجأون إليها : بعض وسائل الإعلام وبعض القضاة – حيث لم يعد لكم ظهير من الجماهير - ستكون سببا في إقصائها وإقصائكم من جديد .
أقول هذا الكلام اليوم وسيكون حقيقة غدا ، ننصحكم به اليوم وسيكون واقعا غدا بإذن الله تعالى ؛ لأن الشعوب لن تفرط في دينها وقيمها وإرثها الحضاري ، هذا الإرث الذي اختلط بفطرتها وتشربت به أرضها فصارت شيئا واحدا ، يشكل مزاجها وهويتها وصفتها وسمتها .
ولا تخالفوا نواميس الكون ؛ فأنها غلابة ، ولن تصمدوا أبدا في وجه الشعوب لأنها تقف على أرض صلبة ومعها الحق القوي الذي يستمد قوته من شريعة الإله خالق هذا الكون ، وهو سبحانه الذي يدبر الأمور ويصرفها بحكمة فائقة وقدرة مطلقة ، وهو فعال لما يريد ، وهو يبدئ ويعيد .
فعودوا إلى رشدكم واصطفوا مع شعوبكم لتحقيق أمانيه من أجل تقدمه وسعادته .
أو استمروا في غيكم .. حينئذ ستحصلون على الخذلان المبين ، وتصبحون عبرة وأحاديث للأجيال القادمة على مدى التاريخ .

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

المعارضة المصرية إذ تشوّش الوطن


محمد شعبان أيوب

2012-10-11

في 30 يونيو تسلّم الرئيس المصري الجديد تركة محملة بفساد مركب، فساد كان ولا يزال يتحاكى عن حجمه الركبان، فلطالما تعجب القذّافي وهو الديكتاتور النموذج عن سرّ بقاء الدولة المصرية حتى الآن برغم النهب الذي تعرّضت له آلاف السنين، وهو سؤال في محله إذا علمنا أن شعبًا يقدر رسميا بـ90 مليون مواطن الآن قادر رغم ما مر به من فساد ونهب الزعماء السابقين وألاضيشهم والطبقة المتسلقة التي استفادت بقربها منهم، على العيش والاستمرار بل والتطلع لإقامة أمة ذات سيادة وكرامة وعزة وأمجاد.

وزاد على هذا الفساد المركب في كل أجهزة ومؤسسات الدولة بلا أدنى مبالغة أن تسلّم مرسي دولة ينازعه في حكمها رأس ثانية ممثّلة في المجلس العسكري ممثل الدولة العسكرية التي اعتبرت نفسها الواصية على الدولة المصرية منذ انقلاب 52م، وظل مرسي طوال شهر ونيف يحاول التملص من القيد الذي وضعه سامي عنان وحسين طنطاوي من خلال الإعلان الدستوري المكمل الصادر يوم 17 يونيو قبيل الإعلان عن نتيجة الانتخابات، وقد استطاع مرسي أخيرا أن يقيلهما يوم 12 أغسطس الماضي في لحظة تاريخية فارقة ظل مرسي قبلها منزوع الصلاحية غير مرهوب الجانب ممن أخذوا وكالة الثورة المصرية، وميراث النظام البائد.

ومن 12 أغسطس وحتى اليوم شهران آخران بدأت قضايا الفساد فيهما تظهر، وبدأت الاتهامات تحوم حول كل من تسبب في نهب هذه البلد، مع محاولات تحسين الظروف الاقتصادية التي أقرت بها كبرى المؤشرات العالمية، ثم وضع مصر في الخريطة الإقليمية والأفريقية والعربية والدولية وهو ما نلاحظ تقدمه بلا أدنى ريب.

في ظل هذا المشهد الكبير بين الفساد المركب والمتجذر، وبين محاولات الرئيس الجديد المنتخب لأول مرة منذ عقود حتى إن الأمر كالحلم للكثيرين حتى الآن الحثيثة والجادة لتحسين الخدمات والاقتصاد وخلافه، في ظل هذا المشهد المعقد الذي يفهمه أبسط المصريين ثقافة، بحيث يقررون بكل حكمة أن يعطوا للرئيس الجديد المهملة الكاملة لإتمام وعوده تأتي المعارضة المصرية الليبرالية اليسارية منها بالتحديد لتقف أمام تحقيق هذه المنجزات.

إن مرسي في رؤية المعارضة عنصر من عناصر 'العدو' التقليدي للحركة الليبرالية اليسارية، فهـــو إخواني الفكر والسلوك والممارسة بطبيعة الحال، وهم بحسب استطلاع أجراه موقع الجزيرة نت في الأسبوع الماضي لا يحظون بأي ثقل أو ثقة داخل الدولة والمجتمع المدني على السواء؛ فقد كان تقييم الجماهير لهم ولدورهم المحلي والإقليمي بل وحتى لخطابهم لا يتعدى حاجز الـ8'، في حين رآهم 92' أصحاب مواقف منافقة لا يسعون إلا لمصالحهم الخاصة.

وإذا قيل لنا إن ذلك تجنٍّ على الحركة الوطنية الليبرالية واليسارية المصرية؛ فإن حكم التاريخ هو الفيصل بـــين المتخاصمين، وإننا يجب أن نتساءل عن الدور الذي قدمه التيار اليساري والليبرالي لمصر منذ الاحتلال الإنجليزي حتى حسني مبارك.

إن مقارنة بسيطة بين التيار الإسلامي وبين التيار الليبرالي اليساري لترجح كفة الفريق الأول من حيث فهمه لهوية وقيم هذا البلد والاستمساك بها وعدم الانجرار خلف المحتل أو المستعمر تلك التي حققها عن جدارة سعد زغلول حينما أضاع ثورة 19 المجيدة بدستور لا قيمة له تم إلغاؤه من قبل الملك فؤاد سنة 1930م، وبحكومة للترضية ظل على رأسها حتى وفاته سنة 1927م. وظلت حكومات الوفد المتعاقبة وعلى رأسها النحّاس باشا الذي نشهد له بالوطنية والكفاءة ظلت تراوح مكانها أمام التحديات الداخلية والخارجية على السواء، فتارة يمنحهم فاروق الحكم وتارة ينزعه عنهم إذا عنّ له ذلك حتى انقلاب 52 وحركة تجميد الأحزاب، أما الحركة اليسارية فظلت هي الأخرى تراوح مكانها حتى تماهت في الناصرية، ورأت في ديكتاتورية عبد الناصر تحقيقًا لأحلامها الطوباوية التي لم تنفع المصريين إلا بنكستين كبيرتين، وكان من المتوقع أن يزيحهم السادات وهو القريب من عبد الناصر منذ انقلاب 52 ونائبه عن طريقه في حركة التصحيح الكبرى في مايو 1971م وظلوا في مرمى السادات حتى خطابه الأخير الشهير الذي فكك أفكارهم وممارساتهم العجيبة أمام مجلس الشعب في مايو 1981م.

وبمجيء حسني مبارك تحولت الحركة العلمانية الليبرالية اليسارية إلى الراعي الجديد، حتى وسمت في عهد البائس بالمعارضة المستأنسة فلا تشكل تهديدًا، ولا وعيدًا، بل اكتشفنا من خلال وثائق أمن الدولة المسربة حجم عمالة بعض هذه الأحزاب، وقد كان بعضها يعادي الثورة عداء واضحًا في أولها، والمواقف معروفة ومحفوظة وموقع يوتيوب شاهد عجيب على تاريخ هؤلاء المرئي.

إن هذا التقييم السريع والعام إذا تُرك على عنانه وإطلاقه قد يغمط حقوق وطنيين حقيقيين في اليساريين والليبراليين على السواء، لكن هؤلاء يعدون على أصابع اليد الواحدة.

اليوم يتحزب هؤلاء الأشاوس لمظاهرات 'عارمة' كما يظنون لمحاسبة الرئيس المنتخب على عدم الإيفاء بوعود المائة يوم، وكنا نسمع الواحد منهم يقول عن مبارك الذي مكث 30 عامًا كاملة متواصلة يجب أن نعطيه الفرصة.

إن المعارضة التي تشوّش على الوطن، وتصدع دماغ الجماهير في الفضائيات والإعلام وخلافه بقضايا تافهة، هذه المعارضة التي لا تبغي من معارضتها إلا هدم التيار الإسلامي، وعدم تحقيق المشروع الإسلامي، بل وحاكمية الإسلام عموما كما دلت على ذلك مواقفهم وتاريخهم بل وأدبياتهم في بعض الأحيان لا يمكن أن تكون معارضة حصيفة تبغي مصلحة الوطن العليا وأغلبيته إن كانوا يؤمنون أو يحترمون هذه الأغلبية، وقد رأينا هذه المعارضة لا تمانع من إصدار الإعلان الدستوري 'المكبل'، بل علمنا أن ليبراليا شهيرا ويساريا كبيرًا قد اشتركا في صنعه وصياغته، وبعضهم دعا إلى استمرار حكم العسكر صراحة لمدة عامين قادمين، إنهم لم يكونوا يرون أي ضرر في بقاء رأسين للبلد أقواهما العسكر 'حامي الدولة المدنية' في نموذج ممجوج للتجربة التركية قبل حكومة أردوغان، لكنهم يرون مصيبة في بقاء محمد مرسي الرئيس المنتخب من الشعب الذي بدأ يسجل أهدافًا سياسية واقتصادية واستقرارا ملموسًا، إنهم يرون مصيبة في المادة 2، و36 اللتين تهتمان بارتباط القوانين بالشريعة الإسلامية، واحترام مصر للاتفاقيات المتعلقة بالمرأة ما لم تخالف أحكام الشريعة الإسلامية التي هي التخلف وضد حقوق الإنسان كما قال أحد منظريهم العباقرة منذ قريب.

إن هذه المعارضة التي تُجبر العقول النابهة، والأقلام الرصينة، والرؤى الناضجة على الارتماء في حضن التيار الإسلامي لا لأنه معصوم من الزلل والخطأ - فتاريخ الممارسة السياسية الخاطئة والفاشلة في بعض الأوقات للحركة الإسلامية مما يحتاج إلى مقال مثل هذا - وإنما لأنها تبعدنا عن قصد أو سهو إلى معركة لا يحتاجها الوطن الآن ولا غد، إن الوطن في أشد الحاجة إلى كشف الفساد، وتطهير مؤسسات الدولة، والأجهزة الأمنية القمعية، والطابور الخامس، ومافيا الأراضي والصحة الغاز والسولار، إلى من نهبوا الدولة عبر سنين من الذل والحرمان، هل بهذا التشويش تسعى المعارضة إلى تحقيق مصلحة مصر العليا أم لتحريك دفة الوطن إلى عكس الهدف المنشود، والغايات الكبرى التي قامت الثورة من أجلها، وقد رأينا البراءات أخيرا تمنح لمن اتهموا بارتكاب موقعة الجمل؟!.

باحث مصري في الدراسات التاريخية
أقول : وهذا الكاتب المحترم له كل الشكر والتقدير إذ يقدر دور الكلمة في توجيه الأمة ناحية مصلحتها وهويتها الإسلامية التي لا نخزى منها بل نعتز بها ، وندافع عنها .. نعيش من أجلها أو نموت في سبيلها .
إن استقرار أمتنا يكمن في استقلال هويتنا ويكمن في استقلال ثقافتنا ، نحن أصحاب مشروع عالمي ألا وهو :
ندعو الناس إلى توحيد الله والعودة إلى منهجه القويم وصراطه المستقيم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
نحن لا نكره أحدا على الدخول في عقيدتنا ولكن نعرضها على الناس ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ولكننا لا نقبل أن يفرض علينا أحد ثقافة معينة ولا نظاما معينا .
أليس هذا من حقنا ؟ .
نحن لا نقبل أن نحكم بأهواء الناس ولكن نحكم بقوانين الشريعة الغراء السمحة .
أليس هذا من حقنا ؟ .







الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

معركة الهوية والمصالح الشخصية


الشعب المصري يقع اليوم بين هذين الفكين وذين النابين .

فهناك من السياسيين الحانقين ، والإعلاميين الحاقدين ، والأحزاب القائمة على عقيدة حددتها لأنفسها ، هذه العقيدة تبتعد بها عن خط منهج الله ، وتعتبر أن هذا هو ما يميزها ، وتبحث لهذا المذهب عن الأنصار والمؤيدين ، من خلال القصف الإعلامي ، والشتم والاتهام بالباطل لكل من ينتسب إلى الفكرة الإسلامية .

ووسائلهم تنحصر في بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ، والمؤتمرات التي يعقدونها هنا وهناك .

فحزب البرادعي وأتباعه يبحث عن ثغرة ينفذ بها إلى المواطنين من خلال خطأ للحكومة أو زلل من الرئاسة ، لعله يكسب أنصارا ، أو يجد له مكانا .

ويغمزون بألسنة حداد على الجمعية التأسيسية للدستور ، وعلى الرئاسة ، ومن قبل على مجلس الشعب ...

وعمرو حمزاوي ، يقول : لماذا لا تتزوج المسلمة بمسيحي ؟ !!

والرجل يقول – وهو حر – إنه لا يمنع زوجته من (القبلات) مع الممثلين في أفلامها وأعمالها الفنية .

ومنال الطيبي : تطالب بتدويل قضية النوبة ، وتريد فصلها عن مصر كدولة مستقلة !!

والأحزاب الليبرالية والعلمانية واليسارية تتجمع في تكتلات ضد العدو القادم والخطر الداهم ألا وهو الإسلاميون !!

فهم يحتكرون الديمقراطية لهم وحدهم ، أما غيرهم فليسوا ديمقراطيين ، مع أنك لو دققت النظر قليلا ستجد أن الإسلاميين أرقى من تعامل مع مبادئ الديمقراطية في الواقع العملي .

ومع قليل من النظر ويسير من التدبر تري أن المقصود هو إبعاد منهج الإسلام عن حكم مصر .

فالحرب إذن حرب هوية وليست ضد أفراد بأعيانهم .

فمصرلو حكمت بالإسلام ستكون قوة مخيفة لليهود والأمريكان والمستعمرين من كل لون وجنس ، وستكون عصا غليظة تلهب ظهور الطامعين ، وترد كيد الحالمين في موطئ قدم لهم في بلادنا والمنطقة العربية والإسلامية .

وحين يتوافق هوى المستعمر مع إرادة بعض المصريين في الداخل ، فذاك خطر ينبغي للمواطن أن ينتبه له ؛ لأن الخيوط أصبحت في يده والكل يراهن عليه .

وأظن أنه من الحق أن أقول : إن هذه الشعوب العربية والإسلامية عندها مناعة قوية ضد هؤلاء المتلاعبين بمصير البلاد وشؤون العباد .

وعندي على ذلك أدلة عملية أسوقها إليك :

فالحرب في ليبيا واليمن وسوريا على الشعوب لم تنجح رغم ضراوتها وحجم التضحيات الجسام التي قدمتها الجماهير الثائرة .

لكن النجاح كان حليف الشعوب ؛ لأن الله ينصر من ينصره ، ويخذل من يظلم ويعتدي .

وعندما فتح النظام السياسي في مصر عام 2005 الباب بعض الشيء أثناء الانتخابات التشريعية في مرحلتها الأولى فاز الإخوان المسلمون بمقاعد كثيرة ، فلما ضيق عليهم في المرحلتين التاليتين كانت الجماهير مصممة على انتخابهم رغم محاولات إغلاق اللجان الانتخابية ، وضرب القنايل المسيلة للدموع ، وانتظر الناس في بعض البلاد من السابعة صباحا إلى الخامسة مساء لكي يدلوا بأصواتهم ، حدث هذا في أماكن كثيرة منها محافظة الفيوم وخاصة مركز سنورس وفي محافظات أخرى .

وبعد الثورة وفي انتخابات نزيهة نيابية نجح التيار الإسلامي وعلى رأسه الإخوان بأغلية المجلس بغرفتيه .

وغم القصف الإعلامي غير المسبوق الذي مورس بإيعاز من المجلس العسكري .

وأظن أن المجلس العسكري أخر النتيجة أسبوعا كاملا ليتلاعب فيها ولولا خوفه من ثورة الشعب عليه لأعلن فوز زعيم الفلول الجديد وعنوان النظام العتيد أحمد شفيق .

- يعاون هؤلاء السياسيين الحانقين والإعلاميين الحاقدين في تلك المهمة

أصحاب المصالح من المفسدين الذين يستغلون مناصبهم في الإضرار باقتصاد البلاد ، فيساهمون في المطالب الفئوية ، وفي تهريب الوقود والبوتجاز ، ويملؤون جيوبهم من قوت الشعب المطحون الذي ضحى بأبنائه وأغلى ما يملك من أجل هذه الثورة ، وينتظر ما يجنيه منها فيقف هؤلاء حائلا دون حلم شعوبهم .

ومن منطق عدل الله المطلق ، ترى المفسدين يفضح أمرهم ويقبض عليهم متلبسين ، ويقدمون للمحاكمة في ذلة ومهانة وخزي وندامة ، غير مأسوف عليهم .

وهؤلاء السياسيون لن ينجحوا والسبب ببساطة أنهم دخلوا معركة بغير عتاد

أويخوضون الهيجا بغير سلاح .

فلم يعلنوا عن خطة لإنقاذ البلاد من الفساد والبلطجية ، ولا طريقة لتحسين الاقتصاد ولا مشاركة لدفع الحالة الأمنية إلى الأمام ، وليس عندهم من الكوادر معشار ما تجمع حول الرئيس وحزب الحرية والعدالة مثلا ..

وليس لديهم قاعدة شعبية ، ولا تواصل مع الجماهير ، فهم لا يجيدون سوى الكلام والنقد ،وليس لديهم عدد البناء والتعمير ، وأنى لهؤلاء أن يسودوا على شعب حر رفض الطغيان والظلم وثار على الفساد والمفسدين ؟ .

إن مناعة الشعوب أقوى من تدليس المنتفعين ، ومن يريدون طمس هوية هذا الشعب المسلم .

إن مصر بالذات يدخرها ربنا – سبحانه وتعالى – لصالح الإسلام والمسلمين ولمساندة شعوب المنطقة في نيل حريتها ، واستقلال قرارها .

ولا يكون إلا ما يريد الله عز وجل ، فليفهم هؤلاء طبيعة القضية ، وليريحوا أنفسهم ، وكيدهم لن يحرك جبال الحقيقة الراسخة ، ولا يزحزح تلال القضية الثابتة .

{{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ إبراهيم 46 . أي وما مكرهم لتزول منه الجبال .

(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف 21 .

والحمد لله رب العالمين

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

مكائد الأعداء ومناعة الشعوب :


ويقول صاحب الظلال - رحمه الله- معقبًا على الآية الكريمة : { يا أ يها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } :

وما يهادنها أعداؤها قط في أي زمان أو في أي مكان وفي مقابل ذلك لا تستغني عن المرابطة للجهاد ، حيثما كانت إلى آخر الزمان!

إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي . منهج يتحكم في ضمائرهم ، كما يتحكم في أموالهم ، كما يتحكم في نظام حياتهم ومعايشهم .

منهج ينظم شؤون كل هذه التفاصيل :

منهج خير عادل مستقيم . ولكن الشر لا يستريح للمنهج الخير العادل المستقيم؛ والباطل لا يحب الخير والعدل والاستقامة؛ والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة . . ومن ثم ينهد ( ينهضم ويبرز ويتطاول ويصمد ) لهذه الدعوة أعداء من أصحاب الشر والباطل والطغيان . ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الاستنفاع والاستغلال . وينهد لحربها الطغاة المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الطغيان والاستكبار . وينهد لحربها المستهترون المنحلون ، لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن الانحلال والشهوات . . ولا بد من مجاهدتهم جميعاً . ولا بد من الصبر والمصابرة . ولا بد من المرابطة والحراسة . كي لا تؤخذ الأمة المسلمة على غرة من أعدائها الطبيعيين ، الدائمين في كل أرض وفي كل جيل .

هذه طبيعة هذه الدعوة ، وهذا طريقها . . إنها لا تريد أن تعتدي ؛ ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم . . وهي واجدة أبداً من يكره ذلك المنهج وهذا النظام . ومن يقف في طريقها بالقوة والكيد . ومن يتربص بها الدوائر . ومن يحاربها باليد والقلب واللسان . . ولا بد لها أن تواجه المعركة بكل تكاليفها ، ولا بد لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظة ولا تنام!!

والتقوى . . التقوى تصاحب هذا كله . فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل؛ ويحرسه أن يضعف؛ ويحرسه أن يعتدي؛ ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك .

ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق؛ ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات وشتى اللحظات . .

إنه الإيقاع الأخير في السورة التي حوت ذلك الحشد من الإيقاعات . وهو جماعها كلها ، وجماع التكاليف التي تفرضها هذه الدعوة في عمومها . . ومن ثم يعلق الله بها عاقبة الشوط الطويل وينوط بها الفلاح في هذا المضمار :

{ لعلكم تفلحون } صدق الله العظيم .

بعض ألوان الكيد الذي تعرض له الرسول – صلى الله عليه وسلم – من قريش المشركين ومن أهل الكتاب الكافرين :

من سورة الأنبياء :

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ {1} مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ{2} لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ{3} قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{4} بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ{5} .

وما حق الهلاك على قوم من قبل إلا بسبب إصرارهم على الكفر وعدم استقبال منهج ربهم بالإيمان والتسليم :

{مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}6 .

وقالوا إنما يسمع القرآن من فتى أعجمي في مكة ، ويرد القرآن عليهم :

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103 .

{- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26

وقال الذين كفروا) عند قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) إيتوا باللغط ونحوه وصيحوا في زمن قراءته (لعلكم تغلبون) فيسكت عن القراءة ( الجلالين ) .

- وكان أحدهم يجمع الناس فيحكي لهم قصص الفرس وملوكهم وغير ذلك ليشغلهم عن سماع القرآن .

- وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يغشى مجالس الناس فيعرض عليهم دعوة الله فيمر عليهم أبو لهب – وهو عمه – فيقول لا تصدقوه إنه كذاب !!

وحذروا الوفود الآتية إلى مكة من سماع محمد ، وكان منهم الطفيل بن عمرو الدوسي الذي وضع قطنا في أذنيه حتى لا يسمع النبي ، ثم سأل نفسه لماذا لا أسمع منه وأنا رجل شاعر أعرف الشعر والنظم من غيره ، فلما ذهب إلى النبي وسمع القرآن قال : ما هذا بشعر ولا هو بقول بشر ، وانطلق إلى الكعبة ونطق بالشهادتين على رءوس الناس

-أغروا به السفهاء وحرضوا على قتله وإيذاء أصحابه :

أرسلوا إليه رجلا كان يسمى شيطان العرب ، وهي قصة طرفاها سهيل بن عمرو ، وعمير بن وهب الجمحي ... وأسلم في النهاية سيدنا عمير بن وهب رضي الله عنه .

- وقصة الهجرة وسببها كان الإصرار على قتل النبي صلى الله عليه وسلم وغزوة الأحزاب ، وأحد وحمراء الأسد ، ويوم الرجيع ، وبئر معونة .....

- واليوم أمامنا مجتمع مسلم أعمل فيه الاستعمار منذ قرنين من الزمان وسائله التغريبية ، حيث فرض عليه ثقافة معينة وبرامج تعليم معينة وأسلوب حياة معين واستمر ذلك سنين عددا ، ولكن المجتمع المسلم ثار عليه وأخرجه مذموما مدحورا .

ولكنه خلف مكانه من يقوم بدوره ليضمن المستعمر مصالحه التي احتل بلادنا من أجلها ، وهم أولئك الطغاة من الحكام الذين يمدون أيديهم إليه بطلب البقاء ويبسطونها إلى شعوبهم بالتنكيل والإساءة .

وأغلق الطغاة أبواب الحرية ، وأهدروا كرامة الشعوب ، وضللوا الكثير من أفراد الشعب ، وصنعوا طبقة من المنتفعين ، المنتفعين بالمناصب والمستفيدين من الشركات والمصانع والأموال ، وصنعوا طبقة من أصحاب الشهوات وأرباب الملذات ، وأشاعوا الانحلال والتفسخ والميوعة ، وعمت البطالة بين أفراد الشعب والشباب خاصة .

فلما أردوا أن يخيروا الشعب بين منهج الإسلام ومناهج أخرى إذا بالشعب ينحاز إلى الإسلام وقيمه ، فالشعب لم يتغير بطول أيام الظلم ولم يتغير بطول أيام القهر .

ويقف الشعب ضد رغبة الحكام وضد من يمثلهم في كل أنحاء البلاد .

السبب الجوهري في هذا الأمر : إن هذا الشعب لديه مناعة تتمثل في الإسلام المتجذر في قلوب الناس ، المتوطن في قلوبهم .

ومن قبل فعل التتار الأفاعيل بالمسلمين ، وغلبوا المسلمين عسكريا ، وغلبهم المسلمون دينينا فأسلموا وعادوا إلى بلادهم مسلمين ، وأسسوا دولة تترستان الإسلامية .

والصليبيون مكثوا في فلسطين 94 أربعا وتسعين سنة ، منعوا فيها الأذان في فلسطين وجعلوا المساجد لخيولهم وركائبهم ، وطردوا في النهاية على يد صلاح الدين شر طردة ؛ لأن هذه الشعوب لديها مناعة اكتسبتها من الإسلام .

وستظل هذه المناعة ما بقي القرآن ، وستبقى ما بقيت سنة وسوله صلى الله عليه وسلم .

خطر خارجي وخطر داخلي :

والذين يؤذون النبي اليوم يريدون إقصاء الإسلام من الوجود ، والذين يمزقون المصحف ويتبولون عليه – وهو كتاب الله – يريدون بهذه الأفعال أن يقضوا على الإسلام في ظنهم .

إنها أفعال صبيانية تصدر من شياطين يدفعهم الحقد الدفين ، على الإسلام والمسلمين .

ذلك لما رأوا عدم إقدام الشباب على الكنائس ، بل يباع 10 عشرة في المئة منها لتتحول إلى مساجد ومشاريع ثقافية إسلامية ، مكتبات ، وقاعات للدروس ومدارس .

لما رأوا إعلان الإسلام يوميا في كل مدن أوربا بلا استثناء .

يسلم في ألمانيا 12 اثنا عشر ألفا سنويا ومثلها أو يزيد في فرنسا وأمريكا والبرازيل .

-والذين يريدون إقصاء الإسلام من الحياة اليوم في بلادنا ، تحت مسمى العلمانية .. اللبرالية ..اليسارية و الاشتراكية ..

كل هذه المسميات مقصودها واحد ألا وهو إبعاد الإسلام عن شؤون الحياة ، وإقصاء القرآن عن المال وعن التعليم وعن الشؤون الاجتماعية ، ليصير الإسلام مسألة شخصية .

ونسوا أن الذي اختار الإسلام هو الشعب ، ولو أعطي حق الاختيار في عهد النظام البائد لاختار الإسلام أيضا ، وكان الإسلاميون يفوزون في معمعة القهر والاضطهاد .

إنهم دخلوا الهيجا بغير سلاح فليس عندهم أفكار تخدم الوطن ، ولا خطة تنقذ الوطن ،ولا كوادر مخلصة مؤهلة لإصلاح شأن البلاد ، إنما يريدون الكاريزما !!

وماذا يقصدون بالكاريزما ؟ .

يقصدون البدلة الأنيقة والوقفة الرشيقة ، والصور الوضيئة ، والحرية المطلقة التي تدوس على الأدب والعفة والأخلاق النبيلة ولا تحسب للفضيلة أي حساب .

وتناسوا أن الإسلاميين هم أكثر من دفعوا فاتورة هذه الحرية :

حيث أعدم منهم رجال وسجنوا وشردوا ، وعمل الإعلام ضدهم عدة عقود من الزمان ، حتى تحققت ، فبرز إلينا هؤلاء المتفسخون المنحلون يريدونها حرية بلا قيم ، وحرية بلا دين ، يريدون أن يعيشوا بعيدا عن الله .

فلماذا كانت الثورة إذن ؟ .

أكانت الثورة ليسرقها هؤلاء اللصوص ، ويقع المجتمع تحت الضلال والتحلل مرة أخرى ، وما أسهل أن يأتي الاستعمار من قبل هؤلاء !

لن يختار الشعب هؤلاء الغوغائيين ، وسينحاز إلى شرع ربه المبين وسنة نبيه الأمين .

وسيعود الناس إلى فطرتهم التي فطرهم الله عليها ، وإن غدا لناظره قريب ،

{ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }الإسراء 51

{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ..... فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) من 60 – 65 النساء .

والحمد لله رب العالمين .