ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

السبت، 20 فبراير 2010

أمريكا تضحك علينا أم تضغط علينا ؟


الهيلمان الإعلامي الضخم الذي نفخت فيه أبواق أمريكا وحلفائها في أوربا ، هل كان الهدف منه ضرب إيران ؟
أم أن الهدف تخويف الدول العربية في الخليج بغرض بيع الأسلحة وإخراج الأموال العربية لملء الخزائن الأمريكية الفارغة , وسد عجز البنوك المتهاوية ؟ .
ويؤيد ذلك صفقات الأسلحة لدول الخليج بالمليارات والتي تتم من حين لآخر .
أم أن الهدف هو ضرب حزب الله ومقدمات ذلك يكون بالضغط على إيران وتهديدها ؟ .
ومن المعروف أن العدو الصهيوني لا يهدأ له بال ولا يروق له منام من حماس وحزب الله .
وقد انكشف ضعفه أمام هاتين القوتين من قبل , ويريد أن يثأر لكرامته المزعومة .
أم أن أمريكا لا تضحك علينا ، بل تضغط علينا ؟
والمعنى ليس في بطن الشاعر؛ لأنه لكل عاقل معروف ولكل ناظر مكشوف .

الجمعة، 19 فبراير 2010

شعر القرضاوي


يا أمتي وجب الكفاح / شعر: د. يوسف القرضاوي



يا أمتي وجب الكفاح فدعي التشدق والصياح
ودعي التقاعس ليس ينصر من تقاعس واستراح
ودعي الرياء فقد تكلمت المذابح والجراح
كذب الدعاة إلى السلام فلا سلامُ ولا سماح
ما عاد يجدينا البكاء على الطلول ولا النواح
لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماح
إنا نتوق لألسنٍ بكم على أيد فصاح
***
يا قوم.. إن الأمر جدُ قد مضى زمن المزاح
سموا الحقائق باسمها فالقوم أمرهمو صراح
سقط القناع عن الوجوه ، وفعلهم بالسر.. باح
عاد الصليبيون ثانيةً.. وجالوا في البطاح
عاثوا فساداً في الديار كأنها كلأ مباح
عادوا يريقون الدماء ، لا حياء من افتضاح
والباطنية مثلوا الدور المقرر في نجاح
دور الخيانة وهو معلوم الختام والافتتاح
عادوا وما في الشرق (نور الدين) يحكم أو (صلاح)
كنا نسينا ما مضى لكنهم نكئوا الجراح
لم يخجلوا من ذبح شيخ, لو مشى في الريح طاح
أو صبية كالزهر لم ينبت لهم ريش الجناح
لم يشف حقدهمو دم سفحوه في صلف وقاح
عبثوا بأجساد الضحايا في انتشاء وانشراح
وعدوا على الأعراض لم يخشوا قصاصا أو جناح
ما ثم (معتصم) يغيث من استغاث به أو صاح
أرأيت كيف يكاد للإسلام في وضح الصباح؟
أرأيت أرض الأنبياء, وما تعاني من جراح؟
أرأيت كيف بغى اليهود, وكيف أحسنا الصياح؟
غصبوا فلسطينا وقالوا: مالنا عنها براح
لم يعبأوا بقرار (أمن), دانهم أو باقتراح
عاد التتار يقودهم جنكيز ذو الوجه الوقاح
عادت جيوشهمو تهدد بالخراب والاجتياح
عادوا ولا (قطز) ينادي المسلمين إلى الكفاح
لولا صلابة فتية غر, بدينهمو شحاح
بذلوا الدماء, وما على من يبذل الدم من جناح
***
عاد المروق مجاهرا ما عاد يخشى الافتضاح
نفقت هنا سوق النفاق تروج الزور الصراح
فيها يباع الفسق تحت اسم الفنون والانفتاح
وترى الفساد يصول جهرا في الغدو وفي الرواح
من كل أكذب من مسيلمة, وأفجر من سجاح
وجد الحصون بغير حراس, لها فغدا وراح
ومضى يعربد, لا يبالي, في حمانا المستباح
وتعالت الأصوات تدعو للفجور وللسفاح
مسعورة, إن رحت تزجرها تمادت في النباح
ما من (أبي بكر) يؤدبهم ويكبح من جماح
ويعيدهم لحظيرة الإيمان قد خفضوا الجناح
***
يا أمة الاسلام هبوا واعملوا، فالوقت راح
الكفر جمع شمله فلم النزاع والانتطاح؟
فتجمعوا وتجهزوا بالمستطاع وبالمتاح
يا ألف مليون, وأين همو إذا دعت الجراح؟
هاتوا من المليار مليونا, صحاحا من صحاح
من كل ألف واحدا أغزوا بهم في كل ساح
من كل صافي الروح يوشك أن يطير بلا جناح
ممن يخف إلى صلاة الليل بادي الإرتياح
ممن يعف عن الحرام, وليس يسرف في المباح
ممن زكا بالصالحات, وذكره كالمسك فاح
ممن يهيم بجنة الفردوس لا الغيد الملاح
من همه نصح العباد وليس يأبى الإنتصاح
يرجو رضا مولاه, لم يعبأ بمن عنه أشاح
مر على أعدائه ولقومه ماء قراح
إن ضاقت الدنيا به وسعته (سورة الإنشراح)
***
لا بد من صنع الرجال ، ومثله صنع السلاح
وصناعة الأبطال علم فى التراث له اتضاح
ولا يصنع الأبطال إلا فى مساجدنا الفساح
فى روضة القرآن فى ظل الأحاديث الصحاح
فى صحبة الأبرار ممن فى رحاب الله ساح
من يرشدون بحالهم قبل الأقاويل الفصاح
وغراسهم بالحق موصول, فلا يمحوه ماح
من لم يعش لله عاش وقلبه ظمآن ضاح
يحيا سجين الطين, لم يطلق له يوما سراح
ويدور حول هواه يلهث ما استراح ولا أراح
لايستوي في منطق الإيمان سكران وصاح
من همه التقوى وآخر همه كأس وراح
شعب بغير عقيدة ورق تذروه الرياح
من خان (حي على الصلاة) يخون (حي على الكفاح)
يا أمتى , صبراً، فليلك كاد يسفر عن صباح
لابد للكابوس أن ينزاح عنا أو يزاح
والليـــــل إن تشــــــــتد ظلمتـه نقـــول الفجر لاح


الأحد، 7 فبراير 2010

نسمات من صلاة الضحى

هي دعوة للمؤمن الذي يستوحش من بعد الزمن عن ربه الرحيم أن يرجع إليه ويقف بين يديه شاكرًا ذاكرًا ومناجيًا تائبا .
يتصدق بها عن أعضائه ويشكر بها ربه .
ويكون في كفاية ربه من أول النهار إلى آخره .
وقد وجه النبي الكريم – صلى الله عليه و سلم – المؤمنين أن يقرؤوا في صلاة الضحى بسورتي الشمس والضحى .
فما التوجيه الذي يمكن فهمه من خلال قراءة هاتين السورتين الكريمتين ؟ .
في سورة الشمس أطول قسم في القرآن الكريم ، والمقسم عليه : النفس .
( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) .
وتعطي الآيات صورة كريهة لمن دساها وتبين سوء عاقبتهم :
وهم ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ) .
وفي سورة الضحى :
أسلوب كله لطف ورقة ونداوة من أول السورة إلى آخرها ؛ وذلك بعد إحساس النبي صلى الله عليه وسلم – بشيء من بطء الوحي عليه ، وهو زاده الكبير في هذا الجو المشحون بالتكذيب والعناد والمكابرة ، وهو في قلة من الأتباع ، وكثرة من العقبات .
وإذا بالسورة تنزل بردًا وسلامًا على قلبه صلى الله عليه وسلم .
تربت على ظهره ، وتمسح على رأسه وتطمئن قلبه ، وتثبت قدمه .
وجاء القسم بأفضل وقتين أنسًا وجمالا : الضحى الرائق الونيس , والليل الهادئ اللطيف .
فالله لم يتركه ولم يجافه ، ولم يتخل عنه .
إنه لم يتخل عنه وهو صغير يتيم ، لا مال له ، حائر لا يعرف كيف يعبد ربه .
فآواه وأغناه وهداه .
أيتخلى عنه اليوم وقد كُلف بالرسالة , وحمل الأمانة ؟ !
وتدعو السورة الكريمة الرسول والمؤمنين إلى إكرام اليتيم والمسكين والسائل والمحروم والتحدث بنعمة الله ، نعمة القرآن والإسلام , والنعمة على إطلاقها .
وهذا هو المردود العملي للعبادات من صلوات وزكوات وصيام ...
وأنت أيها المسلم : ( ما ودعك ربك وماقلى ) . والله تعالى قائم على شئون العباد يدبر أمرهم , ويرعى شأنهم ، في كل صغيرة وكبيرة ، لا يغفل ولا ينام .
فالمسلم يخرج من بيته وهو حريص على تزكية نفسه ، وهو نظيف السلوك ، طيب القلب خاصة مع اليتامى و المحرومين .
يخرج وهو يدعو الناس إلى الله ويحدث بنعمة الله .
إنها لتربية نبوية عظيمة , وإرشادات إسلامية نبيلة .
فهنيئا للمؤمنين .
( وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) .

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

لقد عاهدنا الله



لقد عاهدنا الله أن نكون لهذه الدعوة .. وسنظل لها ..
ولقد خالجتنا خلجات من الناس فعاقبنا الله عليها .. ولا سبيل لنا إلا أن نقبل على الله بالتوكل وعلى الناس بالدعوة .
ولله بعد ذلك عاقبة الأمور .
لماذا نيأس من الإصلاح ؟ .
هب أننا سوف لا نصل إلى شيء من النتائج .. فلنعمل على هذا الأساس كما عملنا من قبل .
فماذا يضرنا ؟ .
ألم نؤد الواجب ؟ .. ألم نتحر الحق ؟ .. ألم نؤد الرسالة ؟ .
ذلك حسبنا ... ولله عاقبة الأمور .
الإمام حسن البنا
القاهرة 18 مارس 1940 م .
قال الجنيد :
بلغنا أن الله عز وجل أرسل إلى سليمان بن داودعليه السلام بعد موت أبيه داود ملكا من الملائكة فقال له الملك : إن ربي عز وجل أرسلني إليك لتسأله حاجة .
قال سليمان : فإني أسأل ربي أن يجعل قلبي يحبه كما كان قلب أبي داود يحبه, و أسأل الله أن يجعل قلبي يخشاه كما كان قلب أبي داود يخشاه .
فقال الرب تبارك وتعالى : " أرسلت إلى عبدي ليسألني حاجة فكانت حاجته إليّ أن أجعل قلبه يحبني ، وأجعل قلبه يخشاني . وعزةتي لأكرمنه .
فوهب له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .


الأخوة... بين الواقع والمثال


إن أشد ما أخشاه أن نكون في زمن يَـعِـزّ فيه وجود أخٍ واحدٍ في الله يغنمه الواحد منا فينعم برباط الأخوّة الصادقـة التي ندر وجودها . قال الصادق المصدوق:

(قلّما يوجد في آخر الزمان درهم حلال، أو أخ يوثق به).
وهذا الإمام الواعظ ابن الجوزي (ت: سنة 597 هـ) ـ رحمه الله ـ يقول فيه: جمهور الناس اليوم معارف، ويندر فيهم صديق في الظاهر، أما الأخوة والمصافاة فذاك شـيء نـسـخ فلا يُطمَع فيه) ثم بيّن سبب نسخ وجود الأخوة والصفا , قال : لكون السلف كانت همتهم الآخـرة وحـدهـا فصفت نياتهم في الأخوّة والمخالطة فكانت ديناً لا دنيا.أما الآن فقد استولى حب الدنيا على القلوب إلا ما شاء الله.ولكن لا يخلـو الأمـر من تنفيس، والخير في أمة نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
ولعل من أسباب ضعف ربـاط الأخوة في الله غموض الرؤية لدى بعض الناس لمعانيها في زماننا وذلك وبسبب وسائل التوجيه الرسمية في بلادنا الإسلامية والعربية كبرامج التعليم ووسائل الإعلام التي تهمل هذا الجانب وصار الاهتمام إن وجد - بالوطن الصغير لا الوطن الكبير ، بمصر وأهلها ، أو بالعراق وأهله ؛ لأن العدو يفرض عليهم مثل ذلك .
والحقيقة أننا لم نذق طعم هذه الأخوة الصافية وتلك الوحدة الرائقة إلا بين العاملين للإسلام ، فإنك تتنسم عبير الجيل الأول المتآخي المتراص المترابط , وحدة قلوب لا وحدة الأشكال والرسوم .
فإنهم يعمقون فيك روح الأخوة بين أبناء وطنك مسلمين وغير مسلمين ، وبين أبناء الوطن الكبير .

- ولنا في الصالحين قدوة

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (إذا رزقكم الله ـ عز وجل ـ مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها)(3).وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يذكر الرجل من إخوانه في بعض الليل، فيقول: يا طولها من ليلة، فإذا صلى المكتوبة غدا إليه، فإذا التقيا عانقه(4).وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- إذا خرج إلى أصحابه قال: أنتم جلاء حزني(5).ولـمّا أتى عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح، وفاض إليه ألـماً، فالتزمه عمر، وقبّل يده، وجعلا يبكيان(6 ) .وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أَحبّ إخواني إليّ إذا رأيته قَبِلَني، وإذا غبت عنه عذرني(7 ) .وكان الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يُقبّل رأس أبي بكر(8) .ورئي علي بن أبي طالب -رضـي الله عنه- يرتدي ثـوبًا كـأنـه يُكثر لبسه، فقيل له فيه، فقال: (هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر بن الخطاب، إنّ عمر ناصح الله فنصحه الله)(9) .ولقي الصحابي حكيم بن حزام عبدَ الله بن الزبير ـ رضي الله عـنهـما ـ بعدما قُتل الزبير فقال: كم ترك أخي من الدّيْن؟ قال: ألفي ألف. قال: عليّ منها ألف ألف(10) .ودخل رجل من أصحاب الحسن البصري عليه، فوجده نائماً على سـريـره، ووجد عند رأسه سلة فيها فاكهة، ففتحها، فجعل يأكل منها، فانتبه، فرأى الرجل يأكل، فقـال: (رحمـك الله، هذا والله فعل الأخيار)(11).وقال أبو خلدة: دخلنا على ابن سيرين أنا وعبد الله بن عون، فرحب بـنــا، وقال: (ما أدري كيف أتحفكم؟ كل رجل منكم في بيته خبز ولحم، ولكن سأطعمكم شيـئـاً لا أراه في بيوتكم. فجاء بشهدة، وكان يقطع بالسكين ويطعمنا)(12 ) .وقـال محمد بن واسع: (لا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان إذا كانوا عبيد بطونهم؛ لأنهم إذا كانوا كذلك ثبّط بعضهم بعضاً عن الآخرة)(13 ) .وقال عثمان بن حكيم الأودي: (اصحب من فوقك، ودونك في الدنيا)(14) . يعني من فوقك في الدين .وكان بلال بن سعد الأشعري يقول: (أخ لك كلما لقيك ذكّرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً)(15).وكان المحدث القارئ طلحة بن مصرف إذا لقي مالك بن مغول يقول له: (لَلُقياك أحبّ إليّ من العسل)(16).وقال ابن عيينة: سمعت مساور الورّاق يحلف بالله ـ عز وجل ـ: ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله ـ عز وجل ـ فأمنعه شيئاً من الدنيا (17).وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول لأصحابه: يُدخِل أحدكم يده في كُمِّ صاحبه ويأخذ ما يريد؟ قلنا: لا. قال: فلستم بإخوان كما تزعمون(10).

وأقف من هذا الحديث على واقع الحياة التي عاشها المسلمون الأول.. "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم".. هذا المعنى طفِقت أتلمّسه في حياة هؤلاء الأسلاف، وإنك لتجد فيهم صورًا عدة.. أما حياتنا التي نحياها فقلَّما تعثر على تلك الصور، ولعلنا نتسلى بهذا الجمع الذي يجمعنا . خطر ببالي هذا الحديث الشريف أو تصورته لا كما نتصور الكلمات ولكن تصورته ورأيته كأنه يُرسَم أمامي.

قرأت أن رجلاً في إحدى المواقع الحربية أُصيب بالسيف فحضرته المنية، وما تأوَّه ولا صاح، ولكنه خرَّ صريعًا كما تخرُّ الأبطال، وهو يعلم أن الضربة ستودي به إلى الجنة . هذا المعنى صوَّر لي قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم".. لم يتأوَّه المضروب، لكن تأوَّه له أخوه، كأنهما حقيقة واحدة.. والذي يزيد هذا المعنى روعةً أنَّ الذي نطق لم ينطق بها تكلفًا بل إحساسًا بألم أخيه.

- كذلك يطالعنا تاريخ السلف بما يدلك على أنَّ المجموعةَ كلها كالجسد الواحد، تعمل بعملٍ واحد، وتشعر بشعورٍ واحد، حتى في أحرجِ المواقف.

روي أن سريةً من المسلمين خرجت للغزو، وكان بينها وبين العدو مخاضة، وقف الفريقان لوجه، فقال رئيس السرية: ما وقوفكم من عدوكم وزادهم وماؤهم يرد إليهم بدون عناء وبأقل مشقة وما هو الرأي؟ فقال نخوض عليهم هذه المخاضة ونغزوهم في عقر دارهم.. ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)﴾ (الأنفال).

فاقتحموا عليهم هذه المخاضة، وأقحموا فيها خيلهم، فإذا بالعدو يرى سريةً مسلولةَ السيوف مفتولة السواعد، ثم يصيح فيهم صائح: (قعبي قعبي.. وقع مني في البحر) يقصد قدحًا له من الخشب.. فإذا بصوت أمير الجماعة يقول: ابحثوا لأخيكم عن قعبه.. فيبحثون عنه، والعدو ينتظرهم، والموت يرفرف على رءوسهم، فلما رأى رئيس الأعداء حالتهم هذه، قال: ما هذا؟ قالوا: إن واحدًا منهم قد ضاع قعبه وهم يبحثون له عنه، فقال هذا الرئيس: إذا كان هذا شأنهم في قعبهم فما بالكم لو قُتلت منهم واحد؟‍ يا قوم صالحوهم على ما يريدون.
فكان هذا المعنى كافيًا في فشل الأعداء، ونصر المؤمنين وفتح تلك المدينة.
معنى التآخي في الله، وفي مرضاة الله،
يقول صلى الله عليه وسلم: "وهل الدين إلا الحب والبغض؟". كما قال: "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا ) .

هذا الإيمان هو الذي نهض بالمجتمع الإسلامي، وصار جزءًا من حياتهم فخلد ذكرهم، وأعلى منارهم..﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: من الآية 23).

وأنا أستطيع أن أقول: إن هذا الإيمان وحده يؤدي إلى الجنة، بل وإلى أعلى فراديسها، متى قام على الحب في الله، والتآخي في الله، فهو الذي يجمع شمل الأمة، ويحل مشاكلها.. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ(التوبة71

بهذين الجناحَين حلَّق الإسلام في سماء العزة والمجد، ولا أكون مغاليًا إذا قلتُ إنه لا يُتصور إيمان بغير محبة، ولا محبة بغير إيمان قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)﴾ (آل عمران).

فما كفر المؤمنون كفر جحود، ولكنهم اختلفوا بعد وحدة، وتفرقوا بعد جمع، وهو أمرٌ يتنافى مع الإيمان، وما الإيمان إلا الوحدة والحب، وصدقوني أنه لا يفقد المسلمون شيئًا أكثر مما يفقدون من هذين العنصرين، فالمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء.

برأيكم أية ناحية من نواحي الخير أعلى وأسمى من تلك الناحية التي اعتز بها الإسلام؟! قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من عباد الله أُناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى، قالوا يا رسول الله أخبرنا مَن هم؟ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يتعاطونها، فوالله إنَّ وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس" ثم قرأ هذه الآية: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾ (يونس)
ولقد وصفهم الشاعر فقال :
أعطوا ضريبتهم للدين من دمــــهم والناس تزعم نصر الدين مجانـــــا
عاشوا على الحب أفواها وأفئدة باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته والناس تعرفهم للخير أعوانــــــــا


وأريد بالأخوة :
أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، وأول القوة : قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب: سلامة الصدر , وأعلاه : مرتبة الإيثار , (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) , وهكذا يجب أن نكون .

إن الأخوة ممكنة جدا في واقعنا اليوم :

فكلما وجد المؤمنون أي كلما وجد الإيمان وجدت الأخوة ووجد الترابط .
فأبناء الحي الواحد يصلون معا في مسجد واحد غالبا ، فهم يتعارفون ويتزاورن ويشارك بعضهم بعضا في المسرات والمناسبات والأعياد .
والأقارب والأصهار والجيران وزملاء العمل توجد بينهم هذه الرابطة .
ومن حقك أن تقول هناك رابطة موجودة ولكنها غير مفعلة ، وهذا صحيح . فما الطريقة لتفعيل رابطة الأخوة ؟ .
وهنا نستطيع أن نقدم بعض الوسائل :
الهدية ولو كانت صغيرة ( تهادوا تحابوا ) .
المشاركة في المناسبات الاجتماعية :
كمناسبة الزواج والأفراح ، وأن تقف معه بقدر طاقتك في المناسبات المؤلمة تواسيه وتخفف من مصابه ، أن تصلح بينه وبين من يخاصمه .
المشاركة في الأعياد بالسلام والتهنئة .
إطعام الطعام وإفشاء السلام . وهما من أسباب دخول الجنة كما جاء في الحديث الشريف : ( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) صحيح تخريج السيوطي .
أن تعلم صاحبك أنك تحبه ، فهو أدعى لزيادة المحبة .
أن تدعو له بظهر الغيب ، وتتواصوا بلك .
ومما يقوي الرابطة ويديمها ؛ علمك بالثواب العظيم لهذه الأخوة ، فهي من أجل الأعمال الصالحة في الدنيا وهذا ثواب وحده وفائدة ويوم القيامة على سرر متقابلين في جنات النعيم ، وكما جاء في الحديث الشريف على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء وليسوا بانبياء ولا شهداء ولكنهم قوم تحابوا بروح الله فيما بينهم .

إذن هو موضوع سهل وميسور لأن هذا المعنى موجود بيننا بالفعل ، بدليل وقوف الناس بجوارك في مناسبات مختلفة ، ولكن يبقى شيئان هما :
· تفعيل وسائل تقوية الأخوة .
· واستحضار الثواب العا جل في الدنيا بالتمتع بحياة طيبة في جو التعاون الأخوي الجميل , وثواب الآخرة العظيم .
· ومن ثمرات الأخوة :
· عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المرء كثير بأخيه »
· ، عن الحسن ، قال : « قال لقمان لابنه : يا بني لا تعد بعد تقوى الله من أن تتخذ صاحبا صالحا » عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أحب رجل أخا في الله عز وجل إلا بنى الله له بيتا في الجنة »
· عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي »
· عن الحسن ، قال : قالوا : يا رسول الله ، أي الأصحاب خير ؟ قال : « صاحب إذا ذكرت الله تبارك وتعالى أعانك وإذا نسيته ذكرك » . قالوا : يا رسول الله ، دلنا على خيارنا نتخذهم أصحابا وجلساء قال : « نعم الذين إذا رؤوا ذكر الله »
· - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن ، حدثني صالح بن موسى ، قال : قال رجل لداود الطائي : أوصني قال : « اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة وأكثرهم لك معونة
· - وسأل أحدهم : « ما إخوان الصفا ؟ قال : الذي يغضب لغضبك ويرضى لرضاك .
· حدثني المفضل بن غسان ، عن أبيه قال : « كان يقال : اصحب من ينسى معروفه عندك»
· ومن ثمرات الأخوة التمكين لدين الله في الأرض :
فبناء الأمة من جديد يحتاج إلى تضافرجهودنا، ولا ينتج هذا إلا عن صفاء السرائر والاجتماع على قلب رجل واحد ، فإننا ـ معاشر الملتزمين ـ نحمل العبء الثقيل أمام الله تعالى تجاه هذه الأمة وهذا دورنا الذي لا ينبغي أن نتخلف عنه .
هذا :

ولقد ضرب الإخوان أعظم مثال للأخوة والثبات عليها على مدار تاريخهم الذي قرأناه وحاضرهم الذي شاهدناه وطاشت حولهم سهام الحاقدين , وخابت حولهم آمال المتربصين .
ومن الإنصاف ألا نفرد الإخوان بهذا المعنى الجليل ، بل هو لكل ثلة مؤمنة قامت لنصر هذا الدين تحت أي مسمى كان مادام رائدها إقامة الإسلام ، وإعلاء راية القرآن .
وفي الختام كلمة :
ليس المقصود بالتآخي أن يكون بين الأفراد فقط ؛ فإن الثمرة ستكون ضعيفة للغاية .
بل المقصود أن تكون بين المسلمين أفرادا ودولا ومجتمعات .
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
الأنفال .
وما نراه من واقع المسلمين اليوم ما هو إلا ثمرة مرة من ثمار التفكك ، ونتيجة من نتائج التفرق .
وعلى الأفراد أن يسعوا فيما بينهم للترابط والأخوة ، وعلى ولاة الأمر أن يجدوا في إزالة العقبات بين الدول الإسلامية والعربية .
ونسأل لله تبارك وتعالى التوفيق والسداد، كما نسأله النصر والتمكين .
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، والحمد لله رب العالمين .




أهمية المساجد في حياة المسلمين

المسجد لغة : من سجد يسجد سجودا إذا وضع جبهته على الأرض .
والمسجد شرعا : الأصل فيه كل موضع من الأرض لقوله صلى الله صلى الله عليه وسلم : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل » . وهذا من خصائص هذه الأمة ، قال القاضي عياض : لأن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما نهي عنه .
وقال القرطبي : هذا ما خص الله به نبيه ، وكان الأنبياء قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس . ثم إن العُرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس ، حتى يخرج المصلى الذي يجتمع فيه للأعياد ونحوها ، فلا يعطى حكمه .
ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة ، لقرب العبد من ربه ، اشتق منه اسم المكان للموضع الذي بني للصلاة فيه ، فقيل : مسجد ، ولم يقولوا : ( مركع ) مثلا أو غيره مما يشتق من أفعال الصلاة .
فالمساجد بيوت الله سبحانه وتعالى ولمكانتها وفضلها ذكرها الله سبحانه في ثمان وعشرين آية من كتابه الكريم ، وأضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ، فقال سبحانه : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } ورغب سبحانه في بنائها وعمارتها وأخبر أن عُمَّارها المؤمنون بالله واليوم الآخر قال تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } فالمساجد دور عبادة وذكر وتضرع وخضوع لله سبحانه ، ومواضع تسبيح ، وابتهال وتذلل بين يدي الله سبحانه ، ورغبة فيما عنده من الأجر الكبير ومقام تهجد ، وترتيل لكتاب الله وحفظ له ، وغوص وراء معانيه ، كما أخبر سبحانه أن تعطيل المسجد ، ومنع الناس من ذكر الله فيه ظلم ، قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ }{ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، وجعل القرآن الكريم الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلبا من مطالب هذا الدين يشرع لأجله القتالفي سبيله .
قال تعالى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } .
قال القرطبي رحمه الله تعالى عن هذه الآية : أي لولا ما شرعه الله سبحانه وتعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما يبنيه أرباب الديانات من مواضع العبادات ، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة وليس هذا بغريب فالمساجد أحب البقاع إلى الله ، وهي قلعة الإيمان ومنطلق إعلان التوحيد لله سبحانه وتعالى ، فهي المدرسة التي خرجت الجيل الأول ، ولا زالت بحمد الله تخرج الأجيال ، وهي ميدان العلم والشورى والتعارف والتآلف ، إليها يرجع المسافر أول ما يصل إلى بلده شاكرا الله سلامة العودة مستفتحا أعماله بعد العودة بالصلاة في المسجد إشعارا بأهميته وتقديمه على المنزل تذكيرا بنعمة الله سبحانه وتوثيقا للرابطة القوية للمسجد . ولذا تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أول عمل قام به بعد هجرته من مكة إلى المدينة بناء المسجد المسمى مسجد قباء .
والذي ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله سبحانه : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } ، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم في القرون المفضلة ، ومن بعدهم من السلف الصالح ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده على التقوى ، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء ، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم .
ثامنا : آداب المسجد :
المساجد بيوت الله ، ولذا أمر برفع شأنها والاهتمام بها . قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ولذا شرع لها آدابا ينبغي مراعاتها ، وهي :
1)التنظيف والتطيب وارتداء الزينة : لقوله تعالى : { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وفي الحديث : « إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود ، فنظفوا أفنيتكم » ويتجنب أكل الثوم والبصل وكل ما فيه رائحة كريهة تؤذي المصلين . أما المرأة فلا تتطيب إذا أرادت الخروج إلى المسجد ، وذلك لما ورد في الحديث : « إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا » وذلك لعدم إثارة الشهوات .
2) قراءة ذكر الخروج إلى المسجد وهو : « اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي لساني نورا ، واجعل في سمعي نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل من فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، اللهم أعطني نورا
3)تقديم الرجل اليمنى عند الدخول : مع قراءة الدعاء المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم : « إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك » .
4)الدخول إلى المسجد بسكينة ووقار : لما ورد عن أبي قتادة (رضي الله عنه) قال : « بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : (فلا تفعلوا . إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا » والمطلوب من المسلم أن يحافظ على هذا الوقار وهو بداخل المسجد ، ولا يرفع صوته بكلام ولا جلبة ، تقديسا لبيت الله ، ولئلا يسبب تشويشا للمصلين أو قارئي القرآن أو غيرهم من رواد المسجد .
5)صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الجلوس : لما رواه أبو قتادة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس » .
6)تقديم الرجل اليسرى عند الخروج مع قراءة الذكر الوارد وهو : « اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك » .
7)يستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والتسبيح والتهليل والتكبير : وغيرها من الأذكار ويستحب الإكثار من قراءة القرآن ، ومن المستحب فيه قراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وعلم الفقه, وسائر العلوم الشرعية قال الله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
8)المحافظة على نظافة المسجد وعدم إلقاء القاذورات الأوساخ فيه : وذلك تعظيما لشأنه ، قال تعالى : { وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وعن أنس (رضي الله عنه) « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي بال في طائفة المسجد : ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن) »
9)عدم إنشاد ضالة في المسجد أو البيع فيه : لما رواه مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه )قال ,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك , فإن المساجد لم تبن لهذا »
10)عدم إنشاد الشعر الذي لا مدح فيه للإسلام ولا حث فيه على مكارم الاخلاق : لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم : « من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا له : فض الله فاك ثلاث مرات » .
- ( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ) .
فلا يجوز أن تتجه القلوب في بيوت الله إلا لله وحده ، فإذا وعظت أو دعوت إلى الله فليكن العمل خالصا لله وحده .
وقالوا : إذا جلست تعظ الناس فلا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك .
- ( نور على نور.... في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) النور ,
وهناك صلة مثلها بين المصباح المشرق بالنور في المشكاة ، والقلوب المشرقة بالنور في بيوت الله .
تلك البيوت { أذن الله أن ترفع } وإذن الله هو أمر للنفاذ فهي مرفوعة قائمة ، وهي مطهرة رفيعة . يتناسق مشهدها المرفوع مع النور المتألق في السماوات والأرض . وتتناسق طبيعتها الرفيعة مع طبيعة النور السني الوضيء . وتتهيأ بالرفعة والارتفاع لأن يذكر فيها اسم الله : { ويذكر فيها اسمه } . وتتسق معها القلوب الوضيئة الطاهرة ، المسبحة الواجفة ، المصلية الواهبة . قلوب الرجال الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } . . والتجارة والبيع لتحصيل الكسب والثراء .
ولكنهم مع شغلهم بهما لا يغفلون عن أداء حق الله في الصلاة ، وأداء حق العباد في الزكاة : { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } . . تتقلب فلا تثبت على شيء من الهول والكرب والاضطراب . وهم يخافون ذلك اليوم فلا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .
وهم مع هذا الخوف يعلقون رجاءهم بثواب الله :
{ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ، ويزيدهم من فضله } . .
ورجاؤهم لن يخيب في فضل الله : { والله يرزق من يشاء بغير حساب } من فضله الذي لا حدود له ولا قيود .
والمؤمن يقف تحت راية :
- ( وأقم الصلاة لذكري )... ( كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ) .
- إذا سئم البطالون من بطالتهم فلا يسأم محبوك من مناجاتك وذكرك .
– وقال التابعي : إني لأستحيي أن أجلس في بيتي حتى يقال حي على الصلاة .
- وقلوب المؤمنين مرتبطة بالمسجد الذي يفيئون فيه إلى الله وينبيون إليه وينطرحون بين يديه يبثونه الشكوى والهموم تارة , ويعلنون حبهم وشوقهم إلى مولاهم تارة أخري .
- يدخلها العاصي فيخرج تائبا , ويدخلها القاسي فيخرج لينا , تلين فيها القلوب وتقشعر الجلود من ذكر الله وخشية الله .
- تسوي بين الناس فينتظمون في عقد واحد ، فيعودون إلى أصلهم الواحد ، لا فرق بين غني وفقير وسيد ومسود ، فالكل أمام الله عبيد والجميع أمام الله سواسية .
- يتصافحون ويتسامحون ويترابطون فتزول من بينهم الشحناء وتنجلي من بينهم البغضاء.
وفيها يتعلم المسلم الشورى في اختيار الإمام ، كما يتعلم تقويم هذا الإمام إذا أخطأ أو حاد عن الصواب .
فإذا اختاره كان له مطيعا لا يخالفه ولا يخرج عن طاعته .
- فللمساجد رسالة روحية وأخرى اجتماعية وسياسية وجهادية كما هي أيضا رسالة علمية .
- كلمة أخيرة : إن نصر الأمة اليوم يوجب علينا التحلي بالقوة الروحية والقوة المادية معا ، ولكن الأولوية للجانب المعنوي الروحي ؛ لأننا أمة مكلفة برسالة .ولن ننتصر حتى لو تساوينا مع العدو ماديا – هذا لو سمحوا لنا بذلك - إذا كنا قد أهملنا رسالتنا .
- والمسجد فرصتنا , والصلاة روحتنا ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم : { أرحنا بها يا بلال } .