ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

الاثنين، 24 نوفمبر 2008

الطريق إلى الإيمان

المحاضرة الثالثة
الطريق إلى الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
إذا كنا قد عرفنا أهمية الإيمان وضرورته , فأين الطريق إليه ؟ وأين أضع خطاي لأتجه نحوه , وأسرع إليه ؟. وما الذي أبدأ به ؟ .
تقديم :
أولا : تعريف الإيمان :
الإيمان بالفكرة : اقتناع العقل بها مع تجاوب المشاعر والعاطفة واستقرارها في القلب .
وقد يشمل الإيمان أي فكرة باطلة أو صحيحة .
قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) النساء .
{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }النحل72 .
وبعد ..
فإن أمامنا أربع نقاط لابد أن نذكرها قبل أن نجيب على السؤال المطروح : بماذا نبدأ؟ .
وهذه النقاط الأربع هي :
الإيمان محله القلب , العلاقة بين الأعمال الصالحة وزيادة الإيمان , التأثر إما لحظي وإما دائم , العمل على بناء الإيمان في كل المقامات .
أولاً : الإيمان محله القلب :
فالقلب مجمع المشاعر ومركزها داخل الإنسان .
يقول الله عز وجل : {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ...}الفتح 4 .
وقال سبحانه : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...}الحجرات 14 .
وتجد كذلك : وجلت قلوبهم , اطمأنت قلوبهم , اشمأزت قلوبهم . وكلها مشاعر وكلها مرتبطة بالقلب .
وفي الحديث الشريف , عن أنس – رضي الله عنه – ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان , أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ) تخريج السيوطي .وفي صحيح الجامع عند الألباني .
والحب والكره - وهي المشاعرالمكررة في الحديث - محلها القلب .
الفرق بين الاقتناع بالفكرة والإيمان بها :
الاقتناع بالفكرة , أمر عقلي .
والإيمان بها قلبي وعقلي معًا .
فالإنسان قد يقتنع بالفكرة لكنه لا يؤمن بها . ({وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ... ) 57 القصص . فهم يعترفون أن دينه هو الهدى ؛ لكنهم لم يؤمنوا .
والقلب محل الإيمان وهو أيضًا محل الهوى .والصراع بين داعي الإيمان وداعي الهوى مستمر حتى يغلب أحدهما .
ولكن إذا غلب أحدهما فليس معنى ذلك أن يتخلى الآخر عن الصراع ؛ فيبقى ضرورة إمداد الجانب الإيماني في القلب باستمرار .
وإذا أردنا أن نضرب المثل على ذلك نقول :
إذا كان المرء يقوم الليل ويحافظ على ذلك , فجانب الهوى عنده أضعف .
وإذاكان يطلق بصره في محارم الله بلا مراعاة لحرمات الناس ؛ فجانب الهوى عنده أقوي .
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشر الخمر حين يشريها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد ) تخريج السيوطي . تحقيق الألباني حديث رقم : 7706 في صحيح الجامع .
ومعنى ذلك أنه يكون في أضعف مستويات الإيمان , عند ارتكابه لهذه الآثام .
وسلوك المؤمن نتيجة لإيمانه , فمن أراد أن ينتج عنه سلوك صحيح يعينه على تحقيق المطلوب منه شرعًا ؛ فلابد أن يكون داعي الإيمان في قلبه أشد من داعي الهوى .
ثانيًا : العلاقة بين العمل الصالح وزيادة الإيمان :
مما لا شك فيه أن هناك حلقة مفقودة بين العبادات وأثرها . فكيف نعود بأنفسنا إلى رحاب الحياة الكريمة في ظلال طاعة مخبتة , وذكر خاشع ؛ تثمر إيمانًا متقدًا , وقلبًا حيًا ينبض بحب الله , ويؤثره على من سواه ؟ .
وإذا طرح هذا السؤال : متى أعرف أن الإيمان قد زاد ؟ .
والجواب : يزيد الإيمان إذا حدث تأثر في القلب .
فلحظات التأثر هي لحظات زيادة الإيمان . فالخشوع في الصلاة تأثر , والذكر باللسان مع حضور القلب تأثر , وانعقاد النية في الإنفاق , وزيارة المقابر للاعتبار والاستغفار للموتى كل ذلك تأثر يرتفع به الإيمان , ويعلو به مقام الإنسان .
أما إذا لم يحدث تأثر في القلب فلن يزيد الإيمان .
ولهذا فإن الإيمان ينقص بالمعصية, ولا يزيد بالطاعة إلا إذا كانت مؤثرة .
فالرجل يسبح كثيرًا ولكن قلبه غير حاضر , وعقله غير مفكر .فهذه طاعة ولكن تأثيرها ضعيف .
وحكى لي أخي أن رجلا كان يسبح بالمسبحة ومر عليه آخر , فقال له : مساء الخير . فقال : مساء النور . ثم وجد الرجل أنه بعد فترة من الوقت , يمرر حبات المسبحة بين يديه وهو يقول : مساء النور مساء النور ! فليس كل تسبيح نافع للقلب .
وبالعكس , فإن الشعور بالرضا , بالفرح , بالطمأنينة , بالخوف , كل هذا تأثر يعود بالفائدة العظيمة على القلب .
وقد يكون لهذا التأثر نتيجة : فالبكاء بسبب الخوف , والضحك دافعه الفرح , ووجل القلوب نتيجة للذكر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }الأنفال .
ورجل يُدرّس العقيدة وتَعرض له مشكلة , فتتملكه الحيرة , ولا يدري ماذا يفعل , ويبدو محزونًا كئيبًا , فيمر عليه رجل أمي , فيقول له : ( زعلان ليه ياعم الشيخ ؟ قل يارب , هونها تهون ) .
فيعود مدرس العقيدة إلي نفسه معاتبًا : أين أنا من الله ؟ لماذا لا أسأل الله عن حاجتي ؟ لماذا لم ألجأ إليه ؟ . أليس اللجوء إلى الله من مسائل العقيدة ؟ . ({أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62 .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ) إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ... ) حققه الألباني برقم : 7957 في صحيح الجامع .
فالرجل يدرس العقيدة بطريقة عقلية مجردة لا يتفاعل القلب معها ولا يتأثر بها .
أما إذا خالطت القلب , وتأثر بها كان لها نتائج عظيمة . فعندما سأل هرقل أبا سفيان بن حرب وهو يحدثه عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : ألم يرتد أحد من أصحابه سخطة لدينه ؟ قال : لا . قال : كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب .
والهدف من التخلق بالإيمان وتعاليم الإسلام هو إيجاد الإنسان الصالح , الذي يكون باطنه خيرًا من ظاهره , والذي تقربه الطاعات من الله , ويزداد بها إيمانًا .
مثال : رجل نزل من القطار في غير محطته فوجد امرأة طردها زوجها فساعدها وأعانها فتأثر كثيرًا بمسألة القضاء والقدر .
وآخر فكر في أمره , ونظر في شأنه , فوجد أنه ما من أحد ٍ يصاحبه إلا وجد منه أذى , أو مضايقة . سواء كان أحد الوالدين , أو الزوجة أو الولد أو إخوانه في الدعوة ؛ فقال : لكي يعلم الإنسان أن هناك طرفًا واحدًا لا يجد الإنسان منه إلا الرحمة والغفران , والعفو والرزق , إنه الله !! .
ينعم عليك فلا تشكر , ومع ذلك لم يقطع عنك الآلاء. يبتليك فلا تصبر و لم يدم عليك البلاء . ينتظر التائبين – وهو الغني عنهم – ويحب الأوابين – وهم أحوج الناس إليه .
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25 )وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } 26الشورى .
فلماذا لا أكون مع الله دائمًا ؟ .
والعمل الصالح يكون بالجوارح , أما الإيمان فنتيجة لأعمال القلوب .
و القفز على الأعمال الصالحة قفزًا لا يزيد الإيمان بالضرورة .
فقد أسلفنا القول بأن العمل الصالح إذا لم يُحدث التأثير المناسب في القلب فلن يزيد به الإيمان .
ومن هنا يمكن القول بأن الإيمان بذرة والعمل الصالح ماء يرويها .
وإذا وجدالإيمان فإنه يدفع للعمل , أي أن العمل الصالح ترجمة للإيمان . ولا تعارض في ذلك .
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }الأنعام158
يقول الشيخ سيد قطب – رحمه الله – في تفسير هذه الآية :
والله سبحانه يقول لهم : إن ما طلبوه من الخوارق لو جاءهم بعضه لقضي عليهم بعده . . وإنه يوم تأتي بعض آيات الله تكون الخاتمة التي لا ينفع بعدها إيمان ولاعمل . . لنفس لم تؤمن من قبل ، ولم تكسب عملاً صالحاً في إيمانها . فالعمل الصالح هو دائماً قرين الإيمان وترجمته في ميزان الإسلام .( في ظلال القرآن ) .
فالإيمان موجود , ولكنه لم يكسب فيه خيرًا , لم يعمل عملا صالحاً .
ومثال ذلك : إذا كنت تحب المرء , ولكن هذا الحب لم يترجم في هدية , أو زيارة , أو ماشابه ذلك ؛ فلم تكسب خيرًا في هذا الحب .
ولكن أيهما يكون أولا , الإيمان أم العمل الصالح ؟ .
الثابت هنا أن الإيمان سابق والعمل الصالح لاحق بعده , يقويه ويغذيه .
وكان ابن عمر يقول : تعلمنا الإيمان، فلما تعلمنا القرآن زدنا إيمانًا .
والشعور بالندم , شيء في القلب يدفع بالتالي للاستغفار . والشعور بالامتنان تجاه الله بسبب نعمه الكثيرة إحساس قلبي , يعبر الإنسان عنه بالحمد باللسان وبالشكر بالجوارح والأركان .
ودخول الانتخابات , والأعمال والتكليفات التي تستدعيها من الأفراد , مع وجود النية الصالحة يزيد بها الإيمان , والذي لم يشترك – بسبب مرضه – مع وجود النية لديه , لا يكون مثل إخوانه في زيادة الإيمان , وإن كان قد حصّل الأجر بالنية .
والإسلام بدأ مشاعر ثم شعائر ثم شرائع .
ومن هنا نقول : لا يكن همك العمل الصالح فقط . وليكنْ همك أولا : كيف أحب الله , كيف أخافه وأرجوه , وأتوكل عليه , وأثق في وعده ونصره .هذه المشاعر بلا شك ستقودك إلى أصناف الأعمال الصالحة .
ثالثًا التأثر إما لحظي وإما دائم :
وثمة أمران يذكران مع زيادة الإيمان :
الأول : أن زيادة الإيمان قد تكون لحظية و يسمونها بالحال , ومثالها : رجل زار المقابر فتأثر , أو رأى حادث سيارة مات فيه أحد الناس فتأثر , أو رأى منظر البركان , أو الأعاصير, ونحو ذلك . كل هذا تأثير لحظي لاينفع وحده ما لم يكن من خلال منظومة عبادات مؤثرة متواصلة . ونحن نريد أن يتوهج الإيمان ويدوم , ولا نقف بأنفسنا عند مجرد مواقف عابرة .
الثاني :
أن زيادة الإيمان متفاوتة من شخص لآخر ومثال ذلك :
رجل زاد إيمانه فبدأ يصلي في البيت ولم يكن من قبل يصلي .
وآخر زاد إيمانه , فبدأ يصلي الصلوات كلها في جماعة حتى صلاة الفجر .
وثالث زاد إيمانه فأصبح يحافظ على قيام الليل بيسر و سهولة .
* فإذا استمر تأثير الإيمان فهو مقام . وإذا كان التأثر ضعيفًا متقطعًا فهو حال .
ويُؤمر أبو بكر – رضي الله عنه – ليصلي بالناس , فتقول السيدة عائشة – رضي الله عنها – إنه رجل أسيف , لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن . فهذا مقام عنده , وأثر دائم لديه .
فنحن نحب الأبناء , ونحب المال , ونحب أن يكون مظهرنا طيبًا , وغير هذا . لا بأس . بشرط أن يكون كل ذلك أقل من خمسين في المئة , فلا تكون هذه الأشياء هي الغالبة في قلب المرء .
فحب الله أكثر وتعظيم الله أجل في قلب المؤمن . ({وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ) البقرة 165 .
* رابعًا : الإيمان يحتاج البناء في كل المقامات , فلا يزيد في جانب وينعدم أو ينقص في جانب آخر .
وقد يمر الإنسان بمواقف يستدعي أحدها الصبر , وآخر يحتاج الرضا بالقضاء , أو التوكل , أو الحب , أو الخوف ... الخ .
مثال : رجل بكى في صلاته , لأن الإمام صلى بصوت خاشع مؤثر , وبعد انصرافه , لم يجد حذاءه ؛ فصاح وصرخ وأحدث ضجيجًا كبيرًا في المسجد وهو الذي كان يبكي منذ قليل . فهو وإن كان عنده صفة الخوف , التي كان من أثرها هذا البكاء , إلا أنه يحتاج إلى الإيمان بالقضاء والقدر .
ولكن المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له .
فالتقوى جزء من الإيمان , والتوكل جزء من الإيمان , وهكذا.
ونأتي هنا للإجابة عن السؤال الذي طرحناه في عنوان المحاضرة :
من أين نبدأ وبأي شيء نبدأ ؟ .
نبدأ بمصدر تتوفر فيه شروط ثلاثة : أن
1 - يخاطب الفكر ( العقل ) والعاطفة معًا .
2 - ويحول الحال إلى مقام .
3 - ويخاطب كل مقامات الإيمان .
إنه القرآن وحده , لا شيء غيره . ومن هنا نبدأ .
فهو الذي يربي فينا الإيمان ليؤتي ثماره كل حين , يربي فينا الصدق , والشجاعة , والكرم , والعفة ...
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }إبراهيم25 .
فهو يثمر الصدق في موقف الصدق , والتضحية في وقتها , والعفة في حينها . وهكذا يربي القرآن الإيمان في القلب , ويقود صاحبه إلى كل خير .
وهو الشحنة الجبارة التي إذا وصلت القلب أثرت فيه في الحال .
انظر إلى أبي ذر – رضي الله عنه – بمجرد أن سمع القرآن أسلم في الحال وهو جالس في مكانه , وأسيد بن حضير , وسعد بن معاذ , وغيرهم , رضي الله عنهم جميعًا .
وأم أيمن تعلمنا :
عندما ذهب الصديق والفاروق يزورانها , وكانت مثل هذه الزيارة تتم مع النبي – صلى الله عليه وسلم . فلما وصلا عندها ورأتهما بكت ؛ فبكى الصاحبان , فقال لها الصديق : أليس قد لحق بالرفيق الأعلى , والله خير وأبقى ؟ . قالت : إنما أبكي لا نقطاع الوحي عن الأرض !. وهذا فهم أم أيمن ! .
فلكي نحيا بالقرآن ونتأثر به وينهض بنا كما نهض بالأولين ورفع شأنهم وأعلى قدرهم , لا بد أن نعودإلى رحاب القرآن ونحب القرآن ونربط حياتنا ومصيرنا به.
ولكن كيف نعود إليه ؟ كيف نقرأه ؟ .
القراءة تكون بالترتيل , لكي يطرق على المشاعر ويهزها ويتم التأثر بالمعنى : {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة83 . فكان تأثرهم بالمعني , بما عرفوا من الحق .
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32 .
{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106 . نزلناه مفرقا على مهل وتؤدة ليفهموه . ( تفسير الجلالين ) .
فالقراءة الهادئة بالترتيل تعين القلب على التدبر ومن ثم تعمل على المشاعر وتُحدث الأثر المطلوب .
إجراءات عملية :
1 - قراءة ساعة في كتاب الله يوميًا .
يسبقها استغاثة وتضرع إلى الله , بأن يعينك على التأثر والتدبر والانتفاع بالقرآن .
أن تقرأ ساعة متصلة غير متقطعة .
أن تكون القراءة بصوت حزين خاشع , في مكان ٍ هادئ , وأن تكون من المصحف , وليس من الذاكرة .
وأن تكون بصوت مسموع , مع إعمال العقل فيما تقرأ .
أن تأخذ المعنى الإجمالي للآيات , وما لم تعرف تفسيره , أخرالبحث عن معناه إلى ما بعد القراءة .
أن تجعل نفسك مخاطبًا بالآيات , وأنت المعني بها .
إذا حدث تأثر بآية , كرر قراءتها حتى ينتهي التأثر .
2- قراءة كتاب : إنه القرآن سر نهضتنا . للدكتور / مجدي الهلالي .
3 – سماع شريط عن الإيمان وأثره لنفس المؤلف .
وعلى الله قصد السبيل .













الجمعة، 14 نوفمبر 2008

أنواع الحج

كيفية الإحرام ومعرفة الأفضل من الإفراد والتمتع والقران
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد ....
اعلم أن المحرم إما أن يريد بإحرامه الحج فقط وحينئذ يسمى مفردًا .
وإما أن يريد العمرة أولا ، ثم يتحلل ، ثم يحرم بالحج في نفس العام ، ويسمى متمتعا ، وسبب التسمية أنه أخذ فرصة تمتع فيها بالتحلل من الإحرام ، بين ، العمرة والحج .
وإما أن يريد القران ، وهو الجمع بين ، العمرة والحج في إحرام واحد ، بحيث لا يتحلل إلا بعد الانتهاء من أعمال العمرة .
وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة : الإفراد والتمتع والقران .
والإفراد : أن يحرم بالحج في أشهره ، ويفرغ منه ، ثم يعتمر بعده أو لا يعتمر..
والتمتع : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ، ثم يحرم بالحج في نفس العام...
والقران : أن يحرم بهما معا ويتمم عملهما بدون تحلل حتى ينتهي من الحج...
ويعتبر قارنا أيضا من أحرم بالعمرة ابتداء وقبل أن يطوف لها نوى الحج معها .
وكل مسلم مخير بين التمتع والإفراد والقران ، يفعل أيها شاء فرضا كان أو نفلا ، وقد دل على ذلك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج متفق عليه فذكرت التمتع أولا ، ثم القران ثم الإفراد .
واختلف الصحابة ومن بعدهم من التابعين والمتأخرين في الأفضل من الثلاثة 0
فالتمتع اختاره ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة وأحمد بن حنبل وهو أحد قولي الشافعي 0
وذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ، ورجحه جماعة من الشافعية ، منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل .
وذهب جماعة من الصحابة ، وجماعة ممن بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ، ومن أهل البيت : الهادي والقاسم والإمام يحيى وغيرهم إلى أن الإفراد أفضل .
واختلافهم هذا ناشئ - والله أعلم - عن اختلافهم في : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قارنا أو كان متمتعا أو كان مفردا ؟ فقد قيل بكل واحد منها .
وهل إخباره صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع بأنه لولا سوقه الهدي لتمتع - كان لتفضيل التمتع على القران ، أو كان جبر خاطر للمتمتعين ، الذين حزنوا لأنهم لم يقرنوا كما قرن النبي صلى الله عليه وسلم حسب فهمهم ؟ .
والخلاصة : أن منهم من فضل التمتع , وأتبعه القران في الأفضلية , ثم الإفراد . ومنهم من قال غير ذلك 0
والله أعلم .
وكيفية النطق بالإحرام أن يقول بعد أن ينوي بقلبه العمرة ، أو الحج ، أو هما معا :
اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني... إن كان متمتعا .
أو يقول : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني... إن كان مفردًا .
أو يقول : اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني إن كان قارنا .
ثم يلبي بعد ذلك مباشرة بإحدى الصيغ الواردة في التلبية .
وعلى الله قصد السبيل .
جمع المادة / شعبان شحاته .

وجاء دور الشعوب والعلماء

وجاء دور الشعوب والعلماء ؟ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد ....
أصبح مؤكدًا لكل ذي عينين يرى , ولكل ذي أذنين يسمع - أن حكام العرب والمسلمين معظمهم – ألقوا بقضايا المسلمين خلف ظهورهم , وطرحوا مطالب بلادهم تحت أقدامهم .
وصاروا واقعين تحت ضاغطين الأول : مطالبهم الشخصية , والثاني ضغوط خارجية . والثاني مترتب على الأول .
فسقطت أوراق أوطانهم من بين أيديهم , فهم عنها ذاهلون , وإلى آمالهم يتطلعون . وحسبنا الله ونعم الوكيل .
يرى المواطن مأساة إخوانه في غزة , المخابز مغلقة , والدواء ممنوع , والمستشفيات تعاني , والمرضى يئنون .
ولا يملك هذا المواطن لإخوانه شيئا ؛ تمنعه الحدود , وتحجزه السدود . تمتلئ صدورنا همًا وغماوكمدًا ولا نستطيع أن نتحرك ولا حتى نحتج ولا نجمع لهم مالا !!.
ومما يزيد الطين بلة أن ترى زعماءنا , يلتقون بأعدائنا على أرضنا بالترحيب والإكرام , وعلى غير أرضنا , لماذا ؟ خجلا للمقدسات والحرمات أن تدنسها الأقدام .
نكس ابني رأسه لما رأى ( شيمون بيريز ) في مصر يقابل بالحفاوة البالغة على أرض الكنانة , منطلق قطز وصلاح الدين !!
وعضت البنات أناملهن لما رأوا مؤتمر الأديان , الذي دعا إليه المسلمون , ودعوا عدو الله وعدو المسلمين الذي يحاصر إخواننا في فلسطين بمساعدة الحكام العرب أحيانا , وسكوتهم الخانع , وقبضهم يد المساعدة والعون .
إنهم لم يتحركوا من سقوط الشهداء , وانتشار الأشلاء , وتعطيل المستشفيات وانقطاع الكهرباء .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فما العمل إذن يا عباد الله ؟ .
ننتظر أن ينصر ( أوباما ) قضيتنا , أو نصبر حتى يستحيي حكامنا , وتستيقظ ضمائرهم في الوقت الذي نعاني فيه من ظلمهم وطغيانهم , وفشو
الغلاء وانتشار الداء , وتكميم الأفواه , وتكسير الأقلام , وتغيير الدساتير , وسن القوانين التي تعلي من شأن الفساد والطغيان, وتحط من شأن
المواطن وحريته , وكرامته ؟ .
إنه دور المواطن ... دور الشعوب .... دور النخب المؤثرة .... أن تتضافر الجهود , وتُشد السواعد وترص الصفوف ؛
لتغيير هذا الواقع الأليم .
أصلحوا السياسة والقانون , واعملوا على إصلاح اقتصادنا , والقوانين التي تنظم شؤون المجتمع حتى يصير الفرد حرًا في بلاده يقول مايريد ويعبر عن رأيه كما يشاء .
يعيش حياة كريمة كما يعيش غيرنا على هذه المعمورة .
وليبدأ كل منا بإصلاح نفسه وأهل بيته وذويه , فالمسألة إيمانية بالدرجة الأولى .
وسلوك طريق الإصلاح يكون بالوسائل الحكيمة ؛ كما دعانا إلى ذلك ديننا الحنيف , و حرصًا على سلامة مجتمعنا , وهكذا كانت مسيرة الدعوة من قبل , وستظل كذلك بإذن الله تعالى .
وللعلماء دور , دور عظيم للغاية {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ... ) . آل عمران 187 .
وقد جاءت أهمية دورهم بعد أن فسد الأمراء , وتسلط الحكام وكثر المنافقون , والقابضون من جيوب عدونا , والطاعمون على موائدهم .
وكلما اقترب هذا المجتمع وعلماؤه من الله وقويت صلته بربه عز وجل فإن فرصة تحقيق آمالنا ستقترب وتدنو ( و َيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }الإسراء 51 .
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) يوسف .
شعبان شحاته .
Hudahuda2007@yahoo.com

وجاء دور الشعوب والعلماء

وجاء دور الشعوب والعلماء ؟ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد ....
أصبح مؤكدًا لكل ذي عينين يرى , ولكل ذي أذنين يسمع - أن حكام العرب والمسلمين معظمهم – ألقوا بقضايا المسلمين خلف ظهورهم , وطرحوا مطالب بلادهم تحت أقدامهم .
وصاروا واقعين تحت ضاغطين الأول : مطالبهم الشخصية , والثاني ضغوط خارجية . والثاني مترتب على الأول .
فسقطت أوراق أوطانهم من بين أيديهم , فهم عنها ذاهلون , وإلى آمالهم يتطلعون . وحسبنا الله ونعم الوكيل .
يرى المواطن مأساة إخوانه في غزة , المخابز مغلقة , والدواء ممنوع , والمستشفيات تعاني , والمرضى يئنون .
ولا يملك هذا المواطن لإخوانه شيئا ؛ تمنعه الحدود , وتحجزه السدود . تمتلئ صدورنا همًا وغماوكمدًا ولا نستطيع أن نتحرك ولا حتى نحتج ولا نجمع لهم مالا !!.
ومما يزيد الطين بلة أن ترى زعماءنا , يلتقون بأعدائنا على أرضنا بالترحيب والإكرام , وعلى غير أرضنا , لماذا ؟ خجلا للمقدسات والحرمات أن تدنسها الأقدام .
نكس ابني رأسه لما رأى ( شيمون بيريز ) في مصر يقابل بالحفاوة البالغة على أرض الكنانة , منطلق قطز وصلاح الدين !!
وعضت البنات أناملهن لما رأين مؤتمر الأديان , الذي دعا إليه المسلمون , ودعوا عدو الله وعدو المسلمين الذي يحاصر إخواننا في فلسطين بمساعدة الحكام العرب أحيانا , وبسكوتهم الخانع , وقبضهم يد المساعدة والعون .
إنهم لم يتحركوا من سقوط الشهداء , وانتشار الأشلاء , وتعطيل المستشفيات وانقطاع الكهرباء .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فما العمل إذن يا عباد الله ؟ .
ننتظر أن ينصر ( أوباما ) قضيتنا , أو نصبر حتى يستحيي حكامنا , وتستيقظ ضمائرهم في الوقت الذي نعاني فيه من ظلمهم وطغيانهم , وفشو
الغلاء وانتشار الداء , وتكميم الأفواه , وتكسير الأقلام , وتغيير الدساتير , وسن القوانين التي تعلي من شأن الفساد والطغيان, وتحط من شأن
المواطن وحريته , وكرامته ؟ .
إنه دور المواطن ... دور الشعوب .... دور النخب المؤثرة .... أن تتضافر الجهود , وتُشد السواعد وترص الصفوف ؛
لتغيير هذا الواقع الأليم .
أصلحوا السياسة والقانون , واعملوا على إصلاح اقتصادنا , والقوانين التي تنظم شؤون المجتمع حتى يصير الفرد حرًا في بلاده يقول مايريد ويعبر عن رأيه كما يشاء .
يعيش حياة كريمة كما يعيش غيرنا على هذه المعمورة .
وليبدأ كل منا بإصلاح نفسه وأهل بيته وذويه , فالمسألة إيمانية بالدرجة الأولى .
وسلوك طريق الإصلاح يكون بالوسائل الحكيمة ؛ كما دعانا إلى ذلك ديننا الحنيف , و حرصًا على سلامة مجتمعنا , وهكذا كانت مسيرة الدعوة من قبل , وستظل كذلك بإذن الله تعالى .
وللعلماء دور , دور عظيم للغاية {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ... ) . آل عمران 187 .
وقد جاءت أهمية دورهم بعد أن فسد الأمراء , وتسلط الحكام وكثر المنافقون , والقابضون من جيوب عدونا , والطاعمون على موائدهم .
وكلما اقترب هذا المجتمع وعلماؤه من الله وقويت صلته بربه عز وجل فإن فرصة تحقيق آمالنا ستقترب وتدنو ( و َيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }الإسراء 51 .
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) يوسف .
شعبان شحاته .
Hudahuda2007@yahoo.com

الجمعة، 7 نوفمبر 2008

الربانية.. زادنا وسبيلن

الربانية.. زادنا وسبيلنا بتاريخ 8 من ذي القعدة 1429هجرية / 6 / 11 / 2008 م
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين؛ رب كل شيء وهداه، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الأنبياء وسيد المرسلين؛ سيدنا محمد بن عبد الله.. وبعد..

في ظل ما يواجه الإسلام من تحديات في شتى المجالات وعلى جميع المستويات، وما يعتري العالم من تحولات كبرى ستؤثر- بلا شك- على الدعوة والدعاة؛ يظهر سؤال منطقي: ما الحل وما الملجأ لنحافظ على ثوابتنا ونحقق مستهدفاتنا بدون وقوع تأثير سلبي على الدعوة أو الداعية؟

في الحقيقة أنه عندما تشتد الخطوب تتجلَّى في الأفق طاقةٌ من نور الإسلام، تدعو وتذكر الناس بأنه ﴿لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْه﴾ِ (التوبة: من الآية 118)، ولا نجاة إلا باتباع هداه ﴿فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ (طه: من الآية 123)، وإننا لنجد في هذه الأحداث والتحديات فرصةً عظيمةً للتحلي بالربانية؛ بكل معانيها ووسائلها وصورها.. خلقًا وسلوكًا وواقعًا ملموسًا.

لقد كان الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في غاية الوضوح؛ عندما بيَّن حقيقةَ دعوة الإخوان المسلمين وسموَّ هدفها وغايتها ووسائلها، وأنها دعوة ربانية، وهذا ما نريد أن نؤكده ونرسِّخه في نفوسنا؛ بحيث لا تُنسينا الدنيا- بهمومها وأوهامها- حقيقةَ دعوتنا وطبيعة رسالتنا: "أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية: أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانيةً كريمةً تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصمَّاء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها نحن الإخوان المسلمين لنهتف من كل قلوبنا: "الله غايتنا"؛ فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾ (البقرة:21)، وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعًا، فلم يستطيعوا إلى حلِّها سبيلاً، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح" (رسالة دعوتنا في طور جديد).

من هنا كان عليكم أيها الإخوان المسلمون- وأنتم طليعة هذه الأمة وحاملو لواء دعوتها- التحلي بالربانية والتخلُّق بها، وتحقيقها في أنفسكم؛ لتحققوا صفات العبد الرباني، الذي يتعلم أمر الله ونهيَه، ويعرف شرع الله ووحيَه، فيطبقَه في ذات نفسه، ويدعو غيرَه إليه، ويقوم بعملية الإصلاح في حياة الناس؛ لما فيه خير الناس في عاجلهم وآجلهم، وهكذا يجب أن يكون الفرد من الإخوان المسلمين.. ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ (آل عمران: من الآية 79).
إذا أردنا أن نصل إلى الربانية التي نطمح إليها فلنحققها في ذواتنا أولاً؛ مستشعرين قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام)، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)﴾ (النحل)، وفي بيوتنا.. ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: من الآية 87)، وفي مجتمعنا بتحقيق الخلق الفاضل الذي ينهض بالأمة إلى الخيرية التي رسمها لها ربها ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110).

فالربانية هي الانتساب للرب، وهذا الانتساب لا يتحقق إلا بأن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا؛ فالربانية لا تتأتَّى مكتملةً إلا بهذا؛ بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة، وهو جعل الحياة والممات والحركات والسكنات له سبحانه؛ فلا ننطق إلا بما يُرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله، ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله.

الربانية أولا : أيها الإخوان المسلمون
ينبغي أن تكون الربانية في قمة أولوياتكم، وأن تعملوا جاهدين على تحقيقها بكل ما أوتيتم من قوة وجهد، فحقِّقوا صفات أولياء الله يكلأْكم بكنفه ويشملْكم بحفظه ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (يوسف: من الآية 64) ولا يجعل للشيطان عليكم سبيلاً ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (الإسراء: من الآية 65) هذا ما نريده وما نسعى إليه، وهو واجب كل فرد على حدته في إطار مسئوليته الفردية ليبذل أقصى جهده في تحقيق موجبات الربانية والعبودية.
واجبات : أيها الإخوان المسلمون
عليكم بإحياء الإيمان داخل نفوسكم.. فالإيمان هو المؤدي لكل ما ينشده الفرد في الدنيا والآخرة، ووسائل تجديد الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، وأهمها إحسان الصلة بالله؛ بإقامة الفرائض، والإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة؛ فأقبلوا على الله إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر: "إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة".

واجعلوا اللهَ عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدفَ الأعلى لكم، واجعلوه حاضرًا في قلوبكم وأمامكم في كل أعمالكم، وأخلِصوا التوجه له، وأدرِكوا حقيقة ما خلقكم الله من أجله..﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذاريات)، وحقِّقوا في أنفسكم معنى شعارنا الدائم "الله غايتنا"، وحوِّلوه إلى واقع ملموس.

وعليكم التطلَّع الدائم إلى الدرجات العلا، وأن تجعلوا هدفكم في الحياة هو إرضاء الله عزَّ وجل، والعمل من أجل الفوز بالفردوس الأعلى، وأن تعملوا جاهدين على تحقيق هذه الأهداف السامية لتنالوا رضا الله، واغتنموا كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ، واجعلوها زيادةً في رصيدكم الإيماني ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ( الحشر .

وحقِّقوا الأخوَّة بينكم وطبِّقوها عمليًّا، بدءًا من سلامة الصدر وحتى الإيثار ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر)، فنحن نريد الأخوَّة الحقيقية التي تعين على الطاعة والقرب من الله، وتثري العمل وتدفعه للأمام.

إن الربانية هي مُدَد الحياة الإيمانية، فحافظوا على صلاة الجماعة والصف الأول، وخاصةً الفجر، واقرءوا القرآن، واستمعوا إليه، وتدبَّروه، وقوموا بمعانيه، واعلموا أنه لا سير إلى الله بدون قيام الليل فإنه شرف المؤمن وزاده الحقيقي على تحمُّل تبعات الدعوة ومشقاتها فهو وقود الدعوة، واجتهدوا في الدعاء وقت السحَر واغتنام هذه الأوقات الفاضلة، واعلموا أن قيام الليل هو أفضل معين على تحمُّل أعباء النهار ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾ (المزمل)، واشغلوا أوقاتكم بالذكر والتفكر والصيام ونوافل الخير والطاعات، واعملوا جاهدين على التخلص من كل جواذب الأرض التي تعطِّلكم عن أداء رسالتكم، وصلوا أرحامكم، وكونوا بارِّين بأهليكم وذويكم، وأطيعوا الله فيهم، وأعطوا من أنفسكم القدوة الصالحة لدعوتكم ولدينكم، وكونوا لهم بمثابة الواحة التي بها يأنسون.
أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون
إن الربانية هي إصلاحٌ للنفس والمجتمع، فالربانيون استحفظوا كتاب الله، فهم المسئولون أمام الله عن حفظ الشريعة وعن نقلها وتعليمها لعباد الله ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ (المائدة: من الآية 44)، فالرباني يشعر أن الله سيسأله عن الشريعة كلها، وعن هذه البشرية جمعاء؛ لأنه طلب منه أن يحفظ وَحْيَهُ، وحِفْظُ الوحي لا يكون بمجرد حفظه في الأذهان والقلوب، لكنَّ الحفظَ الحقيقي يكون بحملِه رسالةً وحفظِه أمانةً والعملِ بما فيه، ومن هنا كان علينا جميعًا التحلي بالربانية للنجاة بأنفسنا ونصرة ديننا وعودة مجد أمتنا التليد.

وعلينا الحذر من التصورات الخاطئة والهدَّامة، التي تتسلَّل إلى نفوس البعض؛ بأن كثرة المشاغل والأعباء الدعوية والدنيوية تتعارض مع الربانية والروحية وتؤثر فيهما سلبًا، والعكس هو الصحيح تمامًا؛ فهذه الأعمال تزكي الروح وترفع الجانب الإيماني وتُعين على حسن العبادة لله وإنجاز ما يوكل إلينا من أعمال ونحقق ما نستهدف من خطط وبرامج.
وعلينا أن ندرك أنه لن يتحقق أو ينجز أي هدف أو خطة أو عمل بدون إخلاص التوجه لله وجعل العمل كله له سبحانه .
إن أولى خطوات نجاة العالم كله مما يداهمه؛ تكمن في عودتنا للربانية الجادة والحقيقية، والعمل الجاد لنصرة الإسلام ورفعة شأنه، ومن هنا وجب على كل الغيورين والمخلصين للإسلام العجلة والفرار إلى الله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾ (الذاريات)، وليكن شعارنا ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84) و"لن يسبقني إلى الله أحد"، والله أكبر ولله الحمد.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم، والحمد لله رب العالمين.