إنهم يحاربون ..
ليتصدروا المشهد وحدهم ولإقصاء الإسلام عن مسرح الحياة
لا أحد يستطيع أن يفلت من الأحداث المتلاحقة ، التي
تلدها الأيام الحبالى بكل ما نتوقعه وما لا نتوقعه .
والمشهد ساخن ومتوقد يشد الأعصاب ، ويقلق المشاعر ،
والمؤمن له في هذه الأحداث خواطر ..
فالعين تنظر إلى أولئك الذين يبزغون من حين لآخر بآرائهم
ومواقفهم يريدون أن يديروا دفة الأمور في بلادنا حسبما تملي عليهم شياطينهم .
إنهم يخوضون حربا مقصودة ، ويتخذون وسائل غير مشروعة ويتمسحون
في الوطن والمواطن ولا بأس أن يطالبوا بالعدالة
الاجتماعية والفن والحرية ، بيد أنهم لم يجمعوا شريعة الله ومنهجه من ضمن مطالبهم !!
ونُسيت قواعد الديمقراطية ، وأهملت إرادة الجماهير ،
وطرحت اختيارات الشعوب ؛ لأنها لم تأت بهم !!
ومن ثم يبدو المشهد واضحا ، فهم لا يبحثون عن قيم تضبط
إيقاع الحياة ولا عن موازين تعدل كفتها ، بدليل سكوتهم عن إراقة الدماء ، وعن
الشغب وتعطيل العمل والإنتاج ، وإغلاق الميادين وتعطيل حركة السير والمرور .
ولو كانت معارضة حقيقية – كما يدّعون – ولو كان دافعهم
الوطن والمواطن – كما يزعمون – لرأينا خططا بديلة ، وبرامج مبتكرة ، ووسائل جديدة
لدفع عجلة الإنتاج ، وزيادة حصيلة الاقتصاد .
لأننا نفهم أن المعارضة الشريفة هدفها مصلحة الوطن ،
لكنها تختلف مع النظام الحاكم في الوسائل والرؤى .
بيد أننا لا نرى ذلك في المعارضة عندنا .
بل إنهم يعطلون الإنتاج ، ويعرقلون الخطط ، ويشوهون
المنجزات ، بل إن بعضهم خاطب الدول الأجنبية يدعوها ألا تدعم مصر اقتصاديا !!
ولسان حاله يقول : إما أن نكون في الصورة والصدارة أو
نفشلها .
ومن جهة أخرى يريدون إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحياة
بكل ما أوتوا من قوة ، وعند هذه النقطة تلتقي الأطياف الليبرالية والعلمانية
واليسارية ومن على شاكلتهم .
وهذا ما جعلنا نسترجع الصور القديمة للقوى التي وقفت في
وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ودعوته .
وذلك عندما قالوا : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ
بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ... } سبأ 31
فلا يطيب لهم منهج الله ولا يروق لهم أشكال من يحملونه .
.{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ
وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26
جاء في تفسير الجلالين : عند قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
(لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) إيتوا باللغط ونحوه وصيحوا في زمن قراءته (لعلكم
تغلبون) فيسكت عن القراءة .
وهذا هو النفير الإعلامي والصخب المزعج الذي نسمعه صباح
مساء بلا كلل ولا ملل من السب والشتم من القنوات التي لا تألو في المؤمنين إلا ولا
ذمة ، يشجعهم على ذلك مال مدفوع بغزارة ، إلى كل صاحب رأي ومهارة ؛ لكي يجهضوا المشروع
الإسلامي في مصر ؛ لأن نجاح المشروع الإسلامي في مصر سيكون ضمانة النجاح لهذه
التجربة في كل دول الربيع العربي ، أو في كل الوطن العربي .
ولا تسل عن ضمائرهم ووطنيتهم ، - بعد ذلك – فقد مدوا
أيديهم إلى عدو خارجي وإلى مناوئ داخلي ، ليملأوا جيوبهم ويمدوا هذه الأيدي نفسها
إلى وطنهم بالإيذاء والتخريب !!
وتذكرت معنى آخر في سورة الحج عن تصرف أولئك الذي يكرهون
الشريعة ويبغضون من يحملها :
{ وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ
يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم
بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
}الحج72 .
يقول صاحب الظلال (بتصرف ) :
وأعجب شيء أنهم وهم يعبدون
من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً ، وما ليس لهم به علم . لا يستمعون لدعوة الحق ،
ولا يتلقون الحديث عنها بالقبول . إنما تأخذهم العزة بالإثم ، ويكادون يبطشون بمن يتلون
عليهم كلام الله : إنهم لا يناهضون الحجة بالحجة ، ولا يقرعون الدليل بالدليل إنما
هم يلجأون إلى العنف والبطش عندما يخذلهم الدليل ولايملكون الحجة. وذلك شأن الطغاة
دائماَ يشتجر في نفوسهم العتو ، وتهيج فيهم روح البطش ، ولا يستمعون إلى كلمة الحق
لأنهم يدركون أن ليس لهم ما يدفعون به هذه الكلمة إلا العنف الغليظ!
ومن
ثم يواجههم القرآن الكريم بالتهديد والوعيد : { قل : أفأنبئكم بشر من ذلكم؟ } بشر من
ذلكم المنكر الذي تنطوي عليه نفوسكم ، ومن ذلك البطش الذي تهمون به . . { النار }
. . وهي الرد المناسب للبطش والمنكر { وبئس المصير } اهـ .
ولاحظ
لفظة ( يسطون ) التي تعني يثبون ويقفزون ، وأوصلهم إلى ذلك الحنق والبغض الذي
تنطوي عليه نفوسهم .
وقد
وصف الله تعالى أولئك الكفار في حالهم مع القرآن والإسلام :
{{ وَإِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا
ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الزمر45
أقول : لا شك أن أبصارهم عميت ، وبصيرتهم طمست ...
فكل إنسان ذي عينين يرى ببصره وبصيرته أن عروش الطغاة ما
كان لقوة بشرية أن تزيحها عن كراسي الحكم أو تبعدها عن مسرح الملك ، بما كانت تمتلك
من الجند والعتاد والتحصن بكل أنواع العتاد .
وقديما أغرق الله فرعون صاحب السلطان وعساكره وأركانه ،
وخسف بقارون الأرض صاحب المال ومفاتحه وخزائنه
، وجعلهم عبرة لمن يخشى وآية لمن يتذكر .
ألا فليعلموا أن إرادة الله النافذة وقوة الله المطلقة
هي التي تدير الأحداث وتدبر الأمور وتشكل المشهد . فلن تقف أمام قوة الله قوة ،
ولن تقف أمام إرادة الله إرادة ؛ لأن الله على كل شيء قدير ، وهوسبحانه فعال لما
يريد .
ومثل حالتهم قولُ الشاعر :
كناطح صخرة يوما
ليوهنها فما وهنها ولكن أوهى قرنه الوعل
فهم إذا حسبوها بالمقاييس السياسية ستنتصر الثورة
المصرية والعربية – بإذن الله – ؛ فإن الذين يحملون الأمانة في بلادنا اليوم هم من
يحترم العملية الديمقراطية ، ويتحمل المشاق ويتجشم الصعاب ، وهم طاهرو اليد نظيفوا
الثياب ، حريصون على مشاركة الجميع في المشهد السياسي ، ولا يطمعون في الاستئساد
بكل شيء .
في حين تجد الطرف الآخر لا خطط لديه ولا برامج ، إنما
يتصيدون الأخطاء من هنا وهناك ، ويرغدون حولها ويزبدون ؛ لإشعال الفتنة وإثارة
البلبلة ، طمعا في أن تنصرف إليهم الجماهير ؛ ليكونوا هم المخلّصين !!
وفي هذا ما فيه من تسفيه المواطنين ، لامتطاء ظهورهم من
جديد ليحيوا نظاما قديما ويعيدوا عهدا أليما من الظلم والطغيان التى أراح الله منه
البلاد والعباد .
إن العدو الخارجي لن يجد له مكانا إلا عن طريق هؤلاء
الطامعين لمصالحهم الشخصية الطامحين لأمجادهم الذاتية .
من أجل ذلك فهو يدفع بسخاء ، ويشجع في خفاء ، ويلعب في
دهاء ، لعل الكرّة تكون له ، وأنى لهم هذا ، وقد توكلنا على الله ،واستندنا إليه
واعتصمنا به :
أوحى الله إلى داود" وعزتي ما من عبد يعتصم بي دون
خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها والأرض بمن فيها إلا جعلت له ما
بين ذلك مخرجًا " .
{ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا
سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ }إبراهيم12 .
والله تعالى ينادينا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ
وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران200
فالتقوى مطلوبة في كل مراحل الصبر وفي كل خطوات المشوار
، فليس معنى أن يُظلم المرء أن يتهور دفعا للإيذاء ، أو يركن تحت وطأة العداء .
( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا
تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ
اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
(114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
إذن هو الصبر والتحمل ، والحلم والتجمل حتى تبحر السفينة
وترسو على الجودي ..
وصايا عملية :
وصية لكل عامل لإصلاح البلاد وإقامة الشريعة ، وإرساء القيم
، أن نصلح ما بيننا وبين الله وأن نبذل ما في وسعنا ، وننفق ما في طوقنا {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ
وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن 16 .
والزهد في الدنيا وطرحها خلف الظهور : قال أبو واقد الليثي
:
. تابَعْنَا الأعمالَ (أحْكَمْناها
وعَرَفْناها) فلم نَجِد شيئاً أبلغَ في طَلَبِ الآخِرة من الزُّهْدِ في الدُّنيا)
. والزهد هو : ارتحال القلب عن الدنيا
قوة الإرادة وطول النفس والصبر والمصابرة والمرابطة اليقظة
وحراسة الوطن والدين والتقوى في كل حين
إن الأعمال المطلوبة من الدعاة اليوم أكبر وأكثر في هذا العهد
- عهد البناء - أكثر مما كان مطلوبا منهم وقت
التضييق ، فإذا كان لنا حجة في السابق فما حجتنا اليوم ؟
وترقبوا بعد ذلك النصر والتمكين ...
إن هذا الطريق الطويل اللاحب آخره نصر مبين ، وفوز عظيم ،
لأن وعد الله مؤكد ووعد الله حق ( وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ
قِيلاً }النساء122 ) (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
شعبان شحاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق