- تسريب الوثائق مصلحة صهيونية أمريكية مشتركة
- أمريكا تغطي على سرقة عالمية تخرجها من الأزمة
- هدف التسريب.. إرهاب مَن يخرج عن سياسة أمريكا
حاوره في أنقرة: أحمد صالح
بفعل فاعل.. باتت وثائق (ويكيليكس) هي حديث الساعة، والمداد الجاهز لأقلام السياسيين والصحفيين، وإذا صنف كثيرون الوثائق بين الفضائح المتوالية للإدارة الأمريكية، فإن ثمةَ آراء تحذر من مقاصدها، وتؤكد أن تسريبها كان لخدمة مصالح الاتحاد الصهيوأمريكي .
ومن أهم أصحاب تلك الآراء البروفيسور عارف أرسوي، أستاذ الاقتصاد السابق في عددٍ من الجامعات التركية، والعضو في مجلس الإدارات المحلية للمجلس الأوروبي، والرئيس الأسبق لبلدية جوروم في حكومة الرفاه بتسعينيات القرن المنصرم، والأمين العام لمركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية.
وفي حوارنا مع د. عارف يبسط وجهة نظره في الدور المشبوه لتسريبات (ويكيليكس) في العالم كله، وفي تركيا كذلك التي نالها بعض من التسريبات، وسر خروجها في الوقت الحالي، كما يوضح كيف يمكن للمسلمين الاستفادة منها، والوقاية من خطورتها ومشاكلها، وغيرها من النقاط الأخرى فإلى نص الحوار..
* ما ملاحظاتك على تلك الوثائق؟
** هناك نقطتان مهمتان تتعلقان بهذه الوثائق؛ الأولى: أن وثائق (ويكيليكس) تعطي حتى الآن معلومات محدودة جدًّا؛ لذلك فإن تلك المعلومات التي خرجت تعد طرفًا من جبلٍ ضخمٍ من المعلومات فما خرجَ لا يصل حتى إلى نسبة 5%؛ مما يجب أن يخرج، فهذه المعلومات تظهر كيف أن أمريكا هي التي تدير العالم الآن، وأن الإمبريالية العنصرية تقوم منذ 300 عام بإدارة العالم عن طريق الدسائس والغش والخداع .
النقطة الثانية: هذه الوثائق أو المعلومات تخرج بشكلٍ محكم ودقيق، ولا أبالغ حين أقول إن هذه الوثائق خرجت مقصودة، ولذلك لا نرى الكثير من المعلومات التي تضر مطلقًا بالكيان الصهيوني أو بصورة فعلية بأمريكا.
* وكيف ترى الهدف من نشر تلك الوثائق؟
** الوثائق تعطي معلومات سرية عن بعض الحكام والمسئولين في البلاد الإسلامية، فهي تعتبر رسالةً لكل الدبلوماسيين أن احذروا في تصرفاتكم أو تصريحاتكم، وإلا هناك الكثير من المعلومات والوثائق ممكن أن تخرج عنكم.
وتحذر في ذلك أيضًا مَن يريد أن يخرج عن طوع الإدارة الأمريكية. فلا نغتر حين نرى شجب الأمريكان لهذه الوثائق أو أن أمريكا تضررت إستراتيجيًّا منها، فأمريكا تُخرج بعض المعلومات التي ليست سريةً جدًّا موصلة رسالة تحذير للمتعاونين معها .
نقطة مهمة أيضًا بخصوص الموضوع وهي أننا سنرى في الأيام القادمة خروج كثير من الوثائق والمعلومات سواء بشكلٍ محكم أو عشوائي ووثائق حتى غير (ويكيليكس)، وخصوصًا أننا في عصر الإنترنت وعصر تدفق المعلومات، وكلها تصبُّ في المصلحة الغربية وضد مصالحنا الإسلامية.
والوثائق التي خرجت حتى الآن ظهرت بشكلين الأول ما كتبه الدبلوماسيون بأيديهم وطبعًا هذه تجب إعادة النظر فيها، والثانية هي المعلومات والملاحظات التي أُخذت أثناء اللقاءات بين الدبلوماسيين، وهذه لا يشكك فيها كثيرًا.
وكما ذكرت فتلك الوثائق التي خرجت حتى الآن ليست الوثائق التي تهم العالم الإسلامي كثيرًا فما هي إلا نقطة في بحر، وهي تظهر الإدارة الأمريكية الفاشلة التي تقوم على الخدع والدسائس بين الدول .
وتظهر تلك الوثائق أن الولايات المتحدة الأمريكية طوال السنوات السابقة فشلت في إدارة العالم وحدها، ولم يكن عندها الحكمة حتى أثناء ذلك، وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى وهي أنه يجب على العالم الإسلامي، وكل من يحب الحياة في عدل وسلام أن يتحدوا للقضاء على هذه الإمبريالية العنصرية، ولا يجب أن نترك لهم المجال مرةً أخرى ليزيدوا فسادًا وإفسادًا.
* وكيف تقيم خروج هذه الوثائق في ذلك الوقت بالتحديد؟
** هناك حدثان مهمان جدًّا بعيدان عن أعين العالم الآن؛ هما قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتحريك أموال طائلة في الأسواق حتى تستطيع أن تخرج من الأزمة الاقتصادية التي مرت بها في السنتين الماضيتين، فيقوم البنك المركزي الأمريكي في هذه الفترات بإخراج نقود طائلة (ما يقرب من 400 مليار دولار) دون مقابل وهذه الأموال توزع في الأسواق العالمية، وليس في الأسواق الأمريكية فقط، وخطورة هذا الأمر تتمثل في التالي؛ لو قامت أمريكا بطبع هذه الأموال دون إخراجها إلى بلاد أخرى لحدث تضخم اقتصادي داخل أمريكا، لكن المشكلة أن هذه الأموال تجول العالم دون إحداث تضخم في أمريكا، فطبع أموال دون مقابل هو انتهاك لمصادر دخل للآخرين.
ومن ثَمَّ قامت بإخراج ما يُسمَّى خطة الدرع الصاروخي حتى تستطيع الحصول على هذه الأموال مرة أخرى، وبهذه الخطة تريد أن تحقق شيئين هما استنزاف أموال الدول التي ستؤسس فيها تلك الدروع بما ستقوم به من تسليح لهذه الدروع، لأنه سيأخذ تكنولوجيا تلك الدروع من أمريكا نفسها، والناتو طبعًا لا يقوم بتحمل التكاليف وحده، وحصوله أيضًا على أموال طائلة من خلال الطلبات على تلك الأسلحة.
ونقطة مؤلمة أخرى:
أن الدول المعادية لأمريكا ستحاول تسليح نفسها، وللأسف ستأخذ تلك الأسلحة من أمريكا لكن بطريقة غير مباشرة؛ لأنها بطبيعة الحال سوف تشتري الأسلحة من الدول المخالفة لأمريكا، فأمريكا ستحصل على أموال الدول المتعاونة معهم ومن ناحية أخرى ستقوم بطريقة غير مباشرة باستنزاف أموال الدول المواجهة لها عن طريق النقل التكنولوجي الذي سيحدث.
فهي تقوم الآن بذلك في ظلِّ غياب وعي العالم، ومن ناحيةٍ أخرى تخرج (ويكيليكس) لتغير مسار الاهتمام، فالكل الآن ليس له حديث إلا (ويكيليكس)، وما تخرجه من معلومات.
على سبيل المثال في تركيا قضية الدرع الصاروخي وقبول تركيا له، والجدل حول أنه يؤدي إلى نشوب الصراع بين تركيا وإيران وسلبياته.. إلخ، خرجت وثائق (ويكيليكس) ونُسي تحليل موضوع الدرع الصاروخي في تركيا.
* وفي رأيك من المسئول عن تسريب تلك الوثائق؟
** طبعًا، مسربو هذه الوثائق بالتأكيد هم الصهاينة، وهي لا تخرج بدون علم الإدارة الأمريكية، وكما ذكرت هذه الوثائق تخرج بشكلٍ محكم ومحدود.
ثانيًا هناك قوتان تحكمان هذه الإدارة الأمريكية: قوة نعرفها، وهي التي نراها في اللقاءات، والثانية هي التي نطلق عليها القوى الخفية البعيدة عن الأعين، حتى وزيرة الخارجية كلينتون نددت وقالت: إن هذا لا يصلح ولسنا راضين عما حدث.
فهذه القوى الخفية التي ذكرناها هي التي تقف وراء كل ما فيه العالم الآن من مصادماتٍ وحروبٍ، وتقوم بإثارة القضايا على الساحة؛ وذلك بهدف السيطرة على مجرى الأمور، وطبعًا هذه القوى في النهاية تصبُّ في مصلحة الصهيونية العالمية.
* ما مدى تأثر العلاقات التركية- الأمريكية من جرَّاء هذه التسريبات؟
** من المعروف أن تركيا والمنطقة كلها في العقود الأخيرة سارت- للأسف- في ظلِّ ما تريده الإدارة الأمريكية إلى حدٍّ كبير، لكن الحكومة الحالية في تركيا تتحرك بشكلٍ مختلف تمامًا، ومن وجهة نظري أن حزب العدالة والتنمية يريد أن يتحرك لكنه لا يستطيع أن يتحرك خارج ما وضعته أمريكا من حدود، لأن الأمريكان يرون أنه لو استمرت تركيا بهذا الشكل فسوف تخرج عن السيطرة.
ومهما يكن، فالحكومة التركية تتحرك بحذر شديد، لكن مقارنةً بما سبق نراه تحركًا كبيرًا وجيدًا، فوزير الخارجية داود أوغلو ذو عقلية كبيرة يتحرك بفكرٍ يريد أن يحتوي المنطقة كلها بسياسةٍ جديدة.
لكن بالنسبة للعلاقات الأمريكية- التركية لا أعتقد حدوث قطع للعلاقات أو حتى توترها، فحكومة العدالة والتنمية لا تريد ذلك، وأمريكا أيضًا توصل رسالة لتركيا مفادها أن لها أن توسع علاقتها مع الدول الأخرى لكن دون تكوين أحلاف تقف ضد إسرائيل، وإلا سترجع تركيا إلى عهود الظلام والانقلابات مرةً أخرى، وهذا واضح طبعًا من العلاقات الموجودة.
* لكن أردوغان كان واضحًا في تحذيره لأمريكا ومطالبته بمحاسبة المسئولين..
** أردوغان شخص شجاع ويريد العمل، لكن الظروف لا تسمح له بذلك، فهو يتحدث لكن بعد ذلك لا يستطيع أن يتحرك إلا في ظلِّ حدوده، وهذا يظهر أن الحكومة الموجودة الآن تتخذ أمريكا حليفًا إستراتيجيًّا، وهذا ما يذكره العدالة والتنمية دائمًا ولا يُنكره.
فخلال الفترة المقبلة لن تتأثر العلاقات لهذه الدرجة التي نُفكِّر فيها، فنحن نقول يجب أن نتحرَّك بشكلٍ عادل، فيجب على تركيا أن تتحرك بشكلٍ مستقل، ولا تكون مرتبطةً بأمريكا، أو حتى في تعاون مشترك معها، وتركيا بلد كبير وصاحب حضارة عظيمة، وأصل الموضوع أن أمريكا هي الحليف الأول للصهاينة فيما يقومون به من ظلمٍ على المسلمين.
وهنا لا أقول إننا نقوم بصنع العداوة مع الدول الأخرى لكن يجب أن نقف ضد كل مَن يظلم المسلمين، وهذا يتمثل في مساعدة الأمريكان للصهاينة، هذا هو الظلم بعينه، ويجب أن نستمر في الوقوف ضد هذا الظلم؛ فوظيفة المسلمين ليست تقسيم العالم وصنع العداوات.. قضيتنا هي إعمار وإصلاح هذه الأرض بالعدل والسلام، وهذه هي غاية الخلق، فإذا رفعت أمريكا ظلمها عن المسلمين فلن نذهب ونحاربها.. لماذا هم يأتون ويحتلون أرضنا وينهبون ثرواتنا، ويقومون بنشر هذه الأموال الطائلة المطبوعة بدون مقابل ويأخذون أملاكنا وأموالنا.
* ما الموقف المنتظر من العالم الإسلامي؟
** بطبيعة الحال في العالم الإسلامي توجد شعوب وحكومات، فأغلب الحكومات تحت التحكم الأمريكي أصلاً، وليس لهم شيء يفعلونه فهم سيسمعون ويحاولون تكذيبها تحسينًا لصورتهم أمام شعوبهم، ويجب إخراج تلك المعلومات وشرحها للشعوب كي تعرف هذه الإمبريالية العنصرية؛ لأن هؤلاء قاموا باحتلال العالم طوال 400 عام وتركوه فقيرًا وأخذوا مصادر رزقه ونهبوا ثرواته، وحتى تعرف الشعوب أيضًا أن كثيرًا من الحكام ما هم إلا أداة تستخدمها أمريكا والصهاينة فقام هؤلاء الحكام باستعبادهم.
والشعوب المسلمة لا تؤيد تلك الحكومات، ولكن ما يقع عليها من الظلم والاضطهاد يجعلها لا تستطيع التحرك وبمعرفة كثيرٍ من الحقائق قد يكون هناك يقظة، وتستطيع الشعوب أن تقف ضد هؤلاء الذين جاءوا بالغصب، فصاحب هذه الأرض هي الأمة، فنحن نحتاج إلى نظامٍ عادلٍ حتى نتمكن من إعمار وإصلاح هذه الأرض، وهذه هي القضية وهي الإصلاح، فإذا استيقظت الشعوب المظلومة لا يستطيع الظالم أن يقف على قدميه وأن يثبت؛ لهذا يجب على هذا العالم المظلوم أن يصحو ويستيقظ.
فواجبنا أن نوقظ هذه الشعوب وأن نوعيها. وكما نعلم أن المجتمع الذي لا يستطيع تغيير نفسه لا يستطيع أن يغير السلطة، فالمجتمع الذي يأخذ المدد من الظلمة هو مجتمع نصيبه الذل.
* هل يمكن إذن أن تفيد (ويكيليكس) المسلمين؟
** لن يستفيد كثير من المسلمين من هذه الوثائق، إلا في تركيا فهناك وضع خاص فمثلاً اتهام وزير الخارجية داود أوغلو، وكذلك حزب العدالة والتنمية في هذه الوثائق يجعل الشعب يتجه نحو العدالة والتنمية ويستمر في تعاطفه معه.
ولكن المستفيد الأول من هذه الأحداث أمريكا والصهاينة في تنفيذ وإتمام خططهم لتمرير حل الأزمة الاقتصادية على حساب الآخرين، وتكوين طلب عالمي على السلاح من خلال الدرع الصاروخي، وأيضًا التغطية على ما يقوم به الصهاينة، وإبعاد الأنظار عن الظلم الأمريكي في باكستان وأفغانستان فترة من الزمن.
* ما تقييمكم لتسمية هذه الوثائق بـ11 سبتمبر الدبلوماسي؟ .
** هنا نقطة يمكن ذكرها؛ هذه الوثائق تمثل ما يسمى إرهاب المعلومة، فهي معلومات تأتي فجأةً دون علم، فهي فعلاً إرهاب معلوماتي من نوعٍ جديد، وهي تؤدي إلى إحداث بلبلة بالتأكيد؛ لأن هؤلاء الفاشيين الصهاينة هم ممثلو الشيطان فهم يعملون ليل نهار لتطبيق وتنفيذ كل ما يمليه الشيطان عليهم، فبينما نحن نعمل كمسلمين على الإصلاح والتغيير.. إلخ، يعمل حزب الشيطان أيضًا ليل نهار للإفساد. كما أن هذه الوثائق سيكون لها تأثيرات أخرى نفسية قد لا نعلمها الآن.
وطبعًا سيكون هناك حذر أكثر في التعامل بين الدبلوماسيين، وسيقوم أيضًا الصهاينة وعبيدهم بالبحث عن طريق جديد للتعامل مع العالم، أو يستمر في خداعه، وما يمنيه للناس وهم يصدقونه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق