الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (الأحزاب: 41، 42) وتكرر الأمر بالذكر الكثير في آيات متعددة، وقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ (متفق عليه)، وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، وفي رواية: إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ، قَالَ: "لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (الترمذي وأحمد).
الذكر أفضل الأعمال
أيها الإخوان..
حدَّد الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله مقصد الإخوان المسلمين بقوله: "إن الإخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس، وتجديد الأرواح، وتقوية الأخلاق، وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة، ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تُبنى عليه نهضات الأمم والشعوب".
ويدرك الإخوان أن لا سبيل إلى ذلك إلا السبيل الذي سلكه الداعي الأول صلى الله عليه وسلم، وهو إيقاظ الأرواح، وتوصيلها بالله رب العالمين؛ عن طريق أفضل الأعمال وهو الذكر، قال صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ"، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى" (الترمذي)، وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الذكر سبب السبق والفوز، فقال:"سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ (أي المولعون بكثرة الذكر) يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا" (الترمذي).
والذكر أعظم باب أنت داخله لله فاجعل له الأنفاس حراسا
ومن السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظله: "رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" (متفق عليه).
والذكر هو سبب حياة القلب وتركه سبب موته.. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ (وفي رواية: مَثَلُ الْبَيْتِ) الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ" (متفق عليه).
والذكر سبب في طمأنينة القلوب.. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، ذلك أنَّ قلب المؤمن شديد التأثر بالذكر ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 2)، ولذلك فلا شيء يشغل المؤمن عن الذكر، فالمؤمنون ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ (النور: من الآية 37).
والذكر يردّ المخطئ إلى الصواب.. فيسارع في الرجوع إلى الحق.. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: من الآية 135).
والذكر سبب لاستحقاق معية الله للعبد.. كما قال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 152)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ" (مسلم)، وهي معيَّة بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق، وكفى بهذا فضلاً وشرفًا، فتخيَّل كم يكون مقتضى ذكر الله تعالى من الفتح والنصر والقوة والمعونة والتوفيق!.. ولذلك فالذكر أساس نجاح الداعي وشجاعته في المواجهة.
فالذاكر لله يدرك أن المقادير تجري بأمره، ويمتلئ قلبه بهيبة الله وعظمته، فلا يتردَّد في تبليغ الدعوة والجهر بالحق، وبهذا أمر الله موسى وهارون فقال: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ (طه: 42).
ترك الذكر قسوة للقلب.. قال تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الزمر: من الآية 22)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي" (الترمذي).
ومن عواقب الغفلة عن ذكر الله استحواذ الشيطان على العبد.. ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ (المجادلة: من الآية 19)
( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) الجن .
( وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا )( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه
﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ (الزخرف: 36).
الذكر معنى شامل لكثير من الطاعات.. يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "اعلم يا أخي أن الذكر ليس المقصود به الذكر القولي فحسب، بل إن التوبة ذكر، والتفكُّر من أعلى أنواع الذكر، وطلب العلم ذكر، وطلب الرزق إذا حسُنت فيه النية ذكر، وكل أمر راقبتَ فيه ربك وتذكَّرتَ نظرَه إليك ورقابتَه فيه عليك ذكر، ولهذا كان العارف ذاكرًا على كل حالاته".. قَالَ قَتَادَةُ: "كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ" (البخاري).
الذكر في كل وقت وعلى كل حال.. قال الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "وإذ عرفت هذا أيها الأخ الكريم، فلا تستغرب بعدُ أن يكون المسلم ذاكرًا لله على كل حال، ولا تعجب إذا طالبنا الإخوان المسلمين أن يستنُّوا بسنَّة نبيهم ويقتدوا به، فيحفظوا هذه الأذكار ويتقربوا بها إلى العزيز الغفار.. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾" (الأحزاب: 21).
أيها الإخوان..
لهذا كان من أصول تربيتنا الروحية المحافظة على الوظيفة الكبرى صباحًا ومساءً، فإن ضاق وقتُ الأخ فليقرأ الوظيفة الصغرى، ثم المحافظة على الذكر الدائم في كل المناسبات والأحوال، بل وفي كل الأوقات، وعلى كل الهيئات ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء: من الآية 103)، فذلك سمتُ أولي الألباب ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: من الآية 191).. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل عبادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتًا مخصوصًا، وعذر العباد في غير أوقاتها، إلا الذكر لم يجعل الله له وقتًا مخصوصًا، قال ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 41)".
فأقبلوا أيها الإخوان على الذكر بقلوب لله خاشعة، ونفوس في رحمة الله طامعة ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال: من الآية 45، والجمعة: من الآية 10 .
كيف يكون الذكر ؟ . كل آداب الذكر في قوله تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) الأعراف .
من مقال للأستاذ عاكف بتصرف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق