عبد الكريم رضا
2012-08-22
ماذا سيتمخض من جراء زلزال الربيع العربي من رسم للخريطة الجيو-سياسية الجديدة للعالم العربي؟ ما هي التكتلات العربية-العربية التي ستسيطر على المشهد السياسي العربي المستقبلي؟ هل ستنبني الأحلاف على الجغرافيا؟ أم على الإيديولوجية؟ أم على طبيعة الحكم؟ هل ستنتج الاصطفافات الجديدة حربا باردة سرعان ما ستسخن مع الزمن والأحداث؟ هل هذه التكتلات تعتبر امتدادا للتكتلات الدولية والأحلاف العالمية؟ الأجوبة أو محاولات الأجوبة أكيد أنها ستسلط الضوء على فهم الواقع العربي الجديد، ومعرفة ميزان القوى، ومستقبل الأمة العربية وموقعها بين الأمم.
نظرة أولية ترجح أن التكتلات الجديدة ستركز على الإيديولوجية وعلى طبيعة الحكم بدل الجغرافيا والتواصل الحدودي في عالم، على شساعته، يبدو كالقرية الصغيرة. وهناك أربعة تكتلات أو أطراف، يبدو أنها ستكون الشظايا الرئيسية لعملية تفجير الجامعة العربية المستقبلي، تفجير حتمي مع التباين والتنافر الذي سيظهر لا محالة بين تلك الأطراف، وقد بدأت أولى تلك المواجهات على المستوى الإعلامي، بين تكتل بلدان الربيع العربي، وتكتل مملكات وإمارات الخليج، وبقية العالم العربي.
1) تكتل مجلس الخليج العربي + الأردن والمغرب: لقد شكل بيان مجلس التعاون الخليجي ليوم 10 آيار/مايو 2012 المتضمن الموافقة على انضمام الأردن إليه (بعد طلب عمره 15 سنة)، ودعوة المغرب الواقع في الطرف الآخر من العالم العربي إلى بدأ مفاوضات، صدمة ودهشة للمتابعين والمواطنين على حد سواء، فبينما كان ينتظر المراقبون ضم اليمن الذي طلب ذلك ويشارك في بعض المؤسسات التابعة لمجلس التعاون، تفاجأ الناس بالبيان الذي اخذ الناس على حين غرة. يقول المحلل السياسي إبراهيم شرقية: 'التغييرات التي تعصف بالعالم العربي، وقد تطال منطقة الخليج، هي العامل الرئيسي وراء القرار المفاجئ...إن المجلس يعتزم إقامة تنسيق بين الملكيات العربية الثمانية للوقوف في جبهة واحدة أمام الثورات التي اقتصرت إلى الآن على الجمهوريات'، ويقول في إطار آخر المحلل الكويتي عايد المناع :'ينظر إلى إيران على كونها تمثل تهديدا لأمن الخليج، ودول مجلس التعاون الخليجي يمكنها التعويل على خبرة جيشي المغرب والأردن، البلدين السنيين في مواجهة أي خطر خارجي'. فالقرار ظاهر أنه يمثل ردة فعل ممزوجة برغبة قوية للدفاع عن الذات، ضد ثلاثة تهديدات رئيسية، إيران والتمدد الشيعي، والربيع العربي ونتائجه من ميزان القوى الجديد وسقوط الحلفاء التقليديين، وميل أمريكا والغرب عموما مع حلف دول الربيع العربي، فيبدو أن هذا الحلف الجديد ضد إيران من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى، سيشهد صعوبات على طريق تحقيقه، سيما في شق التنافس ضد تيار الإخوان المسلمين، مع قوة وجود تيار الإخوان المسلمين في الأردن والمغرب، وللتنويه فإن إمارة قطر في حرج بين موقعها الطبيعي في مجلس التعاون الخليجي، وموقعها الإيديولوجي المؤازر للثورات العربية وتيار الإخوان المسلمين.
2) تكتل دول الربيع العربي: لقد شدد وزراء خارجية مصر وليبيا وتونس يوم 29 تموز/يوليو 2012 في 'إعلان القاهرة' على أهمية تواصل الجهود الرامية لتعزيز التشاور السياسي، وتنسيق المواقف فيما بين دولهم في مختلف المحافل الإقليمية والدولية بشكل منتظم، مع الترحيب بانضمام أي دولة عربية، ومواصلة الجهود على خلق فضاء اقتصادي متكامل بين هذه البلدان. وقد صرح وزير خارجية تونس السيد رفيق عبد السلام: 'الدول الثلاثة تمر بظروف متشابهة، حيث إنها بصدد تأسيس أنظمة جديدة تحترم شعوبها'. عدم حضور المغرب يؤكد انضمامه الضمني لحلف المملكات، ثم إن هذا المحور الذي تقوده مصر وتنظيم الإخوان المسلمين بطريقة غير مباشرة، يريد إن يؤسس حلف الثوار الذي أسقط أنظمة مستبدة طالما جثث على صدور شعوبها، يشكل خطرا غير مباشر للزعامة الإسلامية السنية التي كانت إلى أمد قريب تخصيصا سعوديا، ونشهد هذه الأيام حربا باردة بين أطراف ثانوية من الحلفين، اقتصرت في الميدان الإعلامي، وتصريحات الفريق ضاحي خلفان ضد جماعة الإخوان المسلمين.
3) تكتل دول الهلال الشيعي: ويضم هذا الحلف الآن العراق، وسوريا ولبنان، وهم حلفاء إيران المحليين، ويعطي تلاصقهم الجغرافي فيما بينهم أهمية إستراتيجية له، ويسعى هذا الحلف غير المعلن وغير الرسمي، أن يكون وحدة متكاملة في الميدان الاقتصادي والسياسي والأمني، مما يفسر الاستماتة في الدفاع عن نظام الأسد، والحرص على عدم سقوط سوريا في تكتل دول الربيع العربي.
4) تكتل دول عدم الانحياز: وتبقى مجموعة من الدول العربية اليتيمة، التي يمكنها أن تضطر أن تنسق بينها فيما قد يسمى 'دول عدم الانحياز العربية'، وهي الجزائر وموريتانيا، والسودان وفلسطين واليمن، في ردة فعل طبيعية في زمن التكتلات والتحالفات والتجمعات.
قد تكون صورة الخريطة الجيو-سياسية للعالم العربي قد شارفت على الاكتمال واقتربت من وضوح صورتها في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة، وقد تشهد المرحلة المقبلة سجالات وتجاذبات بين مختلف الأطراف في حرب مواقع واستعراض للقوة، أحلاف لا بد أن لا تنسى أن مصالح المواطن العربي والحفاظ عليها، وسؤدده ورقيه هي الأساس لأي تحرك سياسي.
إن التصاق فلسطين المنسية جغرافيا بجميع الأحلاف، تشير إلى أهمية قصوى، وهو أن فلسطين لا بد أن تبقى القضية المحورية للأمة والركيزة الأساسية لأي تحرك سياسي، ولا بد أن تنتقل فلسطين من 'سجل تجاري' لكثير من المحاور السياسية، إلى 'سجل نضالي حقيقي' للذود عن المقدسات والدفاع عن قضية فلسطين الخالدة في ميدان الأعمال لا ميدان الأقوال والأمنيات.
' كاتب صحافي مغربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق