ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

الأحد، 13 ديسمبر 2009

القدس لن تضيع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يتولى الصالحين , ويقصم ظهور الجبارين , والصلاة والسلام على إمام المتقين , وقائد المجاهدين , وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد ..
فهذه رسالة قصيرة أوجهها للمحتلين والمستعمرين , و لحكام العرب والمسلمين , ولشعوبنا وعلمائنا ومثقفينا , ولكل من يركب ظهر هذه المعمورة .
أيها الناس إن أرض المسلمين , التي أبيحت للمحتلين في آسيا وأطرافها , وفي قلب أوربا , في الهند وكشمير والشيشان وأفغانستان وباكستان , والعراق وفلسطين وغيرها .
وفي البوسنة والهرسك , وأرض البلقان , وفي البلدان التي تعيش بها الأقليات الإسلامية .
إن هذه الممتلكات ستعود إلى أحضان الأمة على يد الخلافة المنشودة , وسترفع عليها رايات التوحيد وبنود الإسلام .
واعلموا أن الإسلام يأبى أن يهزم أتباعه في أرضه .
فالصليبيون بقوا في فلسطين ما يقرب من تسعين عاما , ثم هزموا ودحروا شر هزيمة ( على يد صلاح الدين ).
ومن قبلهم كانت أكبر قوى الشر التي عرفها التاريخ وهم التتار الذين اكتسحوا العالم من آخر الدنيا , وعندما وصلوا إلى قلب العالم الإسلامي قيض الله من يرد كيدهم ويكسر شوكتهم ( قطز ) .
وانهزم الاحتلال الفرنسي في الجزائر بعد بحور من دماء المسلمين , وطردوا من مصر والشام .
وهزم اليهود على أيدي المصريين ومرغت كرامتهم , وكشفت حقيقة قوتهم المزعومة , وتقلصت أحلامهم ( من النيل إلى الفرات ) , وصارت أمنيتهم( ما دون غزة ) .
إن الذين يسكتون على ما يحدث ويدور في القدس اليوم هم شركاء في الجريمة بسكوتهم , وإن لم تحاسبهم الشعوب , فسيحاسبهم جبار السموات والأرض , في يوم لا ينفع فيه منصب ولا مال , ولا سلطان ولا جاه .
وإذا كان من أدوار اليهود في المنطقة العربية الضغط على طلائع البعث الإسلامي , وحركات التحرر الوطني , وقمع الشعوب حتى لا تقوم بتحرير أوطانها من كل سلطان أجنبي : عسكري أو ثقافي , أو اقتصادي , فإن ذلك لن يدوم طويلا .
فقد مضت سنوات الظلم ولم يبق منها إلا أيام , وتبددت أحلام المحتلين ولم يبق منها إلا الأوهام .
ولن يضيع حق وراءه مطالب .
أجيبوني أيها الناس : أين دولة الظلم التي بقيت ؟ أين الطغاة الذين عمروا عشرات السينين ؟ بل أين ممالك فرعون ذي الأوتاد , وعاد إرم ذات العماد , التي لم يخلق مثلها في البلاد ؟ .
فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد ""
إن المسلمين لن يفرطوا في ( ناجورنو كراباغ ), ولا في كشمير) ولا في ( تركستان ) , ولا في شعب
(أورومو ) ولا في مسلمي بورما والفلبين أبدا مهما طال الزمان .
أما فلسطين مسرى النبي الأمين , وقلب العالم الإسلامي فلا وألف لا , مهما كانت الضغوط ومهما استمرت الآلام.
فكل من يسجن من أجل فلسطين , وكل من يؤذي , وكل من ينفق , وكل من يكتب بقلمه أويسطر بدمه يحتسب ذلك في سبيل الله ويستعذبه , ولن يقف مداد الجهاد , حتى يعود الحق إلى نصابه , ويرجع الوطن إلى أهله .
( ولتعلمن نبأه بعد حين ) .
شعبان شحاته
مدونة الطريق إلى محبة الله

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

المجال الثامن ( المنهج الدراسي )

المجال الثامن ( المنهج المدرسي ) السجلات المطلوبة للمنهج المدرسي خاصة بكل ما يتعلق بالمنهج من كتب ودليل المعلم ومدى استخدامه لتحقيق أهدافه وطرق التدريس المختلفة وجميع الأنشطة الصفية واللاصفية المصاحبة لكل منهج كذلك سجلات خاصة بالوسائل المتاحة بالمدرسة وحجرات الأنشطة وسجلات المشاركة المجتمعية كيف تخدم تنفيذ الأنشطة كتبادل الزيارات والرحلات الميدانية التي تربط المنهج بالبيئة
المجال الثامن : المنهج الدراسي
الوثائق المطلوبة فى الملف:
لوحات إرشادية معلقة على جدران المدرسة توضح كيفية المحافظة على البيئة
الوسائط التكنولوجية المتوفرة بالمدرسة
أسماء وعناوين المؤسسات التى تم الاستفادة منها فى عملية التعلم
خطة مكتوبة للأنشطة الصفية محدد بها أسماء الأنشطة وأهدافها .
الجدول الدراسي موضح به الفترة الزمنية المحددة للأنشطة الصفية واللاصفية .
سجلات الإمكانات والخامات اللازمة لتنفيذ الأنشطة الصفية.

سجلات الإمكانات والخامات اللازمة لتنفيذ الأنشطة اللاصفية
التقارير الدورية المكتوبة لتنفيذ الأنشطة الصفية
الوسائل التكنولوجية المستخدمة لتنفيذ سجلات الانشطة الصفية

التقارير الدورية المكتوبة لتنفيذ الأنشطة اللاصفية
قائمة الاحتياجات المادية والمالية التى تحتاجها المدرسة لتنفيذ أنشطتها الصفية واللاصفية
صورة من الخطابات التى ترسلها المدرسة للمجتمع المحلى للحصول على دعم مالى ومادى لتنفيذ الأنشطة الصفية
صورة من الخطابات التى ترسلها المدرسة للمجتمع المحلى للحصول على دعم مالى ومادى لتنفيذ الأنشطة اللاصفية
سجل الزيارات المدرسية للتعرف على أنواع الزيارات المختلفة ، وكيفية الاستفادة منها
سجلات ( الدورات التدريبية – الندوات التدريبية ) التى أقيمت بالتعاون مع المؤسسات التربوية المختلفة.

سجلات – صور فيديو – cd للمسابقات المحلية – القومية – الدولية) التى اشتركت فيها المدرسة.

أهداف إدارة الجودة الشاملة

• الجودة Quality ثورة إدارية جديدة وتطوير فكرى شامل وثقافة تنظيمية جديدة، تؤكد علي إن كل فرد في المؤسسة (المدرسة) مسئول عنها لكي توصلنا إلى التطوير المستمر في العمليات وتحسين الأداء، إن تعبير الجودة ليس تعبيراً جديداً، وخير دليل على ذلك ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم - تؤكده، وندلل علي ذلك بعرض بعض منها فيما يلي:
 "صنع الله الذى أتقن كل شئ" (النمل،88)
 "انا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (الكهف،30)
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم "ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه" (رواه مسلم)
• نفهم من ذلك إن الجودة هى الإتقان والعمل الحسن .
• المطلوب
• أهداف إدارة الجودة الشاملة:
• حدوث تغيير في جودة الأداء.
• تطوير أساليب العمل.
• التحفيز على التميز وإظهار الإبداع.
• الارتقاء بمهارات العاملين وقدراتهم.
• تحسين بيئة العمل.
• تقوية الولاء للعمل فى المدرسة/المؤسسة.
• تقليل إجراءات العمل الروتينية واختصارها من حيث الوقت والتكلفة.
• التخطيط للدرس على شكل خطوات إرشادية قابلة للتعديل والتطوير حسب المواقف التي يواجهها في الفصل.
• توظيف أسلوب حل المشكلات حتى يصبح التلاميذ أكثر فاعلية فى مواجهة مشكلاتهم.
• أصبح دور المعلم قائدا ومدربا ومقوما تربويا للطلاب.
• الالتزام بالتحسن المستمر.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

محاسبة النفس

في ختام العام الهجري وبداية عام جديد

الحمد لله الذي أمرَ بمحاسبةِ النفوس ، وجعلَ عملها للصالحاتِ خيراً من الجلوس ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ، الذي رفعَ بالمحاسبةِ الرؤوس ، وأعلى بها النفوس ، وأشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبده ورسولُـه ، طبيبُ النفوس ، أمر بمحاسبةِ النفس ، قبلَ اليومِ العَبوس ، صلى الله عليه وسلمَ كلما حوسبت نفسٌ وأُزيلَ رجس ، وعلى آله وصحبه ومن سارَ على نهجهِ إلى يوم الدين ، أما بعد : إن من أعظمِ الأمانات أمانةُ النفس ، فهي أعظمُ من أمانةِ الأموالِ والأولاد ، أقسمَ الله بها في كتابه ، ولا يقسمُ الله إلا بعظيم ، قال تعالى : ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( وقد جعلَ الله لهذهِ النفس طريقين : طريقُ تقوىً وبه تفوزُ وتُفلح ، وطريقُ فجورٍ وبه تَخسر وتَخيب .

والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم ، يرى رُخص النفوسِ عند أهلِـها ، ويرى الخسارةَ في حياتِـها لعدمِ مُحاسبتِها ، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ لا ينفعُ فيه التحسر ، يقول جل شأنه : } أنْ تَقولَ نَفسٌ يا حَسْرتى عَلى ما ! فَرطتُ في جَنْبِ اللهِ وإنْ كُنْتُ لَمِنَ الساخِرين { .

وبتركِ محاسبة النفس تسلط الشيطانُ الذي دعا إلى المعصية ، وحذّر من الطاعة ، وزينَ الباطل ، وثبطّ عن العَملِ الصالح وصدّ عنه . وبتركِ محاسبة النفس تمكنت الغفلةُ من الناسِ ، فأصبحَ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولهم أعينٌ لا يبصرونَ بها ، ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها ، أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضل ، أولئكَ هم الغافلون .

يقول جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

يقولُ ابنُ كثيرٍ – رحمه الله – في تفسيرِ قولِه تعالى : { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } : (( أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِـكم من الأعمالِ الصالحةِ ليومِ معادِكم وعرضِـكم على ربِكم ، واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم ، لا تخفى عليهِ منكم خافيه )) انتهى كلامه رحمه الله .

* ويترتبُ – كذلكَ – على ترك محاسبة النفس أمرٌ هامٌ جداً ، ألا وهو هلاكُ القلب ، هـلاكُ القلب ! يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله - : " وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواها " .

وقالَ رحمه الله في إغاثةِ اللهفان : " وتركُ المحاسبة والاسترسالُ وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُـها ، فإنَّ هذا يقولُ بهِ إلى الهلاكِ ، وهذه حالُ أهلِ الغرور ، يُغْمضُ عينيهِ عن العواقبِ ويُمَشّي الحال ، ويتكلُ على العفو ، فيهملُ محاسبة نفسهِ والنظرُ في العاقبة ، وإذا فعلَ ذلكَ سَهُلَ عليه مواقعةُ الذنوبِ وأنِسَ بها وعَسُرَ عليه فِطامُها ولو حَضَرَه رُشْدَه لعلِم أنّ الحميةَ أسهلُ من الفِطام وتركُ المألوف والمعتاد " انتهى كلامه رحمه الله . وكتبَ عمرُ بن الخطابِ t إلى بعضِ عمُّالِهِ :
(( حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشدة ، فإن من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة ، عادَ أمرُه إلى الرضا والغبطة ، ومن ألهته حياته وشغلتْـهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى الندامةٍ والخسارة )) .

وكان الأحنفُ بن قيسٍ يجيءُ إلى المصباحِ فيضعُ إصبَعهُ فيه ثم يقول : يا حُنيف ، ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا ؟ ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا ؟

وقال الحسن – رحمه الله - : " إن المؤمنَ واللهِ ما تراهُ إلا يلومُ نفسهُ على كلِّ حالاته ، يستقصرها في كل ما يفعل ، فيندمُ ويلومُ نفسَهُ ، وإنّ الفاجرَ ليمضي قُدُمـاً لا يعاتبُ نفسَه " .
فيجبُ أن يكونَ المؤمنُ محاسباً لنفسهِ مهتماً بها ، لائماً على تقصيرِها قال الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى : (( ومن تأملَ أحوالَ الصحابةِ رضي الله عنهُم وجدَهم في غايةِ العملِ معَ غايةِ الخوف ، ونحن جمعنا بين التقصير ، بل بين التفريطِ والأمن )) .

هكذا يقولُ الإمامُ ابن القيمِ عن نفسه وعصره !

فماذا نقولُ نحنُ عن أنفسِـنا وعصرِنا ؟!
• ولمحاسبةِ النفس نوعـان : نوعٌ قَبلَ العمل ، ونوعٌ بعدَه .

§ النوعُ الأول : محاسبة النفس قبل العمل :
وهو أن ينظرَ العبدُ في هذا العمل ، هل هوَ مقدورٌ عليهِ فيعملَه ، مثل الصيام والقيام . أو غيرَ مقدورٍ عليهِ فيتركَه . ثم ينظر هل في فعله خيرٌ في الدنيا والآخرة فيعملَه ، أو في عملِه شرٌ في الدنيا والآخرة فيتركَه . ثم ينظر هل هذا العمل للهِ تعالى أم هو للبشر ، فإن كان سيعملُه لله فعلَه ، وإن كانت نيتَهُ لغيرهِ ترَكه .

§ النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل : وهو ثلاثة أنواع :

* النوعُ الأول : محاسبة النفس على طاعاتٍ قصَّرتْ فيها .
كتركها للإخلاصِ أو للمتابعة ، أو تركِ العمل المطلوب كترك الذكر اليومي ، أو تركِ قراءةِ القرآن ، أو تركِ الدعوة أو ترك صلاةِ الجماعة أو ترك السننِ الرواتب . ومحاسبة النفس في هذا النوعِ يكون بإكمالِ النقص وإصلاح الخطأ ، والمسارعةِ في الخيرات وترك النواهي والمنكرات ، والتوبةِ منها ، والإكثارُ من الاستغفار ، ومراقبةُ اللهِ عز وجل ومحاسبة القلب والعمل على سلامتِه ومحاسبةُ اللسان فيمـا قالَه ، وإشغالِه إما بالخيرِ أو بالصمت ، وكذلك يكونُ بمحاسبة العين فيما نظرت ، فيطلقها في الحلالِ ويَغُضُّها عن الحرام ، وبمحاسبة الأُذن ما الذي سَمِعته ، وهكذا جميعِ الجوارح .

* النوعُ الثاني من أنواع محاسبة النفس بعد العمل :
أن يحاسبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تركُهُ خيراً من فعله ؛ لأنهُ أطاعَ فيه الهوى والنفس ، وهو نافذةٌ على المعاصي ، ولأنهُ من المتشابه ،
يقولُ صلى الله عليه وسلم : (( إن الحلال بَيِّن ! وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقعَ في الشبهات وقع في الحرام )) . ويقولُ عليه الصلاة والسلام : (( دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك )) .

* والنوع الثالث :
أن يُحاسبَ الإنسانُ نفسَه على أمرٍ مباح أو معتاد : لـمَ فعله ؟ وهل أرادَ به الله والدارَ الآخرة فيربح ، أم أرادَ به الناسَ والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوتَهُ الظَفَرُ به .
• ولمحاسبة النفس فوائدٌ جمّةٌ ، منها :

أولاً : الإطلاعُ على عيوبِ النفس ، ومن لم يطلع على عيبِ نفسِه لم يمكنهُ معالجتُه وإزالته .

ثانيـاً : التوبةُ والندمُ وتدارك ما فات في زمنِ الإمكان .

ثالثـاً : معرفةُ حقُ اللهِ تعالى ، فإن أصلَ محاسبةُ النفس هو محاسبتُـها على تفريطها في حقِ الله تعالى .

رابعـاً : انكسارُ العبد وتذلُلَه بين يدي ربه تبارك وتعالى .

خامساً : معرفةُ كرَمِ الله سبحانه ومدى عفوهِ ورحمتهِ بعبادهِ في أنه لم يعجل لهم عقوبتَهم معَ ما هم عليه من المعاصي والمخالفات .

سادسـاً : الزهد ، ومقتُ النفس ، والتخلصُ من التكبرِ والعُجْب .

سابعـاً : تجد أنَّ من يحاسبُ نفسَهُ يجتهدُ في الطاعةِ ويترُكُ المعصية حتى تَسهُلَ عليهِ المحاسبةُ فيما بعد .

ثامنـاً : ردُ الحقوقِ إلى أهلِـها ، ومحاولةُ تصحيحِ ما فات .

وغيرها من الفوائد العظيمة الجليلة .

• وهناكَ أسبابٌ تعينُ المسلمَ على محاسبةِ نفسهِ وتُسهِّلُ عليهِ ذلك ، منها ما يلي :

1. معرفةُ أنك كلما اجتهدت في محاسبةِ نفسكَ اليوم ، استراحتَ من ذلك غداً ، وكلما أهملتها اليوم اشتدَّ عليكَ الحسابُ غداً .

2. معرفةُ أنَّ ربحَ محاسبة النفس هو سُكْنى الفردوس ، والنظرُ إلى وجهِ الربِ سبحانه ، وأنَّ تركها يؤدي بك إلى الهلاكِ ودخولِ
النار والحجابِ عن الرب تبارك وتعالى .

3. صحبةُ الأخيار الذينَ يُحاسبونَ أنفسَهُم ، ويُطلِعونَك على عيوبِ نفسِكَ ، وتركُ صحبة من عداهم .

4. النظرُ في أخبارِ أهل المحاسبةِ والمراقبة ، من سلفِنا الصالح .

5. زيارةُ القبورِ والنظرُ في أحوالِ الموتى الذين لا يستطيعونَ محاسبةَ أنفسِهم أو تدارُكِ ما فاتَـهم .

6. حضورُ مجالس العلمِ والذكر فإنها تدعو لمحاسبة النفس .

7. البعدُ عن أماكن اللهوِ والغفلة فإنها تُنسيكَ محاسبةَ نفسك .

8. دعاءُ اللهِ بأن يجعلك من أهلِ المحاسبة وأن يوفقك لذلك .

• كيفَ أحاسبُ نفسي ؟ سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى .

وللإجابة على هذا التساؤل : ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي :

أولاً : البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ .

ثانياً : النظرُ في المناهي ، فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحية .

ثالثاً : محاسبةُ النفس على الغفلةِ ، ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم .

رابعاً : محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ، ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ، ماذا أردتُ بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟
قال ابن قدامة في كتابه : مختصر منهاج القاصدين :

وتحققَ أربابُ البصائر أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار - الناتجة عن عدمِ محاسبة النفس - إلا لزومُ المحاسبةِ لأنفسِهم وصِدْقُ المراقبة ، فمن حاسبَ نفسهُ في الدنيا خفَّ حسابه في الآخرة ، ومَن أهملَ المحاسبة دامتْ حسراته ، فلما علموا أنهم لا يُنجيهم إلا الطاعة ، وقد أمرَهم بالصبرِ والمرابطةِ فقالَ سبحانه : }يا أيُّها الَذينَ آمَُنواْ اصبِروا وَصابِرواْ ورابِطوا{ فرابطوا أنفسَهم أولاً بالمشارطةِ ثمّ بالمراقبة ، ثم بالمحاسبةِ ثم بالمعاقبة ، ثم بالمجاهدةِ ثم بالمعاتبة ، فكانتْ لهم في المرابطةِ سِتُّ مقاماتٍ أصلُها المحاسبة ، ولكنْ كلّ حسابٍ يكونُ بعدَ مشارطةٍ ومراقبة ، ويتبعهُ عندَ الخُسران المعاتبةُ والمعاقبة . نأخذها الآنَ بشيءٍ منَ التفصيل :

المقامُ الأول : المشــارطة :
اعلم أنّ التاجرَ كما يستعينُ بشريكهِ في التجارةِ طلباً للربح ، ويشارطهُ ويحاسبه ، كذلك العقلُ يحتاجُ إلى مشاركةِ النفس وشرطِ الشروطِ عليها وإرشادِها إلى طريقِ الفلاح ، والتضييقِ عليها في حركاتها وسكناتها . فمثلاً : إذا فَرِغَ العبدُ من صلاةِ الصُبْح ، ينبغي أن يُفرغَ قلبَه ساعةً لمشارطةِ نفسهِ

فيقولُ للنفس : ماليَ بضاعة إلا العُمُر ، فإذا فَنِيَ مني رأس المال وقعَ اليأسُ من التجارةِ وطلبِ الربح . فليقُل أحدُنا الآنَ قبلَ الموت : يا نفس ، اجتهدي اليومَ في أن تعـمُري خِزانتكِ ولا تدعيها فارغة ، ولا تَميلي إلى اليأسِ والدَعَةِ والاستراحة فيفوتكِ من درجاتِ عليينَ ما يُدْرِكه غيرَكِ المقامُ الثاني : المراقبــة :

إذا أوصى الإنسانُ نفسَهُ وشَرَطَ عليها ، لم يبقَ إلا المراقبة لها وملاحظتها وفي الحديثِ الصحيح في تفسيرِ الإحسان ، لما سُئِلَ عنهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : (( أنْ تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك )) . فمراقبة العبد نفسَه في الطاعة هو أن يكونُ مخلصاً فيه! ا ، ومراقبته في المعصيةِ تكونُ بالتوبةِ والندمِ والإقلاع ، ومراقبته في المباح تكونُ بمراعاةِ الأدب والشكرِ على النعيم ، وكلُّ ذلك لا يخلو من المراقبة .

المقام الثالث : المحاسبةُ بعدَ العمل :
اعلم أن العبدَ كما ينبغي أن يكونَ له وقتٌ في أولِ النهار يشارطُ فيهِ نفسه ، كذلك ينبغي أن يكونَ له ساعةٌ يطالبُ فيهِ نفسه في آخرِ النهار ويحاسبُها على جميعِ ما كانَ منها ، كما يفعلُ التُجّار في الدنيا معَ الشُركاءِ في آخرِ كل سنةٍ أو شهرٍ أو يوم .

المقام الرابع : معاقبةُ النفسِ على تقصيرِها :
اعلم أن العبدَ إذا حاسبَ نفسهُ فرأى منها تقصيراً ، أو فعلَتْ شيئاً من المعاصي ، فلا ينبغي أن يهملَها ، فإنه يَسْهُلُ عليهِ حينئذٍ مقارفةُ الذنوب ويعسرُ عليه فِطامُها ، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبةً مباحة ، كما يعاقبُ أهلَهُ وأولادَه . وكما رويَ عن عمر رضي الله عنه : أنه خَرجَ إلى حائطٍ له ثم رَجعَ وقد صلى الناسُ العصرَ ، فقال : إنما خرجتُ إلى حائطي ورَجعتُ وقد صلى الناسُ العصرَ ، حائطي صدقةٌ على المساكين .

المقام الخامس : المجــاهدة :
إذا حاسبَ الإنسانُ نفسَه ، فينبغي إذا رآها قد قارفت معصيةً أن يُعاقبـَها كما سبق ، فإن رآها تتوانى للكسلِ في شيءٍ من الفضائلِ أو وِرد من الأوراد ، فينبغي أن يؤدبـَها بتثقيلِ الأورادِ عليها ، كما وردَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه ، أنه إذا فاتته صلاةٌ في جماعةٍ فأحيا الليلَ كلَّه! ُ تِلكَ الليلة ، فهوَ هُنا يجاهدُها ويُكرِهُهَا ما استطاع .

المقام السادس والأخير : معاتبةُ النفسِ وتوبيخُـها :
قال أنس رضي الله عنه : سمعتُ عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه ، وقد دخلَ حائطاً ، وبيني وبينه جدار ، يقول : عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين !! بخٍ بخ ، واللهِ لتتقينَ الله يا ابن الخطاب أو ليُعذبنَّك ! .

أخي الحبيب : اعلم أن أعدى عدوٍ لكَ نفسُكَ التي بين جنبيك ، وقد خُلِقتْ أمارةً بالسوءِ ميالةً إلى الشرورِ ، وقد أُمرتَ بتقويمها وتزيكتها وفطامها عن موارِدِها ، وأن تقودَها بسلاسلِ القهْرِ إلى عبادةِ ربِها ، فإن أنتَ أهملتها ضلّتْ وشَرِدتْ ، وإن لزمتَها بالتوبيخِ رَجونا أن تصيرَ مُطمئنة ، فلا تغفلنّ عن تذكيرِها .

أخي الحبيب : كم صلاةٍ أضعتَها ؟ كم جُمُعَةٍ تهاونتَ بها ؟ كم صدقةٍ بَخِلتَ بها ؟ كم معروفٍ تكاسلتَ عنه ؟ كم منكرٍ سكتَّ عليه ؟ كم نظرةٍ محرمةٍ أصبتَها ؟ كم كلمةٍ فاحشةٍ أطلقتها ؟ كم أغضبتَ والديك ولم ترضِهِما ؟ كم قسوتَ على ضعيفٍ ولم ترحمه ؟ كم من الناسِ ظلمتَه ؟ كم وكم ...؟
إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ يومٍ يُدني من الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم ، وصلى الله وسلمَ وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين .
( الموضوع مقتبس بكامله من أحد المواقع ) .



دروس من الهجرة

الشيخ سيد قطب بتصرف يسير .

إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة النبوية ككل احتفالٍ بذكرى من الذكريات الأرضية أو بعملٍ من أعمال الناس، كما يجب أن يكون لهذا الاحتفال طابع خاص، وأن يكون لهذا الاجتماع جوٌّ خاص، وأن نُهيئ نحن أنفسنا لنكون جديرين بالاحتفال بهذه المناسبة الكريمة، ولن نكون جديرين بأن نحتفل بيوم الهجرة إلا حين نرتفع بأرواحنا، وحين نرتفع بأخلاقنا، وحين نرتفع بأعمالنا وقيمنا إلى هذا المستوى الشامخ الرفيع، مستوى الهجرة النبوية الشريفة.

الواقع الفعلي للسيرة
إنَّ سيرةَ الرسول- صلى الله عليه وسلم- وسيرة هذا الإسلام لا يجوز أن تكون تاريخًا يُتلى ولا أن تكون احتفالاتٍ تمضي، إنما يجب أن تكون حياةً تُعاد، وأن يكون واقعًا يُحقق.. إنما جاء الإسلام ليكون واقعًا حيًّا في تاريخ المسلمين، وإنما مضت هذه الأيام لتكون فيها إلى الأبد قدوةً وأسوةً لمَن يتبعون رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

كيف نحتفل بالهجرة؟
يجب إذا حاولنا أن نحتفل بالهجرة أن نرتفع بأنفسنا إلى مستوى أيام الهجرة.. أن نرتفع بأرواحنا إلى مستوى أيام الهجرة.

فهذا الإسلام جاهزٌ وقديرٌ على أن يحقق ما حققه مرةً في تاريخ البشرية، إنه لم يجئ لفترةٍ ولم يجئ لمكان، لقد جاء للزمان كله.. وجاء للأرض كلها.. وجاء للبشرية كلها.

فإذا شئنا نحن اليوم أن نحتفل بيومٍ من أيامه، فلا يجوز أن نقرب هذا الاحتفال إلا إذا أعددنا أنفسنا كما يُعد المؤمن نفسه للصلاة بالوضوء، وكما يتهيأ بروحه ليقف بين يدي الله عز وجل.. يجب أن نرتفع إلى إدراك المعاني الكبيرة الكامنة في هذا اليوم الكبير.

ومعاني هذا اليوم لا تحصيها ساعة، ولا تحصيها خطبة، ولا يحصيها كتاب، فهي كتاب مفتوح للبشرية منذ 1400 عام، إنما نحاول أن نلخص شيئًا.. نحاول أن نُقلب صفحاتٍ قلائل من هذا الكتاب الضخم الذي لم تنته صفحاته على مدى 1400 عام، ولن تنتهي صفحاته حتى يرث الله الأرض ومن عليها: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾ (الكهف).

• الصفحة الأولى: التجرد :

الصفحة الأولى من صفحات هذا اليوم المجيد في تلك الكلمات الخالدة للنبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمات التي فاه بها لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- لقريشٍ بعظمائها وساداتها.. "يا بن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفًا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا"، فجاء الرد الحاسم:"والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

فإذا بتلك الكلمات القلائل تخط أول صفحة من الصفحاتِ المشرقة الكريمة في تاريخ الدعوة.. بهذه الكلمات نبدأ تلك الصفحات الكريمة، لم يكن محمد- صلى الله عليه وسلم- مضطرًا أن يهاجر أو أن يغترب لو أنه أخذ المال والجاه.. ولكن محمدا - صلى الله عليه وسلم- كان يريد ما هو أعظم من أن تضع الشمس في يمينه والقمر في يساره، وما هو أعظم من السماوات والأرض، ما هو أعظم من النجوم والكواكب.

كان يريد عقيدةً تُنتشر وفكرةً تسود ومجتمعًا يتكون وإسلامًا يقوم على وجهِ الأرض يُعلم الناس ما لم يتعلموه قبل هذا الإسلام العظيم.

هذه هي الذكرى الأولى، وهذه هي الخطوة الأولى التي استصعدنا بها محمد- صلى الله عليه وسلم- في بدء خطواته.. فلنوجه إليها قلوبنا ونحن نحتفل بهذا اليوم.

وإن وجدنا أننا لا نستطيع أن نرتفع هذا الارتفاع، ولكن نتطلع إلى هذا الأفق ليدفعنا إليه.. إذا وجدنا في أرواحنا خفةً للتحقيق.. إذا وجدنا في أنفسنا زهدًا في مال.. وزهدًا في منصب.. وزهدًا في جاه؛ لأننا نريد أكثر من المال والجاه والمنصب، إذا أحسسنا في أنفسنا هذا الإحساس.. كنا جديرين أن نحتفل بيومٍ من أيام محمد صلى الله عليه وسلم.
واجبنا نحو أيام محمد صلى الله عليه وسلم
ومنذ اليوم يجب أن نستحضر في أنفسنا هذا الملحاظ فلا نجرؤ على الاحتفال بيومٍ من أيام محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا أن نكون على استعداد للاقتداء بأفعاله .
إن ذكريات محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن ترخص.. لا يجوز أن تصبح سلعةً في السوق.. لا يجوز أن تكون مجالاً لأن يحتفل بها كل مَن يحتفل قبل أن يُعد نفسه لهذا المستوى الرفيع، لهذا المستوى الكريم الذي أعدَّ محمد صلى الله عليه وسلم نفسه له وهو يقول:"والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

حقيقة طريق الدعوة
مَن شاء أن يسلك طريق هذه الدعوة فليعرف أنه لا يأتي إلى المال وليتأكد أنه لا يؤدي إلى منصب، وليوطد نفسه أنه لا يؤدي إلى جاه في الأرض وإن كان يؤدي إلى جاه عند الله .
مَن شاء أن يسلك طريق هذه الدعوة فليعلم أن الوزارة قد تفوته، وأن الإمارةَ قد تفوته، وأن المال قد يفوته، وأن الجاه قد يفوته.. ويبقى له ما هو أكرم من هذا كله.. ويبقى له وجه ربه ذي الجلال والإكرام .

• الصفحة الثانية: إعداد النفس للتضحية

معنى آخر من معاني الهجرة يجب أن نستحضره في أرواحنا.. يجب أن نُعد أنفسنا له.. هو ما قاله الله عز وجل وهو يخاطب رسوله- صلى الله عليه وسلم- في أول الدعوة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)﴾ (المزمل)، لا في كلماته ولا في عباراته، فالله عز وجل يقول ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾ (القمر)، فألفاظ القرآن ميسورة وعباراته ميسورة، وهذا الثقل في القول ليس في ذات القول، ولكن في التبعة.. في المهمة.. في الواجب.. في المشقة التي يحملها هذا القول الثقيل.. ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾.

إن الطريقَ شاقة، إن الطريقَ ليست مفروشةً بالزهور والورود، إن الطريق مليئةً بالأشواك.. لا.. بل إنها مفروشة بالأشلاء والجماجم، مزينةً بالدماء، غير مزينةٍ بالورودِ والرياحين.. إن الطريق شاق.. هذا هو المعنى الثاني الذي يجب أن نتذكره ونحن نتطلع ونحاول أن نرتفع إلى أفق الهجرة الكريمة.

إن سالكه لن يفوته المنصب وحده، ولن يفوته الجاه وحده، ولن تفوته السيادة وحدها في هذه الأرض، ولكن سيتحمل قولاً ثقيلاً، وسيتحمل جهدًا ثقيلاً، وسيجتاز طريقًا ثقيلاً.. فلنعد أنفسنا لما أعد محمد صلى الله عليه وسلم نفسه له لنكون جديرين بأن نحتفل بيومِ هجرته صلى الله عليه وسلم.. ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾.
عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحقيقة النصر : كان من الميسور أن يدعو الرسول- صلى الله عليه وسلم- على قومه دعوة تهلكهم فينتهي الأمر، كان ميسورًا أن باب السماوات مفتوح ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ (القمر: من الآية 10)، ولكنه لم يلقَ دعوته ولم يدع دعوته هذه على قومه، إنما اختار الطريق الشاق الطويل

لقد كان نوح عليه السلام يملك أن يدعو على قومه فيهلكهم الله ليبدل الله الأرض قومًا غيرهم؛ لأن دعوته موقوتة لأنه جاء لقوم؛ لأنه جاء لدين، أما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد كان يعلم أن دعوته هي دعوة الأبد، وأن رسالته هي الرسالة الأخيرة، وأن السماء وقد تفتحت بنورها إلى الأرض لن تفتح بهذا النور إلى الأرض مرةً أخرى؛ لذلك لم يخترْ أن يدعو الله بالنصرِ فيرتاح في لحظته، إنما اختار طريق الجهاد؛ لأنه إن انتصر اليوم.. أن انتصر نصرًا يسيرًا.. إن انتصر نصرًا سهلاً، فمَن يُؤتي أمته ومَن يُؤتي الأجيالَ بعده هذا النصر السهل الرخيص.

إنَّ أمته يجب أن تُدرَّب.. يجب أن تُعد.. يجب أن تجد فيه قدوة.. يجب أن يكون لها قدوة في جهادٍ شاق طويل.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت).

لا بد من فدية.. لا بد من بلاء .. لا بد من امتحان؛ لأن النصرَ الرخيص لا يبقى؛ لأنَّ النصرَ السهلَ لا يعيش؛ لأن الدعوة الهينة يتبناها كل ضعيف، أما الدعوة العفية الصعبة فلا يتبناها إلا الأقوياء ولا يقدر عليها إلا الأشداء.
لمن النصر :
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

إنَّ نصرَ الله قريب، ولكن ممن احتملوا البأساء والضراء، ممن جاهدوا وبذلوا.. ممن لم يبقوا في طاقتهم قوة.. ممن احتملوا مشاق الطريق.

عندما يبذل الإنسان أقصى ما في طوقه، عندما يصل إلى نهاية الشوط، عندما يلقى بهمه كله إلى الله بعد أن لم يبقَ في طوقه ذرة عندئذٍ يتحقق وعد الله ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ البقرة 214 .

هذه هي الذكرى الثانية، هذا هو المعنى الثاني.. هذا هو المعنى الرفيع الذي يجب أن نُعد أنفسنا له ونحن نتطلع لكي نرتفع إلى ذلك الأفق السامي ونحن نحتفل بالهجرة الكريمة. بقلم صاحب الظلال .
هجرتنا المرجوة:
كانت هجرة النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من الكفر إلى الإيمان، أما الهجرة المرجوة منا فهي:
هجرةٌ من التفرق إلى الوحدة 0 هجرةٌ من الضعف إلى القوة0 هجرةٌ من التخاذل إلى التناصر0
هجرةٌ من الجبن إلى الاستبسال0 هجرةٌ من التبعية إلى الاستقلال.هجرةٌ من مخالفة الله ورسوله إلى الطاعة0 هجرةٌ من الذل إلى العزة 0 هجرةٌ من الاسترقاق إلى الحرية 0

اللهم افتح على أمتنا بركاتٍ من السماء والأرض، واجعله عام نصرٍ وفتحٍ على أمتنا يا أرحم الراحمين .

الاثنين، 30 نوفمبر 2009

حظر المآذن دليل على عنصرية أوربا

عندما تبحث في أعماق التاريخ ستجد احتلال الروم لمصر والشام قبل ميلاد رسول الله عيسى عليه السلام وبعده , ثم حملات الصليبيين على العالم الإسلامي , وهم الذين نصبوا المدافع فوق جبل المقطم ودكوا القاهرة وقتلوا سبع الشعب المصري أي بمعدل واحد من كل سبعة أفراد .
ودخلوا الأزهر الشريف بخيلهم ودنسوه بأقدامهم .
ومنعوا الأذان في المسجد الأقصى ما يقرب من تسعين عاما , ومنعوا الصلاة فيه .
وكانت الدماء في فلسطين تغطي الأرض في كل مكان .

وقتلوا حوالي مليون ونصف المليون من شعب الجزائر , وفعلوا مثل ذلك في احتلالهم للشام .
وفرضوا اللغة الفرنسية وثقافتها ونحوا اللغة العربية , ومازالت هذه الآثار حاضرة وماثلة إلى يومنا هذا .
فمتى كانوا يحترمون الدين ؟ .
ومتى كانوا يرعون حرمة الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة ؟ .
في حين أنك ترى كيف عامل المسلمون اليهود مع غدرهم ونفاقهم فلم يبيدوهم ولم يستأصلوهم .
والنصارى مازالوا يعيشون في بلادنا منذ فجر الإسلام إلى وقتنا هذا في حرية من العبادة ومازالت الكنائس تبنى وترتفع مبانيها وتدق أجراسها , وتضارع المساجد طولا وارتفاعا .
وتمارس الكنائس شعائرها وأنشطتها بحرية غير مقيدة , في حين ترى المساجد مكبلة بقوانين الأوقاف والداخلية معا !
وإن المرء ليقف مندهشا متعجبا من شاب ألماني يطعن امرأة مسلمة لأنها تستر جسدها بملابس محترمة , في قلب المحكمة .
إن هؤلاء الذين صوتوا على قانون يحظر المآذن , وهم يمثلون الشعب قد أعطوا البرهان القاطع والدليل الواضح على عنصرية هذه الشعوب , وليس الحكومات فقط .
والأمر الذي لابد من ذكره هنا أن حكام العرب والمسلمين بتخاذلهم عن نصرة قضايا الإسلام والمسلمين , بل بحربهم للدعاة والمصلحين والسياسيين , وممارستهم الظلم والطغيان ضد شعوبهم , بفعلهم هذا قد أعطوا الضوء الأخضر لأعدائنا بحصار غزة , ومحاربة الحجاب ثم المآذن ولن ينتهي الأمر عند سويسرا بل سينتقل إلى إيطاليا وهولندا وغيرها .
ولن تنتهي الحرب ضد الأمة حتى تفيق وتعود إلى ربها , وتحمل رسالة ربها التي كلفها بها {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78.
وحسبنا الله ونعم الوكيل .

السبت، 14 نوفمبر 2009

خطبة عيد الأضحى

القوامة على الدين والرسالة , والقوامة على البيت العتيق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين نحمدك اللهم حمد الشاكرين , نحمدك على نعمك التي لا تحصى ونشكرك على آلائك التي لا تستقصى , ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد .....
عندما يصل المسلم إلى بيت الله الحرام , ويرى إخوانه المسلمين من شتى بقاع الأرض : الأحمر والأصفر والأسود , على صعيد واحد يقفون , وبنداء واحد يلبون , لياسهم واحد , وهدفهم واحد : أن يغفر الله لهم ويقبلهم . يجتمعون بلا تمييز , ولا تفاضل .
حينئذ ٍ تهب على صفحات الوجوه رياح الذكريات للنبي الكريم وأصحابه الغر الميامين , الذين أزاحوا الكفر بفساده وشره , ودحروا الباطل بكيده وظلمه , وعبَّدوا الناس لله رب العالمين , وطهروا هذا البيت من الأصنام والأوثان , وبجهدهم وصل إلينا هذا الدين .
فإذا كان المسلمون اليوم هم سدنة البيت الحرام , فمتى يكون دينهم هو الغالب وشريعتهم هي القائمة وسلطتهم هي الحاكمة ؟ .
لمن تكون القوامة على الدين ؟ ولمن تكون القوامة على البيت الحرام ؟ .
من أحق الناس بهذا ؟ وعلى أي شيءٍ يرتكز هذا الحق ؟ .
من يحمل إرث الأنبياء ويقوم عليه ؟ . أهم ذرية إسحق ويعقوب ؟. أم ذرية إسماعيل بن إبراهيم ؟ .
هل القرابة أو الجنس يسوغ هذا ؟ . هل حراسة البيت الحرام ورعايته وحدها تضمن لهم هذا ؟ .
لقد ادعى اليهود هذا الحق , وادعى النصارى مثلهم ؛ لأنهم من نسل إسحق ويعقوب .كما ادعى مثلهم العرب لأنهم سدنة البيت الحرام وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم .
إن إبراهيم – عليه السلام – لما قال ( قال ومن ذريتي ) قال الله عز وجل ( لا ينال عهدي الظالمين ) .
فليس الأمر على إطلاقه لأن القوامة على الدين لا تكون على ذلك الأساس إنما تكون على أساس آخر هو العقيدة الصحيحة الصافية , والإيمان بالرسل والكتب وحفظ منهج الله من التحريف وصيانته من التبديل .ومن هنا يحق لنا أن نقول : إن بني إسرائيل فقدوا قوامتهم على الدين لأنهم غيروا دين إبراهيم وإسحق ويعقوب وكفروا بالرسل بل قتلوا الأنبياء والمرسلين . وسُجلت جرائمهم في القرآن الكريم وفي كتب أخرى وآثار غير آثار المسلمين .
إن شرط هذه القوامة هو الاستسلام لله رب العالمين ولمنهجه القويم , و هذا هو الذي فقدوه . ولو رجعوا للوراء , لو نظروا خلفهم لو قرأوا التاريخ , لو أخلصوا نيتهم لله ربهم ؛ لكانوا في مقدمة صفوف المؤمنين , وحملة لواء رب العالمين .
وهذا أبو الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل يبتهلان ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة لك ) البقرة . فكانت هذه الأمة ذات العقيدة الصحيحة الواضحة , ذات الرسالة الصافية الناصعة .
ثم يكملان الدعاء ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) البقرة .
فكان هذا الرسول الكريم الذي جاء من ولد إسماعيل .
وعلق القرآن الكريم ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) .
( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) .
( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) .
فإبراهيم يوصي بنيه , ويعقوب وهو في ساعة الاحتضار وفي أحرج لحظات الحياة وهو في آخر أنفاسه في الحياة – يشغله أمر جلل وشأن كبير : أن تستمر رسالة التوحيد وتبقى الدينونة لله وحده لا شريك له بلا تحريف ولا تشويه .
أما هذه الأمة الوارثة فيوصيها الله عز وجل حتى لا تقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد ٍ منهم ونحن له مسلمون) .
أما الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون فلهم خطاب آخر : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) .
فإن لم يؤمنوا فهم في شقاق مع الله , والله قادر عليهم لا يعجزونه بشيء , ولا يفلتون من عقابه , ولا يصبرون على عذابه .
وإن كان المشركون يدعون أنهم سدنة البيت وأنهم ورثة إسماعيل وإبراهيم ؛ فهي حجة مدحوضة وشبهة مرفوضة !!.
إنهم كفروا بدين إبراهيم وإسماعيل . هذه واحدة .
والثانية أنهم أهدروا حرمة البيت فآذوا المسلمين : أراقوا دماءهم وقطعوا أرحامهم في البيت الحرام .
فلا يستحقون القوامة على البيت إذن . فخلعت منهم إلى يوم القيامة , فلا يقيم عند البيت مشرك , ولا يطوف به عريان .
ومن قبل قد ادعى بنو إسرائيل أنهم حراس الدين والقائمون على الرسالات , بل ادعو ا أن الجنة لهم وحدهم , بلا دليل ولا برهان ؛ إن هي إلا الأماني ليس إلا يقول الله عز وجل : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصاري تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) .
ويأتي الرد الحاسم , والقول القاطع ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ٌ فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
فليس ثمة وشيجة معتبرة إلا وشيجة الدين , وليس هناك قرابة بين نبي وذريته إلا باتباع العقيدة السليمة والتوحيد , التوحيد الخالص من كل شائبة , النقي من الشرك والتحريف . كما أنه ليس هناك قرابة أو صلة بين الله وعباده إلا أنه الخالق ونحن العبيد .
وإذا كانت أمة الإسلام – في يومنا هذا – قد نحُيت شريعتها خلف الظهر قسًرا , وطرحت صُحفها بالظلم أرضًا , ومنعت من أداء رسالتها العالمية , ومن إقامة شريعتها الربانية ؛ التي تسعد في ظلها البشرية , وتهنأ في فيئها الإنسانية - فإن هذا أمر لن يطول وشأن سوف يزول , وما بقبي في عمر الظلم إلا أيام وقد مضى منها الكثير . وسنصبر – بإذن الله – والله مع الصابرين .
سنصبر والله تعالى أخبرنا من قبل بما تعرض له أصحاب الرسالات على مر التاريخ ولكن النصر كان لهم في النهاية {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }الأنعام34 .
ويكفيك أن يكون جزاء صبرك وثمرة جهدك نصرًا أكيدًا , وثوابًا عريضًا , وجنة عرضها السموات والأرض .
( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) . الصف .
إن هذا الحصار الكثيف المضروب حول الإسلام بوسائله المتعددة , عسكريا واقتصاديا وإعلاميا وفي كتب الدراسة والتعليم - من أعدائنا ومن أبناء جلدتنا على السواء لن يدوم ؛ لأن دين الله لا تحجبه مكائد الكفر الضعيفة و لا تغلبه قوى البشر الهزيلة .
لأن الله فعال لما يريد !
إن أراد الله أن ُيقتل المؤمنون وينتصر دينهم فسيكون ما يريد .
أويريد أن يتأخر النصر ويثبت المؤمنون ويمتحنون فيكون مايريد .
أويريد أن ينتصر المؤمنون ويعلو دينهم وتخفق رايتهم وتنتصر شريعتهم فيكون ما يريد .
ونحن على الله متوكلون , وعليه مستندون , وبنصره واثقون .
وإن نصر الله لآت ٍ وكل آت ٍ قريب : (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }الإسراء51
وعلى الله قصد السبيل
شعبان شحاته

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

خواطر مدرس

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد ...
أعان الله عبده على صلاة الفجر جماعةً , ثم عاد يرتل أذكار الصباح وبعد قضاء بعض الشؤون , انطلق إلى المدرسة ماشيًا , معتبرًا ذلك وردًا رياضيا يقوي الجسم , ولم ينس عقد نية العلم ، يعلم الأمة , ويأخذ بيد المجتمع .
وهذا دوري , وتلك مهمتي ، وكثيرا ما توارد على الذهن قول الشاعر : كاد المعلم أن يكون رسولا .
وأول ما ساءني في المدرسة قلة الطلاب الحاضرين . هكذا تعودوا كل يوم , لدرجة أن الحصة الأولى لا يكاد نصاب طلابها يكتمل .
لقد غدا طابور الصباح باهتا , وصار الطلاب في حوش المدرسة كحبات عنب قليلة في طبق كبير , يمنعك الحياء أن تقدمه لضيفك .
ثم نظرت فإذا الزملاء متهيئون لأداء رسالتهم , وإنجاز مهمتهم .
وفي الفصل , ألقى التحية , وتلطف مع تلاميذه , وتلطفوا معه , وتم الحوار والمناقشة , وقد أنعم الله علينا ببعض الوسائل التعليمية الحديثة نستعين بها على توصيل المعلومة .
وفي لحظة تسجيل الطلاب لملخص الدرس دار في الذهن حوار : هل سيخرج من هؤلاء عالم فذ في الفيزياء , أو الهندسة , أو الطب . أو اللغة ؟ وإذا كان فهل سيجد من يهيئ له طريق البحث , ويعبد له سبيل الابتكار ؟ .
وكم تنفق الدولة على البحث العلمي في بلادنا ؟ .
أم أنه سيسافر إلى بلد ما , يحتضنه ويستفيد بعلمه وقدراته , ويكفينا نحن أن ينسب الرجل إلى مصر ؟!
هل هذه المواد التي يدرسونها كافية لإنضاج عقلية سوية , وإخراج شخصية علمية , ترتقي بها البلاد , وينتفع بها العباد ؟ .
هل هذه المناهج تخرج أبطالا , وتبرز شجعانا , أصحاب مروءة ونجدة وشهامة , يذودون عن حمى الوطن والكرامة ؟ .
ومتى نقضي على هذا البون الشاسع , والفرق الواسع بيننا وبين الأمم الأخرى في مجال العلم ؟ .
من المسؤول عن هذا الخلل ؟ .
وإذا استمر هذا التراجع , ووهنت قوتنا , وزاد ضعفنا , فهل يدهمنا العدو , ويحكم علينا سيطرته ويفرض علينا قيمه ؟ .
دق جرس الحصة ... وخرجت تحوطني خواطري من كل جانب
ومازالت تتوالى ....
نحن لسنا في حاجة ماسة للعلم المادي فقط .
نحن في حاجة أكثر للعودة إلى الله , إلى قوة الإيمان , لتلتهب مشاعرنا بحب الله والسعي إلى رضاه , لتتفجر بداخلنا قوى روحية جبارة تسري منا إلى هذا المجتمع فتحييه , وتدب فيه الروح من جديد ، فتقيل عثرته , وتبعث همته .
هذا الإيمان سيعيد إلينا حضارتنا العظيمة , ويرد إلينا مجدنا التليد , كما بعث الله به قوما من قلب الصحراء ، كانوا أميين , لا علم لهم ولا حضارة
فإذا بهم - في فترة وجيزة من الزمان - يقضون على ممالك الفرس والروم . ودانت لهم الدنيا بأسرها .
لأنهم كانوا يقيمون العدل , وينشرون الحق , ويعبدون الناس لله رب العالمين .
ولأنهم أخذوا بأسباب العلم المادي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
وإذا المعركة بينهم وبين عدوهم تتحول لصالحهم , في مجالها العسكري , وفي مجالها العلمي على السواء .
ذلك لأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم .
فصارت المعركة بين الله وبين الكافرين , وما المؤمنون إلا ستار تحقق به قدر الله في الأرض .
والمجال المادي وحده لا يكفينا للتقدم والرقي إذا أهملنا دورنا ؛ لأننا أصحاب رسالة الإسلام وأتباع خاتم النبيين – صلى الله عليه وسلم – وحاملوا لوائه من بعده , حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله .
ونحن على يقين بأن عدونا لن يترك لنا هذا المجال – العلوم المادية – لنتساوى معه فيها .
ولم أجد مخرجا من هذه الدائرة إلا اللجوء إلى الله : اللهم أقل عثرتنا , وحقق غايتنا , وانصر أمتنا , واهد قومنا , وخذ على أيدي الكافرين , ودك دولة الطغيان , وانقض عروش الظالمين , إنك على كل شيء قدير . آمين .
شعبان شحاته / مدونة الطريق إلى محبة الله .

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

شارك وكن إيجابيا

من أجل توفير الديمقراطية , وإيجاد الحرية , وكرامة المواطن , وسعادة الإنسان شارك في :
الحملة الشعبية للقيد بالجداول الانتخابية من 1/11/2009وحتي 31/1/2010

الأحد، 25 أكتوبر 2009

الاعتداء على الأقصى

الاعتداء على الأقصى وكرامة العرب والمسلمين

قال الشيخ القرضاوي والشيخ كمال الخطيب ( وقولهما حق ) :

{ اقتحام الأقصى ترويض للعرب } .

نعم ترويض للعرب :

هل يواصل العرب احتجاجهم الذي يقابل بالقمع من حكامهم الأشاوس .

هل يستطيع الحكام مواصلة إحكام القبضة على الشعوب أم لا ؟ .

هل يمكن أن يضيع الحق الفلسطيني تحت هذا الضغط المتواصل , أو على الأقل يضيع جزء منه ؟ .

هل يستطيع أعداء الأمة أن يقهروا الإسلاميين عن طريق عصا الحكام الغليظة ؟ .

هل جرأهم على ذلك استجابة بعض النخب الصحفية , وثلة من رجال السياسة , وبعض الرموز الأزهرية للضغوط أو الإغراءات الغربية ؟ .

إن المسجد الأقصى ليس بلقمة سائغة تؤكل ويسكت المسلمون والعرب عنها .

لا المفاوضات واللقاءات , ولا الأحضان والقبلات , ولا المدفع و البندقية , ولا التجويع والحصار , كل ذلك لن يجدي شيئا في ابتلاع الأقصى وفلسطين .

ولن يسكت العرب والمسلمون .

وكل من يستند على أمريكا وعلى المجالس الدولية , المنحازة للظالم الجلاد ضد المسلمين في كل مكان , فإن سندهم سيحول ويزول ولن يبقى إلا سند الله وحده .( ولتعلمن نبأه بعد حين ) .

والأقصى هو ثالث الحرمين , ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم , الذي بارك الله حوله بعصبة لا تلين قناتهم , ولا تنثني إرادتهم , هذه العصبة ستكون شوكة في حلوق المحتلين وأذنابهم , وستهب الشعوب – ولو بعد حين – لتخلص الأرض والعرض والمقدسات والحرية والكرامة والوطنية من أيدي المغتصبين .

سؤال وجيه : ماذا سيقول حكام المسلمين أمام الله وأمام التاريخ ؟ .

ألا يفكرون ويتساءلو ن عن صورتهم في أذهان الناس ومخيلة الشعوب ؟ .

أليست هناك غيرة على الأوطان ؟ وحمية للمقدسات ؟

أيها الناس : أيهما أغلى المصلحة الشخصية , أم مصلحة الشعب والأمة ؟ .

أيهما أقدس اتباع الهوى أم حرمة المساجدودور العبادة؟ .

وأخيرًا هل يكفي الشعوب العربية والإسلامية أن تلقي باللوم على حكامها , ويعفيها ذلك من المساءلة أمام الله ؟ .

يارب اكشف عنا هذه الغمة ؛ إنك على كل شيء قدير .

الخميس، 22 أكتوبر 2009

الشوق إلى أرض الحرمين

يملأ قلبي شوق عارم إلى أرض الله الطاهرة مهد الدعوة , ومهبط الوحي على خاتم المرسلين , حيث نزّل القرآن الكريم , النور المبين , ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينا ) النساء 174.

( ...قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) المائدة15 , 16.

ولست أدري هل مبعث هذا الشوق هوالفرار من :

تتابع مشاكل الدنيا , وكثرة متاعب الحياة ؟ .

أم ندرة الصديق , وشح الرفيق

أم كثرة الظلم الواقع على المسلمين في كل مكان , من أبناء جلدتنا , والمنتسبين إلى الإسلام , ومن الأعداء , أو من تعاون الاثنين معا ؟ .

أم من الشعوب الساذجة القانعة الخانعة ؛ فاستنعجت واستخف بها ؛ فضيعت كرامتها , ونهبت ثروتها ونحيت شرعتها ؟ .

أم من ضيق الرزق , وشظف العيش , وعجز المسؤولين عن توظيف القدرات العلمية , والأيدي المهنية ؟ .

أم بسبب ضعف الاستفادة بالمساجد , المقيدة بقوانين الداخلية , والتي يعلوأكثر منابرها غير المؤهلين دعويا وعلميا ؟ .

أم بسبب الديون التي يغرق فيها المصريون , والأقساط التي تثقل كواهلهم ؟.

أم بسبب ما ظهر من الطبقية , فهؤلاء مقربون أغنياء , وهؤلاء مبعدون أشقياء ؟ .

أم لأن تربية الأود صارت همًا ثقيلا وعبئا كبيرًا ؛ حيث أصابهم بعض ما أصاب المجتمع من الفساد ؟ .

أم بسبب الشعور بالظلم من تقييد الحريات , وتكميم الأفواه , وتزوير الانتخابات , والاستهانة بإرادة الأمة ؟ .

إني مشتاق إلى أرض الله الحبيبة ..

لأنني في حاجة إلى تنسم حياة الرسول وأصحابه الكرام , تلك الحياة الصافية , حياة العدل والمساواة , والرحمة والمؤاخاة , التي كان يحنو فيها القوي على الضعيف , والغني على الفقير , عندما كان الإمام خادما للرعية وأجيرا عندها .

عندما كان يقول الأمير بحق : وليت عليكم ولست بخيركم , إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني !!

نعم أنا مشتاق للإسلام ولتطبيق تعاليمه السامية , ومبادئه العالية .

أريد أن أجد جوا صافيا أحسن فيه عبادة ربي , أدعوه وأناجيه , وأذكره و أشكره , بلا منغصات , ولا مكدرات .

أنا لست أهرب من واقعنا الذي نعيش فيه , وإنما أذهب لأتزود لقلبي وروحي , لأعود مشعلا مضيئا , ونسيما يسري في الناس فيحييهم بتعاليم القرآن , ومبادئ الإسلام .

نحن لن نضيع والله ولينا , ولن نهون ونحن الأعلون : منهجا ورسالة وكتابا .

والنصر مكتوب للمؤمنين , والعاقبة للمتقين .

والسلام عليكم .

شعبان شحاته / الطريق إلى محبة الله .

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

مدرسة الحج التربوية


بقلم: إسماعيل حامد
تتمثَّل عظمة الإسلام في أنه دين عملي وواقعي وحركي؛ ينطلق بالمسلم من حيث هو، يأخذ بيده ويرتقي به، ويُهذِّب من سلوكه ويُغيِّر من عاداته، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية، وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقًا للارتقاء به، وأنه دين يجعل من عباداته رافدًا أساسيًّا في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها، وأنه دينٌ يجعل الأخلاق مقترنةً بالعبادات في تلازم وتجانس بديع لتكون أثرًا من آثار العبادة المقبولة؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتعوِّد على الانضباط والإتقان، والزكاة مدرسة للبذل والعطاء وطهرة للنفوس وتكافل اجتماعي بنَّاء، والصيام ينمِّي الصبر بأنواعه ويوحِّد مشاعر المجتمع في حالة يعز نظيرها.

أما عبادة الحج فتتجسَّد فيها قمة العمل التربوي؛ لتصبح ميدان تربية متكاملة، وتهذيبًا قويمًا للنفس، وإصلاحًا وتغييرًا للسلوك، بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى؛ وذلك لما للحج من مكانةٍ في النفوس وشوقٍ في القلوب، ولهفةٍ وولعٍ يعتصر أفئدة المؤمنين، وإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الحج مدرسة تربوية متكاملة؛ اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال، فنجد في الحج تلك العناصر:
* استعداد المُربَّى: ففي رحلة الحج تتحقق الرغبة واللهفة في نفس المسلم؛ حيث يحمله الشوق واللهفة إلى القيام برحلة الحج؛ شوقٌ إلى لقاء الله ورؤية بيته الحرام، وشوقٌ إلى السلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، وشوقٌ إلى تجديد العهد والبيعة مع الله، وهي مظاهر تدل على مدى حرص المسلم وإقباله طواعيةً على هذه العبادة؛ مما ييسِّر تحقُّق أهدافها التربوية في النفس.

* بيئة صالحة للتربية: فلا أروعَ من بيئةٍ تضمُّ بيت الله الحرام ومسجد الحبيب المصطفى والبقاع الطاهرة التي وقف عليها رسول الله، وموضع آثار أقدام الشهداء والمجاهدين من الصحابة الكرام، فتجتمع بذلك أطهر بيئة صالحة للتربية والتأثير والتغيير في نفس المسلم.

* صحبة صالحة مُعِينة: فإن المسلمَ يكون وسط جموع صالحة جاءت تُلبي نداءَ الرحمن؛ كل هدفها السعي إلى مرضاة الله، والفوز برضاه، تقدم العمل تلو العمل، لا تملك إلا أن تكون في معية الله وفي رحابه، فتكون تلك الصحبة خير معين على تزكيةِ النفس وتربيتها التربية الإيمانية.

* منهج تربوي متكامل: من خلال مناسك تتدرج بالمسلم خطوةً خطوة، وتسمو بنفسه، وتُعلي من إيمانياته، تأخذ بيده إلى الله، فنجد المسلم الحاج يقرأ فقه الحج والعمرة كاملاً بكل أحكامه، ويقرأ في الجوانب الروحية المنبثقة من الحج، وينظر في محظورات الإحرام لتجنبها، وأحكام الفدية والهدي وغير ذلك من قراءات تتعلق بالحج، ويظهر الأثر الحقيقي للمنهج هنا في حرص المسلم على الإلمام به كله إلمامًا تامًّا، متمثلاً جوانب المنهج الثلاثة (المعرفية والوجدانية والسلوكية).

* وسائل تربوية متعددة: تشمل الرحلة الطويلة والقصيرة الداخلية والخارجية، المبيتات الروحية والمعسكرات والمخيمات والندوات التي تقام طوال الرحلة، ووسائل تزكية النفس المتعددة من خلال الصلوات في الحرم، والاعتكاف فيه، والطواف والسعي؛ فنرى في الإحرام تربيةً، وفي التلبية تربيةً، وفي الطواف تربيةً، وفي السعي تربيةً، وفي رمي الجمرات تربيةً، وفي الحلق أو التقصير تربيةً، وفي الصلاة في الحرم تربيةً، وفي الاعتكاف تربيةً، ومن هنا فإن الحج مدرسة تربوية متكاملة؛ تربِّي المسلم تربية عقائدية وإيمانية وأخلاقية... إلخ.

وهذه هي مقومات النجاح لأي منهج تربوي: أن يتوفَّر لدى المتلقي له الرغبة في الإلمام به واستيعابه، وأن يتأثر به في أفعاله وتصرفاته، مع وجود منهجٍ تربوي مناسب وبيئة تربوية مُعِينة وصحبة صالحة تأخذ بيده، وهذا ما يقع للمسلم في رحلة الحج.
ومن صور مدرسة الحج التربوية أنها:
مدرسة للتربية الإيمانية
فمن خلال الحج تتحقَّق التربية الإيمانية وتتكامل وتبدو معالمها من خلال ما يلي:
- التربية على تعظيم شعائر الله: وهي من أعظم غايات الحج؛ حيث يتربَّى العبد على تعظيمها وإجلالها ومحبتها وإكرام أهلها والتحرُّج من المساس بها أو هتك حرمتها، ويزداد التعظيم والخضوع في قلب المسلم انطلاقًا من قوله جل شأنه في ثنايا آيات الحج: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ (الحج)، وتلك هي البداية؛ أن يعظِّم شعائر الله في رحلة الحج، ثم يتواصل في تعظيم شعائر الله بعد عودته، لتكون حياته كلها وفق منهج الله وشرعه، ويتربَّى أيضًا على تعظيم حرمات الله من خلال امتثال قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ (الحج: من الآية 30).

- التربية بالتذكير باليوم الآخر: في مواقف تحصل للحاج؛ منها (خروجه من بلده ومفارقته أهله يُذكِّر بالفراق حال الخروج من الدنيا- التجرد من المخيط وترك الزينة يُذكِّر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاةً عراةً غرلاً- والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق يُذكِّر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد)، ويعجب المرء حينما يجد الكثير من المسلمين- خاصةً من غير العرب- من يأتون من ديارهم ومعهم أكفانهم، يغسلونها بماء زمزم تبركًا به واستعدادًا للقاء الله، ومن ثَمَّ يعود المسلم بعد رحلةِ الحج، ولديه إقبال على الله ورغبة في لقائه.

- التربية على الإكثار من ذكر الله تعالى: الحج شعيرة يملؤها الذكر ويمنحها مزيدًا من الجلال والبهاء؛ قال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ (البقرة: من الآية 198)، وفي الحديث "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله في الأرض"؛ فالإكثار من ذكر الله من شيم وصفات المؤمنين، وما أروع حداء المؤمنين وهم يجهرون بالتلبية مع كل صعود وهبوط في نواحي مكة!، وما أروع تكبيرهم وتهليلهم لله عز وجل في منى وعرفات والمزدلفة وعند المشعر الحرام!، إنه ذكر الله الذي به تطمئن القلوب.. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾ (الرعد).

- التربية على اجتناب الذنوب: يقول تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 197)، فهي دعوة وتربية على أن يتجاوز المسلم المعاصيَ ويتجنبها ولا يقع فيها أثناء أدائه لمناسك الحج، ومن ثَمَّ فهي تربية له لمواصلة ذلك بعد العودة.

- التربية على الاجتهاد في الطاعات واستغلال الوقت: وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (البقرة: من الآية 197)؛ فالمسلم في الحج يُحسن استغلال وقته في طاعة الله ما بين طواف وسعي وصلاة وذكر.. إلخ، ويتربَّى على حسن الاستفادة من وقته فيما يعود عليه بالخير والقبول عند الله.

- التربية على الدعاء ولذة مناجاة الله: فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء عرفة"، وفي الحج مواضع مقرونة بإجابة الدعاء؛ فضلاً من الله ومنةً؛ منها: الطواف، الصفا والمروة، يوم عرفة، عند المشعر الحرام، بعد رمي الجمرات، علمًا بأن الحج كله سوق رائجة رابحة للدعاء والابتهال والاستغفار، وهو تعويد للمسلم على اللجوء إلى الله دائمًا، وفي كل وقتٍ وحين، والأنس بمناجاته سبحانه وتعالى.

- التربية على الاستقامة بعد الحج: فالمسلم العائد من الحج يجد نفسه ملزمًا بالمحافظة على بقاءِ صفحته بيضاء بعد أن غفر الله له في الحج، وفي ذلك قال الحسن البصري رحمه الله: "الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، ويشهد لذلك قوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17)﴾ (محمد).
مدرسة للتربية الأخلاقية
فالحج مدرسة تربوية تقوم على تقويم الأخلاق وتهذيبها، وقد شُرع الحج لتقويم الكثير من الأخلاق ومنها:
- التربية على العفة وكظم الغيظ وترك الجدال: كما في قوله عز وجل: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 197)؛ فالرفث هو الجماع ودواعيه من قولٍ أو فعلٍ، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تُغضبه ويُغضبك؛ فهي صورة من صور غرس القيم في نفس المسلم، وترك المنهي عنه.

- التربية على اللين والرفق والسكينة: كما قال عليه الصلاة والسلام حين سمع جلبةً وصخبًا في الدفع لمزدلفة: "أيها الناس.. عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع"، والإيضاع هو الإسراع؛ فالحاج يتربَّى في نسكه على أن يكون صاحب رفق وسكينة، وخشوع وطمأنينة؛ ليعتاد ذلك كله في حياته كما هي في عباداته.

- التربية على إنكار الذات: والاندماج في الجماعة في اللباس والهتاف، وفي التنقل والعمل؛ فإن النفس تذوب في هذا الكيان البشري الواحد، ويصبح الكل يتكلم بلغة واحدة وخطاب واحد وهتاف واحد وشعار واحد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، فيتولد في النفس المسلمة شعور بأنه جزء من هذا الكيان، ويتضاءل حظ النفس وحب الأنانية في ذاته، فيكون مسلمًا اجتماعيًّا؛ يعيش لأمته ويحمل همومها ويتكلم بلسانها ويهب نفسه لها.

- التربية على التواضع: يستشعر المسلم ذلك حين لا يمتاز أحد عن أحد، ولا تكون لحاج خاصية أو ميزة عن غيره من الحجاج في الأمور الدينية؛ فالأركان والواجبات والمسنونات متماثلة في حق الجميع، فيتربَّى المسلم على روح التواضع الجم، ويحقِّق قوله تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: من الآية 54)، ويعيش سعيدًا بانتمائه لهذه الحشود المؤمنة، ويُغلِّب روح التواضع على الكبر والعجب بالذات.

التربية على الصبر بأنواعه: صبر على مشقة الطاعة، وما أحلاها من طاعةٍ يصبر المسلم عليها رغم مشقتها ويسعد بأدائها!، وصبر عن المعصية، خاصةً مع التزاحم وكثرة الناس، فيُجنِّب نفسه الوقوع في المعاصي وما أكثرها وقت الحج!؛ بدءًا من تدافع وإيذاء للمسلمين، ونظرة هنا أو هناك، وصبر على قضاء الله الذي يعرض للحاج، من ابتلاء أو تمحيص أثناء رحلة الحاج، وفي ذلك تعويد له على الصبر على قضاء الله وقدره في حياته بشكلٍ عام.

- التربية على البذل والعطاء: فالحج عبادة بدنية مالية، وفي المشاعر تتسامى المشاعر فيبذل المسلم من ماله لسقيا الحجاج أو تفريج كربهم وسد حاجتهم، ونجد في الحج تسابقًا عجيبًا لهذا البذل والجود والكرم، وفي التاريخ نماذج رائعة؛ فهذا عبد الله بن المبارك الذي كان يحمل معه في رحلة الحج أكثر من ثلاثمائة يخرجون من بلدته "مرو" وعلى نفقته الخاصة، وغيره الكثير، وما نراه اليوم في الحج يؤكد تلك المعاني، من التسابق في البذل لإطعام الحجيج وإكرام وفادتهم.

- التربية على تحقيق معاني الأخوة والمحبة والتآلف: خاصةً حين يكون الحج مع رفقةٍ وصحبة، وتتلاقى الأنفس وتتعارف، وتأتلف القلوب والأرواح، وتتحقق زمرة القلب الواحد في أمة الإسلام في رحلة الحج وتتجسد في أروع صورة؛ فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير؛ تتحقق فيه الوحدة الإسلامية بأروع صورها.
مدرسة للتربية الجهادية
وتُعَد فريضة الحج من أقوى الوسائل المُعِينة على مجاهدة النفس؛ مما يسهل معه قيادتها وتوجيهها، ومن الصور التي تبرز لنا من خلال الحج في هذا المجال:
- التربية على الاستسلام والخضوع لأمر الله والمجاهدة فيه: ويكون هذا بإيثار محبة الله ومرضاته على رغبات النفوس وشهواتها؛ مما يقود إلى مرتبةٍ أعلى ومنزلة أسمى حين لا يكون للعبد إيناس ولا استئناس إلا بما يُرضي الرب سبحانه، وحينها يبلغ إيمان المسلم درجةً عاليةً عزيزةً بفضل الله وتوفيقه، وينتصر على نفسه، ويخضع لشرع الله.

- التربية على صدق العزيمة وقوة الإرادة: فمن حج البيت فقد أرغم هواه وغالب لذة الراحة والدعة ومضى لأمرٍ يعلم مشقته ولا يستمع لقول القائل من المثبِّطين، وهكذا يجب أن يكون المسلم في أموره وحياته؛ يجاهد نفسه ويحملها على أن تكون صاحبة إرادة قوية لا يتطرَّق إليها ضعف.

- التربية على تحمُّل تبعات الطريق ومواجهة الصعاب: من خلال تحمُّل مشاق رحلة الحج وما فيها من غربة عن الأهل والأرض.

- التربية على تحمُّل تبعات الخطأ: فالمسلم مطالب بأن يكون شجاعًا في الاعتراف بالخطأ إذا وقع منه، وهي أعظم درجات الشجاعة، ويظهر ذلك جليًّا في وجوب الفدية على مَن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام أو ترك واجبًا، ولا شكَّ أن الشعور بالمسئولية وتحمُّلها علامة نضج وكمال الإنسان، وهي غاية من غايات التربية الناجحة؛ فالحج تربية على ذلك الأمر.

- التربية على هَجْر العاديات وتغيير المألوف : فالعاديات ما اعتاده الواحد من سكون ورخاء، ويكون هَجْرها بقوة التعلق برضا الله سبحانه وسلعته الغالية، وهي منزلةٌ عاليةٌ لا يصلها المسلم إلا بمجاهدة قوية لنفسه وشهواتها، والحج يكون فرصة لتحقق هذه المجاهدة، ومن ثم الاستمرار عليها بعد ذلك.
مدرسة للتربية الحركية- التربية على النظام والانضباط: فللمناسك ترتيب ونظام لا يقبل الإخلال بهما؛ وكم في الناس من مزاجية لا تنضبط إلا بالحج!؛ فالحج يعوِّد الأخ المسلم على أن يكون منضبطًا في أموره، حريصًا على الدقة والنظام، مراعيًا التسلسل الطبيعي للمناسك، والانضباط التام بكل ما تحويه تلك المناسك من أعمال، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يُقدِّم ولا يؤخِّر، بل انقياد وانضباط تام.
- التربية على استشعار وتحمُّل المسئولية: فالحاج هو المسئول عن إتمام المناسك لا غيره، فيتربَّى على استشعار المسئولية الفردية، وتتولَّد لديه الذاتية والإيجابية للقيام بكل ما تتطلبه منه أعماله الحياتية والدعوية بشكلٍ عام.

- التربية على الجماعية في الأداء: فقد يكون في صحبة أو رفقة فيتولَّى بعض أمرهم، فيتاح له من التطبيق العملي والتدريب المكثَّف ما لم يكن متاحًا له بغير الحج، فيتربَّى على حسن القيادة وحسن الخدمة لإخوانه الحجاج معه، فيشعر بالسعادة والسرور إذا قدَّم خدمةً لغيره من الناس، فيساعد المحتاج ويحمل الضعيف ويواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة، ويبادر دائمًا إلى فعل الخيرات.

- التربية على وجوب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فاجتماع الناس بهذا العدد في الحج فرصة سانحة لدعوتهم وتصحيح مفاهيمهم وتقويم سلوكهم وعرض الدعوة عليهم، وقديمًا روي عن أحد الصالحين: "كنت أحج مع سفيان الثوري؛ فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبًا وراجعًا"، وقد كان الإمام البنا ينتهز فريضة الحج ليبلِّغ دعوته للحجيج من كل مكان؛ فكان يعرض دعوته وينشر رسالته، حتى يفتح الله على يديه، ويجد مَن يبايعه على هذه الدعوة المباركة، حتى يوصِّلها إلى العالمين، وقد كان بفضل الله.

تلك بعض الصور البسيطة التي تظهر لنا من آثار مدرسة الحج التربوية، وإلا فالدروس والعبر كثيرة، ولا تقف عند شكل ما، بل تمتد لتشمل حياة المسلم كلها، وحياة المجتمع من حوله، فتكون التربية من خلال فريضة الحج تربيةً ذات أثر إيجابي في الفرد والمجتمع؛ ولذلك كانت رحلة الحج هي رحلة العمر، والتي بها يبدأ عمر الإنسان من جديد، ويتجدَّد لديه الإيمان والإسلام، ويقوى فيه العزم والإرادة، وينشط فيه الحرص على الطاعة والعمل الصالح، فما أروعها من فرصةٍ للمسلم كي يغيِّر من نفسه ويرتقي بها!، وما أحوج المربِّين إلى الاستفادة من تلك الفريضة لتحقيق أهداف العمل التربوي من خلال رحلات حج جماعية، قد توفر الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى الهدف المنشود في إصلاح النفوس وتربيتها وتزكيتها؛ لأن المسلم من خلال تلك الرحلة المباركة يكون قد عايش عناصر العملية التربوية كاملةً؛ (من استعداد نفسي وبيئة صالحة وصحبة صالحة ومنهج تربوي ووسائل تربوية)، وتفاعل معها وتأثر بها، وبالتالي كان ولا بد أن يظهر الأثر بعد إتمام رحلة الحج المباركة في شخصية المسلم؛ فيُعينه الله في إحداث هذا التغيير الشامل في النفس ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ 17(محمد)، ويُعينه بأن يجعل صفحته السابقة بما حملت من آثام ومعاصٍ وذنوب كأنها لم تكن؛ فيبدأ المسلم في صفحة جديدة مع الله ومع النفس ومع الناس والمجتمع من حوله.