بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين نحمدك اللهم حمد الشاكرين ، ونصلي
ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد ......
فإن المسلمين اليوم - وهم في طريقهم إلى التمكين لدين
الله في الأرض – يُسألون : ماذا يمكن أن تقدموا للإنسانية في هذا العصر ؟ .
لا يملك المسلمون أن يقدموا من العلوم المادية ما يساوي
أو يفوق ما وصل إليه العالم اليوم ، إنما يشجعونه ويوظفونه لخدمة الإنسانية ، ويضيفون
إليه القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية . بدلا من توظيفه – كما هو الحال اليوم –
في إهلاك الحرث والنسل .
ولكنهم يملكون شيئًا آخر ، وكنوزًا أخر : يستطيعون أن يسعدوا بها البشرية :
-
تحرير الإنسان : من الخرافات والأساطير ، تحريره من
عبادة غير الله وعبودية الله وحده ، فلا يذل لأحد ، ولا يخضع لمخلوق مثله ، يظلمه
ويسلب كرامته .وتحريره من شهواته التي تنزلق به لحد البهيمية ، ومن نزواته التي قد
تلجئه إلى التعدي على حرمات أخيه الإنسان ، وتضطره إلى اتباع هواه ، بلا ضابط ولا
سلطان .
-
عرض منهج الله سبحانه وتعالى ، هذا المنهج فيه إنقاذ
للبشرية مما تتخبط فيه اليوم ، من إهدار لقيمة الإنسان بقتله بالملايين وإهدار
كرامة شعوب بأكملها ، ونهب ثروات أمم ، هذا المنهج فيه إنقاذ للبشرية من التسيب الأخلاقي والفوضى
الجنسية ، فيه إنقاذ للبشرية من التغول الرأسمالي والظلم الاشتراكي الشيوعي ، فلا
تحريم للكسب والتملك ولا مصادرة لأملاك الناس لصالح الدولة التي تملك كل شيء ويصبح
الإنسان فيها مجرد آلة ، مجرد شيء .
-
المنهج السياسي في الإسلام يقوم على الشورى ، بمعنى اختيار الجماهير لمن
يحكمهم ، وسلطة الشعوب فيمن يمثلهم .واحترام الحاكم للمحكومين ، ومحاسبتهم له :
وانظر إلى خطبة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
-
أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ،
فإن أحسنت فأعينوني ؛ وإن أسأت فقوموني ؛ الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف
فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ
الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ،
ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ؛ أطيعوني ما أطعت الله ورسوله
، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ،
-
ولم يخرج الخلفاء الراشدون من بعده عن هذا النهج .
-
النظام الاقتصادي : تحريم الربا ، فلا يتحكم الغني ،
صاحب المال ، في الفقير المحتاج ، ولا يبقى المال دولة بين الأغنياء ، وفرض الزكاة
وجعلها من أركان الدين وأساسه ، والصدقات ، وفلسفة هذا النظام تقوم على احترام
المحتاج وحمل الصدقة لغاية بيته ، وفيها مشاركة نفسية من المنفق لأخيه المحتاج
وهذا شعور يفوق قيمة الصدقة نفسها ، وفيها نزع الحقد والحسد من قلوب الفقراء ليحل
محله الحب ، ونزع البخل والكزازة من نفوس
الأغنياء ليحل محلها الجود والسخاء والرحمة .
-
هذا هو دين الله ، وتلك هي فلسفة الإسلام ، {صِبْغَةَ اللّهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة138 .
-
منع الفساد وقطع الطريق من أمام المفسدين ، وكفي بهذه
فائدة : قيل إن النظام البائد في مصر هرّب / من 3 – 5 ترليون دولار ، ويا ليته
هربها إلى الداخل ... فلو استطاع الحكام الجدد في مصر أيا كانوا – منع الفساد ، فسوف تصبح مصر من أعظم دول
العالم في فترة وجيزة .
-
النظام الاجتماعي : المساواة بين الناس فلا فرق بين
أعجمي وعربي ، ولا بين أسود أو أبيض إلا بالتقوى .ويصبح التنافس بين الناس على هذا
المعني وينتهي التنافس على المال والجاه والأعراض الزائلة .
-
وقد عاتب الله عز وجل نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم في أمر عبد الله بن أم مكتوم ، حيث انشغل بدعوة كبار
القوم ، ولم يجب ابن أم مكتوب الذي جاء يسعى وهو يخشى ليؤمن ويزكى .
-
وقصة العربي الذي وسط سيدنا بلالا في أمر الزواج ، فما
الذي رفع بلالا الحبشي ليكون شفيعا من قبل عربي الأرومة ، إلا لأنه رفيع المنزلة
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء القوم قال لهم : إن فلانا أرسلني
إليكم ليخطب كريمتكم وإني لأعلم أنه ليس على خلق ، فإن أردتم أن تزوجوه وإلا
فالأمر لكم . فكان ردهم : نحن نعلم أنه كذلك ولكنا لا نرد صاحب رسول الله !
-
وقصة دخول سيدنا أبي سفيان وسهيل بن عمرو ،
وعمار بن ياسر ، وخباب على سيدنا عمر في خلافته ، فلما أذن لعمار وخباب وأخر أبا
سفيان وسهيلا ، احمر أنف أبي سفيان ، فقال له سهيل : يا أبا سفيان إنهم دعوا إلى
الإسلام فأسرعوا وأبطأنا ، فكيف بنا يوم القيامة إذا دعوا إلى الجنة فأسرعوا
وأبطأنا ؟ . فلزم أبو سفيان وسهيل ثغور الشام يجاهدان في سبيل الله !
-
ولكن ...
-
من يعرض هذا المنهج وتلك المبادئ السامية التي أنشأت
أعظم حضارة في تاريخ الدنيا ؟ .
-
من يتولى الفتح الإسلامي الذي كان فتح تمدين وحضارة ،
وتحرير للإنسان ؟ .
-
لابد من دولة قوية سليمة البنيان ، صحيحة الأركان ،
تتبنى الإسلام حياة ومنهجا ، وخلفها مجتمع مسلم يتبنى الإسلام حياة ومنهجا ،
وتنطلق بدعوة الله إلى كل بقاع الأرض حتى لا تكون فتنه ويكون الدين كله لله .
-
وهذا هو جوهر الرسالة التي كلف الله بها أمة محمد صلى
الله عليه وسلم .
- استدراك :
- رسالة موجهة إلى
من يحاربون الإسلام في أجهزة الدولة والإعلام ويقفون عقبة في وجه الشعوب الساعية
لنيل كرامتها وإزاحة غبار الظلم عن وجهها :
- يامن تنفثون
الحقد والسم ، وتظهرون غيظكم من الإسلام وحملة رسالته ، بكل الوسائل التي تتيحها
لكم مواقعكم ، فمنكم من يهدر الوقود ، ويمنعه من الوصول إلى المواطن ، ومنكم من
يثير الخوف وينشر الرعب ، وينفي الطمأنينة والأمن .
- يا من امتطيتم
ظهر الإعلام : قد وصل الأمر إلى حد
الاستفزاز ، استفزاز لكل مواطن ، بعد أن أصبح الدين هو السلعة البائرة ، والطعام
المسموم ، أما غير الإسلام فهو وحده المقبول ، تحت أي اسم كان ، يساريا ،علمانيا ،
لبراليا :
-
{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ
قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ
إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الزمر45.
- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد9 .
-
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ
كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
إِسْرَارَهُمْ }محمد26 .
-
أي قالوا للمشركين (سنطيعكم في بعض الأمر) أي المعاونة على
عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه قالوا ذلك سرا فأظهره الله
تعالى (والله يعلم إسرارهم) .
-
وهاهم أولاء يعينون كل من يعادي الفكرة الإسلامية ،
ويقفون ضد حرية الشعوب التي تريد أن تعيش عزيزة كريمة .
-
والفكرة الإسلامية جوهرها أن يعود الناس إلى ربهم خالقهم
وبارئهم ، يفيئون إلى منهجه ويصدرون عن شريعته ، لكن جهودهم ستذهب جفاء : ( ... لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم )
محمد32 .
-
والله عز وجل لا يترك المؤمنين في المعركة وحدهم ، إنما
يقوي قلوبهم ويثبت أقدامهم ، ويعدهم بالنصر والتمكين في الدنيا وعظيم المثوبة في
الآخرة ، ويحذرهم من الانحراف عن دينهم أو التفريط في قيمهم جراء سلام رخيص
يتنازلون فيه عن ثوابت إسلامهم :
-
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ
وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35
.
-
وإذا سأل سائل عن إمكانية تحقيق الهدف الكبير الذي تسعى
الأمة إلى إيجاده في واقع الناس ، فإننا
نرد بنصوص واضحة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة :
-
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ
بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55
.
-
{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51 .
-
وفي السنة :
(
ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله
هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر
)) رجاله رجال الصحيح
، الراوي: تميم الداري المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد 6/17 .
-
( عَنْ اَبُي قَبِيلٍ؛ قَالَ :كُنَّا
عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي ، وَسُئِلَ :اَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ
تُفْتَحُ اَوَّلًا : الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ اَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ
بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ ؛قَالَ : فَاَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا([1]) قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ
حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ اِذْ سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ اَوَّلًا
قُسْطَنْطِينِيَّةُ اَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ اَوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ. )
مسند الإمام أحمد ، وسنن الدارمي .
- ونحن على يقين لا
يتزحزح ولا يلين ، بأن هذه الثورة التي انطلقت في العالم العربي لن تخبو جذوتها
إلا في روما محققة نبوء محمد صلى الله عليه وسلم .
- نسأل الله عز وجل
أن يمن على البشرية بهذا الدين ، وأن يجعلنا جنودا في سبيله عاملين لإعلاء
دينه .
- والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق