نقطة
جوهرية إذا غابت غاب معها التقييم الحقيقي لمواقف "الإخوان" السياسية في
العام المنقضي؛ وهي أنهم لا يتعاملون مع الأحداث باعتبارهم طرفًا في "صراع
سياسي"، ولكن باعتبارهم صفًّا أماميًّا "مقاومًا للاستبداد ودولة العسكر"...
وقد كان- وما زال- الملعب السياسي مفتوحًا على مصراعيه أمام "الإخوان"
لينهلوا من مكاسبه، ولكنهم اختاروا الطريق الصعب... فما الفارق بين الموقفين؟
لو اختار
"الإخوان" الملعب السياسي، لكانت المكاسب التي تنتظرهم كثيرة:
أولاً:
سيتنازلون "للعسكري" عن الوزارات العشر التي يريدها، وسيحتفظون
بالوزارات العشرين الباقية، ويمكنهم بذلك تأكيد شعبيتهم، ودوام سيطرتهم على الواقع
السياسي، وسيشكلون مع "العسكر" قوة مهيمنة تتمثل في شعبية
"الإخوان" وقوة "العسكر"، ولن يعترض الشعب على الصفقة؛ لأنه
سيشعر باستقرار كاذب، بل وسيرى تقدمًا إيجابيًّا في حياته، ويومها لن تستطيع قوة
سياسية جديدة منازعة "الإخوان" في مكانتها السياسية.
ثانيًا:
إذا قبل "الإخوان" بإملاءات "العسكري" للنص على "النظام
الرئاسي" في الدستور، كانوا سيحوزون الرضا العسكري السامي الذي سيشركهم في
اختيار "رئيس" ينفذ عملية "ديمقراطية تحت التحكم"؛ عناصرها
(استقرار شعبي – سيطرة عسكرية – مشاركة إخوانية)، وسيخرجون من صداع "نقض
الوعد" و"التكويش"، وسيتركون الساحة للقوى السياسية والثورية
لتمارس حقها الأبدي في التنافس والمعارضة والتظاهر إلى المدى الذي تحدده التقديرات
المخابراتية، وإلا... فالأدوات جاهزة (القضاء المسيس – الإعلام الموجه – الشعب
الجائع).
ثالثًا:
إذا استجاب "الإخوان" للمطالب السياسية (المخلص منها والموجَّه) بسحب
مرشحهم الرئاسي، فستلحق بهم كل أوصاف الشرف السياسي (كالمرونة، ونكران الذات، وعدم
التمادي في الخطأ، والالتحام بالنسيج الوطني)، وسيتخففون تمامًا من المسئولية أمام
النخبة، وأمام الشعب، ثم ينتظرون "رئيسًا" يواجه مطالب مؤيديه، وشعبه،
والثوار، و.... "العسكري"، ومهما ألحق من أضرار بمسيرة الثورة، أو ساهم
في وأدها مع "العسكري" فلن يتحمل "الإخوان" أي تبعة أمام أي
أحد، وسيكتفون بمعارضته في "البرلمان"، ثم سيشاهدون (مع كل المتفرجين)،
صراخ الجميع في وجه "الرئيس" العاجز عن تنفيذ وعوده البراقة، في ظل
انتشار تماسيح البيروقراطية المؤتمرين بأمر "العسكري"، ثم التمكين لهذا
"العسكري" الذي سينفرد "بشخص الرئيس" ليضعه أمام خيارين، إما
الانضواء تحت مظلة "العسكر" تمامًا، أو تثبيت الوضع الدستوري لهم على
النمط الباكستاني مع بقاء (الشكل) الديمقراطي... وتدخل الثورة المصرية في طابور
الثورات المجهضة.
إذن...
سيربح "الإخوان" أوضاعًا مريحة، وستخسر القوى الثورية جهود
"الإخوان" في مقاومة "العسكر"، ويظل "الإخوان" في
المنطقة الدافئة ذات الخصائص السحرية (سلطة مستقرة – بعد عن الصراعات – مسئولية
محدودة).
أما
الموقف الثاني: وهو الاختيار "الإخواني" بالإصرار على مطالب الثورة
كاملة غير منقوصة... وبلا مساومة؛ والانتقال من دولة سلطوية بغطاء عسكري إلى دولة
دستورية مدنية... فماذا كلفهم ذلك؟.
أولاً:
خسروا كل المغانم السابق ذكرها!! التي كان يمكنهم أن يربحوها بالاتفاق مع
"العسكر".
ثانيًا:
يخوضون معركة انتخابية بدافع أخلاقي، يواجهون فيها حربًا شرسة وغير أخلاقية، لا
تميز فيها المعارض الحقيقي من المعارض الرخيص.. إلا قليلاً، يتساند ضدهم فيها
إعلام "مباركي" فلولي، من طائفة مصاصي الدماء وأكلة لحوم البشر، يضربون
سهامهم في صدر "خيرت" التنظيمي المتجهم عاشق السرية الذي لا يمتلك
الكاريزما!.. والتاجر الذي يريد زواج السلطة من الثروة مثل "أحمد عز"...
هذا ما قالوه!!... فإذا جاء "مرسي" قالوا أين هذا من "خيرت"
المبهر الكاريزماتي، الذي كان جديرًا بالمنصب لو ترشح له!!.
ثالثًا:
يواجهون شعبًا مرهقًا، ما زال الجوع والمرض والتغييب العقلي ينهشون جسده، والمتعلم
منه أسلم نفسه للفضائيات المخاتلة الخادعة، ولا وقت لديه ليتحرى الصواب من الخطأ،
أو الرشد من الضلال، يوهمونه بكذب "الإخوان" عليه، ولم يكن
"الإخوان إلا صادقين... وكانوا هم الكاذبين... ولكنها حرفة التخييل
والتشهير... كل هذه العقبات ينبغي تجاوزها... ليعود الشعب إلى خياراته الحقيقية،
مزيلاً الغشاوة عن عينيه وعقله، ولينتبه إلى "مطالبه" التي يعبث بها
"العسكر" المؤيد بالفلول المتعافية من آثار الثورة، والتي اصطفت ملبية
للتعليمات، لتبيع "الشعب" و"ثورته" في سوق النخاسة، والمشتري
"الأمريكي" جاهز بالثمن.
رابعًا:
يواجهون قوى سياسية تقليدية، تنتهز الفرصة لتلعب على كل الحبال؛ حبال الثورة وحبال
المغانم، وقوى صديقة أغراها ذهب المعز، أو أخافها سيفه، وأقلام محبة تكتفي
بالكتابة نقدًا أو تأييدًا في وقت ينبغي أن تلتئم باللقاءات والتشاور، وقوى ثورية
مخلصة لكنها متشرذمة غاضبة دائمًا، تقطع حبل التواصل مع أول اختلاف، مرتابة وقلقة
ومتوجسة، ولا يعالج هذا إلا (الوقت)... الذي يمر بلا هوادة؟!.
خامسًا:
يواجهون تحدي الوقت ليضيفوا تأييد خمسين ألف مواطن يوميًّا لمرشحهم الرئاسي
"د. مرسي"، ثم أمامهم معركة "لجنة الانتخابات" المفتقدة للثقة
الشعبية، ثم المادة 28 التي ستحصن الحق أو الباطل... لم يعد أحد يدري ولا يثق.
على الصف
الإخواني... وعلى أمتنا كلها أن تعلم... أن هذا ليس زمان الحسابات والصفقات
السياسية، ولكنه زمن الصمود والمنافحة عن حقوق الشعب، وهو ليس وقتًا للاستمتاع
وتلاوة آيات التمكين، بل هو وقت للكفاح واستدعاء تأييد السماء، واستلهام آيات
المرابطة.. ذلك لمن اختاروا مواجهة الزيف، والانتصار للضعفاء، وكسر شوكة
المستبدين.
ويجب على
صفنا أن يعلم أن القلوب التي أظلمها التضليل المثابر، ستنيرها كلمات الحق
الصابر... حتى لو خرجت من أفواهنا مبعثرة أو متعثرة، فقط نريدها مخلصة واثقة.
لم يعتد
"الإخوان" خوض معارك سهلة، ولم يجرب "الإخوان" طعم الصفقات،
وبمجرد ظهورهم على الأرض فقد أعلنوا عن قادم جديد لا ينشغل إلا بعظائم الأمور، ولا
ينحني للعواصف ولا يعرف معنى الانكسار.
لقد عقدنا
عزمنا على أداء رسالتنا لأمتنا... كاملة غير منقوصة، نوقن أننا على الرشد، ونجتهد
أن نكون دائمًا على الحق، ولا ترجفنا دعاوى المبطلين، ولا تثبيط المتنطعين،
جرَّبنا شعبنا، ونعلم كيف نطببه بطبنا، ليتعافي بدوائنا، وسيكون لكلماتنا الصادقة
فعل السحر الحلال الذي سيبطل سحرهم الحرام، وسيعلم الجميع وقتها أن الرائد
الإخواني لا يكذب أهله أبدًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق