ومما ورد في حب الله

ومما ورد في حب الله تعالى :

قال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه؟.

وفي بعض الكتب: عبدي أنا -وحقك - لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.وقال يحيى بن معاذ: مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب.

وقال يحيى بن معاذ:

إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيراً أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني وقلبتني في الأعمال ستراً وتوبةً وزهداً وشوقاً ورضاً وحباً تسقيني من حياضك وتَهملني في رياضك ملازماً لأمرك ومشغوفاً بقولك، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد اعتدت هذا منك وأنا صغير، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف وعن غير حبيبه مصروف.

وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه فلنشتغل به.


أحب الأعمال إلى الله

( أحب الأعمال إلى الله }
1 - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل .
2- أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله .
3 - أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله .
4 - أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم .
5- أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور ٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرًا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضيً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل .
6- يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل .
{ هذه الأحاديث من تخريج السيوطي وتحقيق الألباني }

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

في رحاب الإخلاص

في رحاب الإخلاص
تقديم :
لماذا حملت سورة ( قل هو الله أحد ) اسم ( الإخلاص ) ؟ .
والإخلاص يكون لله تعالى , وللنبي – صلى الله عليه وسلم – ولأئمة المسلمين وعامتهم
( من كتب ابن أبي الدنيا ) :
حدثني سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، قال : بلغني أن علي بن أبي طالب ، قال : العمل الصالح الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا لله .
- حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمرو بن الرحال الحنفي ، حدثنا العلاء بن السائب ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد خير ، قال : قال علي بن أبي طالب : لا يقل عمل مع تقوى ، وكيف يقل ما يتقبل ؟ .
عن بعض ولد ابن مسعود قال : طوبى لمن أخلص عبادته ودعاءه لله ولم يشغل قلبه ما تراه عيناه ، ولم ينسه ذكره ما تسمع أذناه ، ولم يحزن نفسه ما أعطي غيره
قال عبد الواحد بن زيد: الإجابة مقرونة بالإخلاص لا فرقة بينهما .
- حدثني يعقوب بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة ، حدثني ابن غزية ، عن حمزة ، من بعض ولد ابن مسعود قال : طوبى لمن أخلص عبادته ودعاءه لله ولم يشغل قلبه ما تراه عيناه ، ولم ينسه ذكره ما تسمع أذناه ، ولم يحزن نفسه ما أعطي غيره
- حدثنا عبد الملك بن إبراهيم ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن حزم القطعي : عن عبد الملك بن عتاب قال : رأيت عامر بن عبد قيس في النوم فقلت : أي الأعمال وجدت أفضل ؟ قال : ما أريد به وجه الله
11 - حدثنا أحمد بن بشير ، حدثنا عبد الرحمن بن جرير قال : سمعت أبا حازم يقول : عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح .
12 - حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عبد ربه بن عبد الله الفلسطيني ، عن مولى لابن محيريز قال : دخلت مع ابن محيريز حانوت بزاز ليشتري منه متاعا ، فرفع في السوم ، ولم يعرفه ، فأشرت إليه أنه ابن محيريز فقال : اخرج إنما نشتري بأموالنا لابديننا .
- حدثني أبو هاشم ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا المضاء بن عيسى الدمشقي ، قال : مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم وهو عند قوم قد أضافوه وأكرموه فقال : نعم الشيء هذا يا أبا إبراهيم إن لم يكن تكرمة دين .
حدثني يعقوب بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا رشدين بن سعد ، عن شراحيل بن يزيد ، عن عبيد بن عمرو ، أنه سمع فضالة بن عبيد ، يقول : لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل (1) أحب إليّ من الدنيا وما فيها ؛ لأن الله يقول ( إنما يتقبل الله من المتقين (2) )- حدثنا إبراهيم بن الأشعث ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) هود آية رقم : 7 ) قال : أخلصه وأصوبه ، قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة
- حدثني عبد الرحمن بن صالح ، حدثني المحاربي ، عن سفيان ، عن زبيد ، قال : من كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل ، ومن كانت سريرته مثل علانيته فذلك النصف ، ومن كانت سريرته دون علانيته فذلك الجور .
- كان العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات ، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه : من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه .
عن الأوزاعي ، عن بلال بن سعد ، قال : لا تكن وليا لله في العلانية وعدوه في السريرة .
- حدثني بشر بن معاذ ، عن شيخ ، من قريش قال : قال عمر بن عبد العزيز : يا معشر المستترين اعلموا أن عند الله مسألة فاضحة قال تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون (1) : الحجر آية رقم : 92) .
- وحدثني سريج ، حدثنا الوليد ، عن الأوزاعي ، قال : سمعت بلال بن سعد ، يقول : لا تكن ذا وجهين وذا لسانين ، تظهر للناس ليحمدوك ، وقلبك فاجر .
26 - حدثني محمد بن عثمان العجلي ، حدثنا أبو أسامة ، عن الربيع ، قال : وعظ الحسن يوما فانتحب رجل ، فقال الحسن : ليسألنك الله يوم القيامة ما أردت بهذا .
27 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن ، عن إبراهيم بن الأشعث : عن فضيل بن عياض قال : خير العمل أخفاه ، أمنعه من الشيطان وأبعده من الرياء .
عن نصيح العنسي ، عن ركب المصري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طوبى لمن طاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وكرمت علانيته ، وعزل عن الناس شره » .
- حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر قال : بكى رجل إلى جنب الحسن فقال : قد كان أحدهم يبكي إلى جنب صاحبه فما يعلم به .
- حدثنا خالد بن خداش ، وعبيد الله بن عمر قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : إن كان الرجل ليجتمع إليه القوم أو يجتمعون يتذاكرون فتجيء الرجل عبرته فيردها ثم تجيء فيردها ثم تجيء فيردها فإذا خشي أن يفلت قام .
حدثنا خالد بن خداش قال : حدثنا حماد بن زيد قال : بكى أيوب مرة ، فأخذنا منه فقال : إن هذه الزكمة ربما عرضت .
حدثني يعقوب بن إسماعيل ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرني رجل ، عن أبي السليل ، أنه كان يحدث أو يقرأ فيأتيه البكاء فيصرفه إلى الضحك .
- عن الحسن أنه حدث يوما أن وعظ فتنفس في مجلسه رجل فقال الحسن : إن كان لله فقد شهرت نفسك ، وإن كان لغير الله هلكت .
- حدثنا خالد ، وعبيد الله قالا : حدثنا حماد ، عن يونس : عن الحسن قال : إن كان الرجل لتكون له الساعة يخلو فيها فيصلي ، فيوصي أهله فيقول : إن جاء أحد يطلبني فقولوا : هو في حاجة له .
- وحدثنا أحمد قال : حدثني أبو محمد قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزراد قال : ربما اشترى حسان بن أبي سنان أهل بيت الرجل وعياله ثم يعتقهم جميعا ، ثم لا يتعرف إليهم ولا يعلمهم من هو .
46 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني شبابة بن سوار ، قال : أخبرني أبو الطيب ، موسى بن يسار قال : صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة فكان الليل أجمع يصلي في المحمل جالسا يومئ برأسه إيماء ، وكان يأمر الحادي أن يكون خلفه ويرفع صوته حتى لا يفطن له .
- حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا داود بن نصير ، عن الأعمش عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يظهر الرجل أحسن ما عنده .

ومن مصادر أخرى منفرقة :
قال سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
ودعا آخر فقال : اللهم إني أستغفرك من كل عمل ٍ قصدت فيه غير وجهك .
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
قال العارف الرباني سهل بن عبد الله التستري،: الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى، إلا من عمل بعلمه .وفي لفظ آخر قال: الدنيا جهل وموت، إلا العلم، والعلم كله حجة (أي على صاحبه)، إلا العمل به، والعمل كله هباء، إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به.وقال بعضهم: العلم بذر، والعمل زرع ( أي ثمرته ) ، وماؤه الإخلاص.وقال ابن عطاء الله في " حكمه ":إن الله لا يحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك، فالعمل المشترك هو لا يقبله، والقلب المشترك هو لا يقبل عليه.إن العمل الذي لا يصحبه الإخلاص صورة بلا حياة، وجثة بلا روح، والله تعالى إنما يريد من الأعمال حقائقها لا رسومها وصورها، ولهذا يرد كل عمل مغشوش على صاحبه، كما يرد الصيرفيّ الناقد العملة الزائفة.وفي الحديث الصحيح الذي رَواهُ أبو هُريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصابعه إلى قلبه. وقال: (التقوى ههنا) وأشار إلى صدره ثلاث مرات (هذا الحديث والذي قبله رَواهُ مسلم في البر والصلة برقم (2564) .وقال الله تعالى في شأن قرابين الهدى والأضاحي التي يقدمها الحجاج والمعتمرون: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج: 37).الإخلاص مطلوب لصلاح الحياة :وليس تشديد الإسلام في طلب الإخلاص، وتأكيده على تجريد النية لله، وتصحيح الاتجاه إليه وحده: ضربًا من التزمت أو العبث، فإن الحياة نفسها لا تستقيم ولا ترتقي إلا بالمخلصين، وأكثر ما يصيب الأمم والجماعات من النكبات والكوارث القاصمة إنما يجره عليها أناس لا يرجون الله والدار الآخرة... أناس من عبيد الدنيا، وعشاق الثروة، الذين لا يبالون - في سبيل دنياهم وشهوات أنفسهم - أن يدمروا دنيا الآخرين ودينهم معًا، وأن يحولوا الأبنية إلى خرائب، والمنازل إلى مقابر، والحياة إلى موات. أو أناس من طُلاب الزعامة والسلطة، وعبيد الشهرة والجاه، وعشاق المجد الشخصي، والبطولة بغير الحق، إنهم في سبيل الحصول على المجد والسلطان، أو في سبيل الحفاظ على ما أدركوا منه، لا يبالون أن يخربوا ديارًا، ويدمروا أُمة بل أممًا بأسرها، لا لشيء إلا لتصفق لهم الأيدي، وتهتف لهم الحناجر، وتنطلق بإطرائهم الأقلام، وتُسبح بحمدهم الجماهير المسكينة المخدوعة، ويدوم لهم الاستمتاع بكراسي الحكم الوثيرة ! وشعار كل منهم: أنا أو يخرب العالم من بعدي !!إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، الإسلام يرفض الثنائية المقيتة، والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلمًا في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر. إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعله كله لله ، فصلاته ونُسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين .
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة" (رواه الحاكم
يقول ابن القيم في (أعلام الموقِّعين ) :
"إن صحة الفهم، وحسن القصد، من أعظم نعم الله التي أنعمها على عبده، بل ما أُعطي عبدٌ بعد الإسلام أفضل وأجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريقَ المغضوب عليهم، الذين فسد قصدُهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المُنعَم عليهم الذين حسُنَت أفهامهم وتصورهم".
يقول الفضيل بن عياض: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما"، ويقول الجنيد: "الإخلاص سرٌّ بين الله وبين العبد، لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله"، وقال سليمان: طوبى لمن صحَّت له خطوةٌ واحدةٌ لا يريد بها إلا الله تعالى، وقال يعقوب المكفوف: المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته .
من أهم الشوائب والآفات المكدرة للإخلاص :
1- حسن الظن بالنفس والاغترار بالعمل . 2- الرياء.. صغيره وكبيره .3- التعصُّب للأشخاص والمذاهب والطوائف
ومنها : ما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته، بحيث لا يريد الإطلاع، ولا يسّر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ووجد لذلك استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق من تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه. وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون".
وأما ثانيها: فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية وقصداً، فيجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية.
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله:- "حكى أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى".
والأمثلة عليه كثيرة من الواقع، فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات مثلاً كصيام النوافل وقيام الليل وكثرة الصلاة والخشوع، وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيوفق في اختباره أو سيفوز بوظيفة ما، فهذا بالحقيقة إنما أخلص للاختبارات وذلك أخلص للوظيفة.
ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يذهب إلى المسجد ماشياً أو يحج كل سنة أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة.
ويكون قد انعقد في قلبه أنه يفعل ذلك لينشط جسمه أو يحرك الدورة الدموية كما يقولون.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكيلة. أهـ.
وأما ثالث هذه المسالك الدقيقة وهو ما أشار اليه الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: "ههنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح .
ركن الإخلاص في رسالة التعاليم
يقول الإمام حسن البنا: وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ بقوله وعمله وجاهده كله وجهَ الله، وابتغاءَ مرضاته وحُسْنَ مثوبته، من غير نظرٍ إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدُّم أو تأخُّر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِيْ وَنُسُكِيْ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ* لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ..﴾ (الأنعام: 162، 163) وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم: "الله غايتنا" و"الله أكبر ولله الحمد".
ومن علامات الإخلاص :
- الصدق مع الله قولاً وعملاً .
الصدق مع الله شكر في السراء وصبر عند البلاء وتوبة عند الذنوب؛ لأن الكمال الإنساني في نظر الإسلام يتم بصدق الحديث، وتحرى الحق، وتنزيه القلب عن أن يخطر به السوء، ولقد سُئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق السان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقى النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

فنقطة البدء في عمل المسلم: تطهير القلب واستقامة اللسان إلا أن الصدق يشتمل على الأعمال الظاهرة والباطنة على حدٍّ سواء.
التدقيق في اختيار الصديق
اختيار الأصدقاء الذين يعينون على الخير، ويرشدون إليه، مما يهتم به الإسلام ويحرص عليه أشد الحرص، إذ الإنسان يفيد بمعاشرة الأصدقاء كثيرًا مما هو في حاجة إليه من جميل الخصال، وتهذيب السلوك، وصقل النفس .

يقول عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-: "مَن أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخمس: 1- يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته. 2- ويدلنا من العدل ما لا نهتدي إليه. 3 - ويكون عونًا لنا على الحق. 4- ويؤدي الأمانة إلينا وإلى الناس. 5 - ولا يغتب عندنا أحدًا.
وسلامة القلب لا تتم مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء:
1 - من شرك يناقض التوحيد. 2- وبدعة تخالف السنة.
3 - وشهوة تخالف الأمر 4- وغفلة تناقض الذكر.
5 - وهوى يناقض التجرد والإخلاص.

طلب النصيحة من الصالحين :
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذبه بالذكر.
وسأل رجل السيدة عائشة- رضي الله عنها-: ما دواء قسوة القلب؟ فأمرته بعيادةِ المرضى وتشيع الجنائز، وتوقع الموت.
كما شكا رجل من ذلك إلى مالك بن دينار، فقال أدم الصيام، فإن وجدت قسوة فأطل القيام، فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
وقال الأزدي سمعت إبراهيم الخواص يقول: دواء القلب خمسة أشياء:
1- القرآن بالتدبر. 2- وجلاء النظر. 3- وقيام الليل. 4- والتضرع عند السحر. 5- ومجالسة الصالحين.
محاسبة النفس قيل العمل وأثناءه وبعده .
إن يقظة الضمير أو النفس، ودقة الشعور، وحياة الوجدان جعلها الإسلام قوام صلاح النفس، فهي الحارس الذي يحصي على المسلم خواطره وهواجسه، وألفاظه، وكلماته، وأعماله، وتصرفاته؛ لأنه لا يفارقه لحظة من ليل أو نهار في خلوة أو اجتماع، ويزنه بميزان دقيق يميز الخير من الشر ويعلن الجزاء لساعته مسرورًا ومبتهجًا برضي وطمأنينة وراحة وسلامًا إذا فكر أو قال أو فعل خيرًا، وسعيرًا وجحيمًا ووخزًا أليمًا ونارًا تلظى بين الضلوع والجوانح إذا انحرف عن الطريق أو ضل سواء السبيل حتى إنه ليفر بنفسه إلى القصاص العادل وإن كان الموت, كما حدث في قصة ماعز والغامدية.

إنها اليقظة في نفس المؤمن أصاب أم أخطأ: معرفة بالله, وإحساس برقابته ليفوز بجنة الآخرة ولا يحظى بذلك إلا المخلصون .
الوفاء بالبيعة وأركانها والثبات عليها . ومراعاة حقوق الأخوة حتى تصير خلقا في الجماعة أفردا وقيادة, وقدوة يحتذى بها .
بذل الجهد واستخدام كل الوسائل المتاحة لتكوين رأي عام حول الدعوة .
- السمع والطاعة للقيادة في العسر واليسر والمنشط والمكره
الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين :
وما أخطر هذا الجانب : انظر ولاء أفراد كثيرين في وأوطاننا يكون لمن ؟
لكل ظالم ٍ مستبد أولمستعمر غشوم ؛ من أجل كعكة معجونة بدم إخوانه أوينال ثر وة مسروقة من أوطانه .
الفرح ببروزالقيادات الجديدة .
أن يستوي عنده العمل قائدًا أو جنديُا .
- النصح والتسديد للعاملين في حقل الدعوة وغيرهم من دلائل الإخلاص لله وحب الدين .
- أن يكره الشهرة , وقالوا : ما أخلص من أحب الشهرة .
- أن يكون العمل الخفي أحب إلى نفسه من العمل المعلن .
أصحاب الأماني :
إن المسلم الحريص على تحقيق الأهداف يجب أن يفرِّق بين الأمنيات والإمكانات، ويقدم نصيحته على ضوء الإمكانات لا الأمنيات؛ لأن الأمنيات تقوم على العواطف وربما الهوى والظن، ولا تفرق بين ما يجب أن يكون وما هو كائن؛ ولذلك فإنَّ أصحابَ الأماني يُكثرون من النقد، ويرون كل خطوةٍ ناقصةً، وكل عملٍ خاطئًا ولا يقول الواحد منهم "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وليس هذا من الإخلاص في شيء؛ لأن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات، ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "استعيذوا بالله من جارِ السوء الذي إن رأى خيرًا ستره، وإن رأى شرًا أظهره".
- كتمان السر . - إنكار الذات ليس معناه عدم الشهرة .
من دلائل إخلاص القيادة لأفراد الجماعة :
- العمل على تماسك الجماعة وتنفيذ منهاجها وتحقيق أهدافها .
من دلائل الإخلاص للدعوة جندًا وقيادةً مراعاة المنهج والخطة والأهداف وطبيعة المرحلة .
إعداد البرامج التربوية التي تنمِّي قدرات الأفراد دينًا ودُنيا ومعالجة الأمراض داخل الجماعة
وعلى القيادة المخلصة ملاحظة أسباب النصر والهزيمة عند السير في طريق الدعوة، وأن تضع نصب أعينها أهم أسباب النصر، وهو بناء القاعدة الصلبة التي تكون قادرةً على تحمل المسئولية في حمل الدعوة للناس، والدفاع عنها، والتفاني من أجلها، وذلك بتنقيتها وتخليصها من الأمراض التي تفتك بالعقيدة والأخلاق والسلوك، وأن تنمِّي فيها الصفات الكريمة والأخلاق الفاضلة، حتى يبرز الهدي القرآني في كل تصرفاتها؛ ذلك لأن تأخر النصر أو نزول الهزيمة، إنما يكون سببه وجود خلل أو مرض في الصفّ ناتج عن ضعف التربية أو نقصها.

لذا كان السلف الصالح لا يخافون العدو مثل خوفهم من المعاصي التي تصدر منهم، وعلى هذا فإن القيادة المخلصة تتعرَّف على أهم الأمراض التي تكون سببًا في تأخُّر النصر، أو الهزيمة، والمسارعة إلى معالجتها، وتنقية الصف منها :
- إعداد الرجال وحسن اختيار القيادات للمستقبل .
- ومنها إعداد الكفاءات العلمية المتخصصة : في العلوم الشرعية والقانون والتخطيط والعلوم المادية الأخرى .
- اعتماد الشورى الملزمة لأنها جماعة عالمية ذات أهداق كبيرة ولا يصح وجود لأهواء الأفراد والتي يمكن أ ن تعصف بجهود الجماعة .
الاستفادة من الماضي
فإذا تمت المراجعة المطلوبة في الدعوة والعمل، ورفض مبدأ ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإغلاق صفحة الماضي وعدم تقبيحه والحديث عنه لتقدمنا إلى الأمام نحو تحقيق الأهداف.. إن القيادة المخلصة تراجع خطواتها ووسائلها، ولا تتهرّب أو تسوِّف أو تقدِّم المعاذير والمسوغات، ولا تعترف بخطأ الوسائل والخطوات؛ حتى لا يؤدي هذا إلى الخلط بين الوسائل المخطئة والأهداف المحقة، فتدافع عن الخطأ في اختيار الوسائل بالحديث عن صواب المبادئ والقيم، وبذلك تضع نفسها موضع الذي لا يخطئ .
- الاعتراف بالخطأ
- --------- بث الأمل والثقة في نصر الله :
والأهم : ما المقصود بإخلاصنا لدعوتنا في هذه المرحلة ؟ ... . أن نثبت على طريقنا وعلى دعوتنا أمام هذه الضغوط الدولية والداخلية ونورّث الدعوة لهذه الأجيال حتي تمر المرحلة الحالية وطبعًا ستتحمل الجماعة تضحيات نسأل الله أن تكتب في ميزان حسناتنا , وتكفر بها سيئاتنا , وتقبل في مجمل طاعاتنا .
والإخوان لم يخدعوا أحدًا , ولم يعدوا الناس بنصر ٍ قريب ٍ من غير ثمن وتضحيات . وللعلم ليس هذا طريق الدعوات فقط وإنما هوطريق أي إصلاح أو تغيير يريد الناس أن يقيموه في الأرض .
وقال الشيخ ياسين – رضي الله عنه – قال : ليس معني أنا لم نحصل علي حقنا أن نتنازل عنه .
ولسائل ٍ أن يسأل لماذا لم يدعُ النبي – صلي الله عليه وسلم – ربه أن ينصره نصرًا عاجلا ولا يطيل عليه و علي أصحابه الشدة والابتلاء ؟ . بل اختار طريق المجاهدة والصبر والدفع والنفس الطويل .
حتي لايأتي من أمته دعاة ينهجون طريقًا ورديًا مريحاً .
وقد جاء رجلٌ إلي النبي – صلي الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله : لا أستطيع أن أجاهد ولا أنفق !! .
فقال له النبي – صلي الله عليه وسلم – بم تدخل الجنة إذن ؟ !! ثم عاد الرجل بعد ذلك فقال يا رسول الله أجاهد وأنفق .
لأن النصر السهل لايعيش لأن النصر الرخيص لا يبقي , إن أمته يجب أن تدرب , يجب أن تعد ولا بد من قدوة ٍ في جهاد ٍ شاق وصبر ٍ طويل ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) .
إن الدعوة الهينة يتنباها كل ضعيف أما الدعوة العفية الصعبة فلا يتبناها إلا الأقوياء ولا يقدر عليها إلا الأشداء .
لمن النصر :
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) البقرة 0 214 ) . إن نصر الله قريب و لكن ممن احتملوا البأساء والضراء , ممن جاهدوا وبذلوا ممن لم يبقوا في طاقتهم قوة ممن احتملوا مشاق الطريق .
عندما يبذل الإنسان أقصى ما في طوقه , عندما يصل إلي نهاية الشوط , عندما يلقي بهمه كله إلي الله بعد أن لم يبق في طوقه ذرة عندئذ يتحقق وعد الله ( ألا إن نصر الله قريب ) .
واجب عملي : كل فرد يبتكر من الوسائل ما يثبت به إخلاصه , ويراقب به نياته , ويخلص القول والعمل والسر والعلن لله رب العالمين .
وليـكن شعارنـا :
والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
وعلي الله قصد السبيل
شعبان شحاته

ليست هناك تعليقات: